قراءة في تقرير صندوق النقد الدولي حول الاستدامة المالية في دول مجلس التعاون الخليجي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

قراءة في تقرير صندوق النقد الدولي حول الاستدامة المالية في دول مجلس التعاون الخليجي

  نشر في 15 فبراير 2020 .

أصدر حديثا صندوق النقد الدولي تقريراً حول الاستدامة المالية في دول مجلس التعاون غطى مواضيع عدة منها التحول في أساسيات سوق النفط، وأشار التقرير إلى بعض النقاط الهامة كالانخفاض المفاجئ في أسعار النفط بأكثر من 50 بالمائة خلال الفترة 2014-2015 مما أدى انخفاض حاد لعائدات النفط. وتوقع أن يبلغ الطلب العالمي على النفط ذروته في العقدين المقبلين. وبين أن التقدم التكنولوجي في مجال النفط أدى إلى توسيع الطاقات الإنتاجية مضافا له الإنتاج المتنامي من نفط الصخر الزيتي كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد زادت التقنية بشكل كبير من إنتاجية آبار النفط التقليدية وجعلت التنقيب عنه أرخص، فعلى سبيل المثال زادت الاحتياطيات في دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقد الماضي على الرغم من الاستخراج الكبير. من المتوقع أن يستمر الإمداد المتزايد وسط الضغط العالمي لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مع الاستعاضة عن النفط من خلال إثارة المخاوف بشأن البيئة العالمية التي تدعم التحول لاستخدام الطاقة المتجددة بشكل كبير. ووفقًا لذلك، فإن توقع ما سيأتي بعد ذلك والاستعداد له سيكون أمرًا حاسمًا بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي التي تنتج خمس إمدادات النفط العالمية. وبين أن دول مجلس التعاون تدرك هذا وتتعامل مع هذا التحدي من خلال تنفيذ برامج لتنويع اقتصاداتها وتوفير إيرادات مالية بعيدا عن النفط، وبالتالي سيكون نجاح هذه البرامج أساسياً لتحقيق نمو قوي ومستدام في السنوات القادمة.

وبنى التقرير استنتاجاته على بعض الافتراضات والتوقعات بما في ذلك التحليل الاقتصادي لتطورات سوق النفط في الفترة السابقة التي تكشف عن اتجاه هبوط قوي ومستمر في الطلب العالمي على النفط. كما سيتراجع نمو الطلب العالمي على النفط بشكل كبير بعد أن يصل إلى ذروته في العقدين المقبلين عند حوالي 115 مليون برميل يوميًا، ثم ينخفض تدريجيًا بعد ذلك. وهذا يعكس مجموعة من العوامل حيث أن التحسن في كفاءة الطاقة البديلة سيصبح أكثر وضوحًا في السنوات القادمة مما سيؤدي إلى التباطؤ التدريجي في الطلب العالمي على النفط حيث سيبلغ ذروته بحلول عام 2040 أو قبل ذلك بكثير في حالة الدفع القوى لحماية البيئة. وتوقع التقرير أنه في الموقف المالي الحالي يمكن أن تنضب الثروة المالية في المنطقة بحلول عام 2034 حيث من المرجح أن تظل أسعار النفط منخفضة على المدى المتوسط على الأقل. وتوقع أن يتباطأ نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي لكن سيظل الطلب عليه إيجابيًا في العقود المقبلة بالرغم من وجود الطاقة البديلة. كما أنه استجابة لتغير المناخ فسيتم فرض ضريبة على الكربون تزداد تدريجياً بدءا من عام 2022.

وبغض النظر عن متى أو ما إذا كانت ذروة الطلب على النفط ستقع أم لا، فإن جميع السيناريوهات في التقرير تتوقع تباطؤًا كبيرًا في نمو الطلب على النفط. وقد بنى التقرير تحليله على سعر 55 دولارًا للبرميل ولكنه بين أن ذلك يخضع أيضًا لعدم اليقين الكبير. ومع ذلك، فإن افتراضات السعر البديلة ستؤثر فقط على توقيتها ولكن ليس على توقعاتها العامة. وتوقع التقرير أن تصبح الثروة المالية الإجمالية الصافية في المنطقة التي تقدر بنحو 2 تريليون دولار في الوقت الحالي سلبية بحلول عام 2034 حيث ستتحول المنطقة إلى الاقتراض. وسيتم أيضا استنزاف الثروة الإجمالية غير النفطية خلال عقد آخر، مع العلم أن البحرين وعمان هما الأكثر عرضة لهذا التراجع، في حين أن صندوق الثروة السيادية الكبير في الكويت سيساعد في الحفاظ على ثروته المالية إيجابيا حتى عام 2052. وبين أن سعر النفط إذا وصل إلى 100 دولار للبرميل فسيؤخر وقت استنفاد الثروة فقط حتى عام 2052. مع الإشارة إلى أن استمرار نمو الطلب على الغاز الطبيعي سيفيد قطر وعمان، حيث يمثل 75 و25 في المائة من عائدات النفط والغاز على التوالي.

ووفقًا للتقرير، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تتعامل مع هذا الموقف فيما يتعلق بتعديل السياسات المالية بناءً على توقعات أسعار النفط مما جعل السياسات أكثر حكمة. كذلك فإن التخفيضات في مختلف بنود الصرف بالإضافة إلى فرض الضرائب غير المباشرة وضريبة القيمة المضافة في البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قد أحدثت تغييراً ملحوظاً ومن المتوقع أن تتبعها دول مجلس التعاون الأخرى. من ناحية أخرى، اقترح التقرير مجموعة من الأفكار لمواجهة هذا الوضع المستقبلي بما في ذلك تسريع وإدامة التعديلات اللازمة لتحقيق الاستقرار في الثروات، حيث تتطلب الاستدامة المالية على المدى الطويل خفض متوسط العجز المالي الأولي غير النفطي من المستوى الحالي البالغ 44 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بحلول عام 2060، وسيكون التنويع الاقتصادي المستمر مهمًا ولكنه لن يكفي لوحده.

كما اقترح خفض الإنفاق الحكومي، وإعطاء الأولوية للادخار المالي وتحديد مستوى الثروة الذي تنوي البلدان تركه للأجيال القادمة للمساعدة في ترسيخ استراتيجياتها المالية طويلة الأجل. مع العلم أن المسار المالي المستدام على المدى الطويل يعني أن تكون المدخرات (بما في ذلك العائدات المالية) كافية لتلبية الاحتياجات المالية المستقبلية دون استنزاف الثروات المالية بشكل مستمر. كما يقترح رفع معدل الضريبة الفعلي على الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى مستوى مرتفع للغاية بنسبة 50 في المائة على المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى تخفيض دعم الطاقة والمياه وإصلاح الخدمة المدنية الكبيرة وتقليل فواتير الأجور العامة.

وخلص التقرير إلى أن مستقبل النفط على المدى الطويل سيكون له العديد من العواقب الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على العمالة ودخل الأسرة وثقة الأعمال والاستثمار، مما يستلزم مزيدا من العمل لفهم هذه العواقب بالكامل، وتصميم استراتيجيات لتخفيفها وبناء التوافق الاجتماعي المطلوب لتنفيذها.

ولمناقشة التقرير، يمكن القول إن الافتراضات التي أوردها التقرير يمكن التنبؤ بها، ولكن بعض الحلول المقترحة للتخفيف وعلى وجه التحديد فكرة فرض الضرائب ستعارض العقد الاجتماعي بين الناس والحكومات في دول مجلس التعاون. ذلك أن الحكومات في الغرب تعتمد على الضرائب كإيرادات جوهرية لها مقابل وجود نظام ديمقراطي لمساءلة الحكومة عن كيفية إنفاق هذه الضرائب على الخدمات. بينما الوضع مختلف تمامًا في المنطقة حيث لا تفرض الحكومات ضرائب، بل إنها تنفق من الثروة النفطية على بناء البنية التحتية وتمويل الطرق والرعاية الصحية والتعليم والرفاهية وتوفير رواتب مجزية للمواطنين وكل ذلك وغيره مجانا، في مقابل شكل بسيط من الديمقراطية. ومما لا شك فيه فإن إدارة التحول المالي على المدى الطويل لمواجهة نضوب النفط ومنافسة الطاقة البديلة يعتبر تحديًا كبيرا ويتطلب تصميم استراتيجية مالية توفر حلولا ابداعية تتناسب مع التركيبة الاجتماعية، وينبغي العمل عليها من الآن وبسرعة ودون تسويف. 



  • د. وائل خليل شديد
    استراتيجي وباحث: مختص بالتحليل والادارة الاستراتيجية وتشكيل وتنفيذ الاستراتيجيات وخصوصا في البيئات المضطربة والمعقدة وادارة المشاريع وتطوير المؤسسات غير الربحية
   نشر في 15 فبراير 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا