أثار إنتباهي في هذا الاسبوع تداول مقال لجريدة L'Économiste على مستوى شبكة التواصل العملي LinkedIn فيما موضوعه معاناة المغرب من هجرة مهندسي المعلوميات والبرمجيات الى خارج المغرب،وصحب المقال جملة من التعليقات لعدد غير يسير من المهنيين كان جلها تحسر على وضع المغرب والخصاص الناجم عن هجرة هؤلاء الاطر والخصاص المهول في المطورين وهلم جرا الحديث عن واقع لاطالما كان معروفا .
اكتفى المقال وكذا المؤيدون له بالحديث عن ماهية الوضع دون التطرق للاسباب الحقيقية التي تدفع الاطر إلى الهجرة،ان الوضع الحالي في نظري نتاج جد منطقي للسياسة العمياء التي نهجتها الدولة تحت عنوان سياسة000 10 مهندس والتي ادت في نهاية المطاف الى تصدير كم هائل من الاطر الى سوق العمل لتمتد اليها ايادي الشركات التي تعتمد سياسة التوطين خارج بلدانها الاصلية وتلقف الخريجين باجور زهيدة لا تتناسب مع طبيعة تطلعات الشباب وكذا المستوى المعيشي في كبريات الحواضر وللقاريء ان يفهم ان هذا نتاج منطقي للطلب المحدود مع العرض الوفير للطاقات فعن اي خصاص يتحدث المنظرون لهذه الاطروحة؟ الا يكفيهم استمرار مؤشر البطالة في الارتفاع?
والجانب المادي وحده ليس الجانب المؤثر بالاضافة إلى مناخ العمل الذي يكون بعيدا كل البعد عن طبيعة الميدان التي تقتضي الابداع والابتكار فالسواد الاعظم لاينكر ان المشروعات التي يتم تطويرها بالمغرب ليست بدرجة الاهمية عن تلك التي تطورها الشركات ببلدانها الاصلية وحتى ان كانت مهمة ،فالمهام المسندة للاطر المغربية لا تمنحها حيز ابراز كامل طاقتها حيث تدار اللقاء ات المباشرة مع الزبائن في الفروع الاصلية للشركات وكذا الدراسات المعمقة واستراتيجات المشروع يتم تسطيرها مسبقا بالخارج.
فكان لزاما مع هذا الوضع ان تشعر الطاقات الشابة بالنقمة والاحتقان والتطلع لاول فرصة لمغادرة البلاد ،لان سقف تطلعاتهم سواء المهنية المحضة منها التي تقتضي احتكاكهم بالواقع الحالي للجديد من التكنولوجيات الذي ليس متاحا بالمغرب وكذلك المقابل المادي الهزيل على اعتبار وضعيات يجد فيها الاطار المغربي زميلا لاخر ببلد مغاير في نفس المشروع و بنفس المهام ان لم يكن اكثر بينما الفرق في الاجر قد يكون جد كبير.
ان موضع اللوم لا يمكن ان يلقى على الاطر فلا احد يفضل مغادرة وطنه لو توفرت فيه ظروف العمل التي تصون كرامته وتجيب لتطلعاته ،ان اللوم على الجهات التي تتكتم عن واقع مهندس المعلوميات بسوق العمل المغربي وتصف معطيات مغلوطة ؛ فالواجب والاولى ان تكون الدولة السند لهؤلاء من حيث تحسين ظروف العمل بدل تقديمهم لقمة سائغة للمستثمرين ،والجانب الاهم دعم صناعة البرمجيات بطاقات محلية من خلال تقديم الدعم للمقاولات الشابة في هذا الميدان ،وتأسيس اقطاب تكنولوجية تحتضن الشركات المحلية وجعل قطاع البرمجيات قطاعا حيويا في قلب القطاعات المساهمة في الاقتصاد الوطني ،فالمستثمر لن يتوانى عن مغادرة البلاد لغيره إذا بدت له ارضية اقل تكلفة من المغرب وهذا ابسط سيناريو يمكن ان يحدث .
إن الهجرة اليوم ليست خيارا تلجأ اليه الاطر وانما نابع عن اكراه سببه عدم الاتساق في واقع الميدان المعلوماتي ،الذي يكتسي صبغة التطور الهائل والذي لا تسايره سياسيات التشغيل الحالية ناهيك عن التكوين الممنوح داخل المؤسسات التكوينية من مدارس المهندسين والجامعات فالحقيقة المشتركة بين المعلوماتين هي اعتمادهم على التكوين الذاتي اكثر من اي شيء اخر الذي لايمكنهم بفضله القبول بالعمل في سياق تكنولوجي لايواكب مايحدث خارجا وخلاصة القول انه بدل الاكتفاء بوصف الواقع وجب البحث المعمق في الاسباب الحقيقية ومعالجتها تدريجيا .