جريمة التهجير القسري في فلسطين - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

جريمة التهجير القسري في فلسطين

  نشر في 15 أكتوبر 2023 .


لم نعرف في تاريخنا قط ظلم كما يحدث الآن في غزة من تهجير قسري وقصف المنازل والمساكن وارتكاب إبادات وتطهير عِرقي، التاريخ البشري يخلو من أي جريمة تعادل جريمة الإبادة التي تجري على يد الصهاينة بحق الفلسطينيين. فالأخبار تصدح في كل مكان عن استشهاد أكثر من ٢٣٠٠ فلسطيني وإصابة أكثر من ٩٠٠٠ فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، حتى هذه اللحظة التي اكتب فيها المقالة ولا زال العدد في ازدياد وخاصة مع قطع الكهرباء ووقف امدادات الماء وقطع خدمات الإنترنت عن غزة وتدهور الخدمات الصحية في المستشفيات المقصوفة والمدمرة بالكامل. أن هذا الفعل أكثر وحشية في تاريخنا البشري وهو صميم الإرهاب والعنف ولا علاقة له بالديموقراطية التي ينادي بها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن في تصريحاته الأخيرة والتي أدّعى فيها أن أمريكا وإسرائيل دولتان تطبقان الديموقراطية وملتزمتان بالقانون الدولي وقوانين الحرب. أن عملية التهجير عنوة تنطوي على كثير من الأغراض السياسية أولا توسيع رقعة حدود الكيان الصهيوني ليشمل غزة ومستقبلا رام الله ولا أدري ربما جنوب لبنان وغرب سوريا كما كتب تشرتشل عن نتيه في توسيع رقعة إسرائيل في مذكراته "إذا أتيح لنا في حياتنا وهو ما سيقع حتما، أن نشهد مولد دولة يهودية لا فلسطين وحدها، بل على ضفتي الأردن معا، تقوم تحت حماية التاج البريطاني..." وورد في وثيقة إعلان دولة إسرائيل ما يلي: "أن دولة إسرائيل ستكون مفتوحة للهجرة اليهودية ولجمع الشتات وسوف تحرص على تطوير البلاد لمصلحة كل سكانها. نحن ندعو الشعب اليهودي في كل أماكن شتاته لأن يتوحد حول المستوطنين عن طريق الهجرة وأن يقف إلى جانبهم في المعركة الكبيرة..." ثانيا الاعتزام في بدء استيطان جديد في غزة كما حدث مذ القرن الماضي. ومما لا يخفى على الجميع، فأن الاستيطان الصهيوني هي حركة سياسية لا دينية تطمح لجمع اليهود في بلد واحد وهي فكرة ظهرت في مؤتمر بازل في عام ١٨٩٧ م وقد جاء بعد هذا الاجتماع الإعداد والاستعداد لمرحلة الاستيطان في فلسطين، ومما هو جدير بالذكر، هو أن الشخصيات الصهيونية البارزة قد اختلفت في اختيار البلد المراد استيطانه لكن فلسطين حازت على الشعبية الأكثر وحصلت على أكبر عدد من الأصوات ومما ساهم في اختيار فلسطين هو وجود بريطانيا التي كانت تعتبر في ذلك الوقت أكبر وأقوى دولة امبريالية وأكثرهم عنفا. ففي عام ١٩٠٥ م شكّل مجلس الوزراء البريطاني لجنة ترسيخ الاستعمار في آسيا وأفريقيا وقد قدمت اللجنة تقريرا يدعى "كامبل بنرمن" وجاء في إحدى فقراته ما يلي: "ضرورة العمل على فصل الجزء الأفريقي في هذه المنطقة عن الجزء الآسيوي، وتقترح اللجنة لذلك إقامة حاجز بشري قوي وغريب يحتل الجسر البري الذي يربط آسيا بأفريقيا، بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة سويس قوة صديقة للاستعمار وعدوة لسكان المنطقة.." ولا زال هنالك، وينتشر بيننا عربٌ يؤمنون بأحقية الوجود الصهيوني في المنطقة، ولازالوا في سبات عميق عن إدراك حقيقتهم وكثير يصدق قصصهم الملفقة والمزورة.


لعبت بريطانيا دورا فعالا في إنشاء إسرائيل وكانت تتحكم بحرية في تشكيل المنطقة، كما وجدت في فكرة الصهيونية هدف عظيم في ترسيخ قواعدها في المنطقة لما أدى ذلك إلى دعم الحركة بكافة الطرق الممكنة المتمثلة في الدعم المادي والعسكري والمعنوي ولا سيما دعمهم بنقل مجموعات بشرية إلى فلسطين قادمة على سفن وبواخر عملاقة لتعزيز الاستيطان والبدء في تهجير الفلسطينيين. وقد رأينا في وعد بلفور أبشع التصريحات الاستعمارية التي قيلت على لسان وزير الخارجية البريطاني حيث قال: "أن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وسوف تبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية... " وقد وافقت الحكومة الأمريكية على هذا التصريح وصادقت عليه الحكومة الفرنسية والإيطالية.


أن التهجير القسري والاقصاء الإلزامي لأصحاب الحق ليس سوى استكمالا لهذا المشروع الإمبريالي الذي يقاد من قبل إسرائيل ويدعم من دول الغرب كافة ليحل محله هجرة استيطان جديدة. لقد ارتفع عدد اليهود في فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى من ٥٥ ألفا يهودي إلى ١٠٨ آلاف يهودي في عام ١٩٢٥ م وإلى ٣٠٠ ألف يهودي في عام ١٩٣٥ م وإلى ٦٤٠ ألف يهودي في عام ١٩٤٨ م وكانت فلسطين وقتذاك ترزح تحت نير الانتداب البريطاني وهنا كنات بداية النكبة، الفاجعة التي سرقت وطن وهجّرت أصحاب الحق، المأساة التي لا تشبهها مأساة. أكبر عملية تشريد وتطهير عرقي شهدها تاريخ الإنسان منذ إبادة الآزتك والإنكا والمايا على الأراضي الأمريكية. أن فلسطين ليست سوى إعادة التاريخ الدموي الذي قام به الأوروبيون في الأراضي الأمريكية لإبادة السكان الأصليين، فالمشهد هنا هو نفسه تماما اللهم أن الفلسطينيين هم الهنود الحمر الجدد. إذن نقول أن التهجير والاستيطان أحد ركائز نشوء دولة إسرائيل ولولاها لما كان لإسرائيل أي وجود في المنطقة، فمع الهجرات اليهودية الأولى، كانوا اليهود يحاولون السيطرة على المزارع وإنتاج الخضار والفواكه ولقد نجحوا بحق إلى حد ما في السيطرة على ذلك، فأنشأوا أول مستعمرة زراعية في يافا عام ١٨٧٠ م لكنها لم تنجح ثم أعيد إنشائها في عام ١٨٨٣ م. كان الانتداب البريطاني يجبر الفلسطينيين على التخلي عن أراضيهم الخصبة والخروج من قراهم إلى قرى أخرى ولذا نجد جوزيف مايتس أحد المسؤولين عن الاستيطان اليهودي في فلسطين يصرح: "ينبغي أن يكون واضحا فيما بيننا أن هذا البلد (فلسطين) لا يمكن أن يتسع لكلا الشعبين. إننا لن نحقق هدفنا في الاستقلال إذا ما بقي العرب في هذا البلد الصغير والحل الوحيد يتمثل في إفراغ فلسطين، أو على الأقل في نقل العرب إلى فلسطين الغربية. ليس من ثمة وسيلة أخرى سوى نقل العرب الموجودين هنا إلى البلدان المجاورة، نقلهم جميعا.. ينبغي ألا تبقى قرية واحدة أو قبيلة واحدة". نحن نشهد الآن مرحلة جديدة من تهجير سكان غزة وإخلائهم خارجها من قبل الجيش الإسرائيلي، انتشرت في الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي مقاطع لشاحنات وقوافل تحمل الفلسطينيين إلى جنوب غزة ومنفذ رفح على حدود مصر، وثم يقوم الطيران الإسرائيلي بقصفهم وتدمير سياراتهم أثناء تهجيرهم وهم محملون فوق الشاحنات كما لو أنهم بضائع لا بشر بجانب تدمير وتخريب بنيتهم التحتية ومدارسهم ومستشفياتهم لتكون أبشع جرائم في التاريخ.

 لم أنوي التطرق إلى عقوبة التهجير وتجريم القانون الدولي، فكيف تقاضي القاضي؟من المعروف أن القانوني الدولي هو دستورهم وأمنهم الدولي هو أمنهم وحدهم لاغي، لذا رأيت لا فائدة من الاستشهاد بالقوانين والأنظمة في قضية كلها عدل تبحث عن إنصاف ولو على الأقل لدى العرب أنفسهم، الأقربون إلى القضية جغرافيا ومعنويا وانتمائيا. هذا التهجير ربما سيكون المرة الأخيرة للفلسطينيين أن يروا بلادهم فيها ولن يقدروا على العودة مرة أخرى إلى مساكنهم المدمرة. يجب وقف التهجير والحل يكمن في وقف القصف لا في الترحيل، فهذا الاستيطان والاستعمار يجب ألا يستمر وأن يتوقف فورا. ونؤكد أن فلسطين هي قضيتنا الأولى الأبدية الأزلية حتى زوال الكيان الصهيوني، ومن لا يقف في جانبا، ومن يتخذ وضعية الحياد لهو في جانب عدونا، فالقضايا الإنسانية لا تحتمل الحياد والسكوت. جريمة فلسطين هي جريمة العالم أجمع وخيانتها عبءٌ ثقيل غير مغتفر.

 "فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ"

اتجاهات جريمة التهجير القسري في فلسطين.





   نشر في 15 أكتوبر 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا