فخ الطموح في القرن ال٢١
في عبودية مُنمقةٍ من نوعٍ آخر تستحوذ على البال والخاطر، كأننا مهابيل في محبس مجاعةٍ نُخضع رقاب آمالنا وطموحاتنا لكَفَاءٍ وكفاءةٍ مستقبلية..
نشر في 30 مارس 2022 .
من أنا؟! هل أنا المهندس/عبدالرحمن علوش الذي يعمل في إحدى شركات البترول الكبيرة؟! فينظر إلىّ الحالمون بإيجابية في خاطرهم؟ وأن السعي يتوّجنا في كل نتائجه!! أم تلك الصورة التي يجب أن تجيب على سؤال غيري لنفسي ولا تجيب على سؤالي لنفسي: من أنا؟!! من عبدالرحمٰن في نفسِ عبدالرحمٰن!!!
هذا صراعٌ دائرٌ بي مدار الإنسانية المتوحشة، منْ نحن في نفوسِ غيرنا؟!! في رؤيتهم!!! في أيدلوچيةٍ يروْن الحياة من خلالها؟!! والأحرى والأولى ألّا يؤرّقنا هذا التساؤل أصلا؟!! ولكن التعايش يجبرنا على فرض مثل هذا التساؤل؟! الحقيقة أنه لا يعنيني بشيء ما أكون ومن أكون من جاهٍ أو مكانةٍ أو نفوذ، لا أحب أن أضع كلمتي الطموح والعمل جنبا إلى جنبا، لا أُطيق هذا السؤال الخبيث في مقابلات التقديم للوظيفة: ماذا تطمح أن تكون في قادم الأيام؟!! وماذا علي لو لم أكن بين ما تريدون وما ترون؟!! والحقيقة والذي يجب أن نحاول فيه ألا نطمح إلا فيما يوصلنا بالله، أكره المادية كأنها الجحيم يلتهمنا في خِضمّ الحياة، هل نفوسنا محدودة بإطار يرسمه لنا منْ حولنا؟!! هل تعريفنا لأنفسنا يقتصر على ما يجب أن يرانا فيه الناس؟!! هذه تفصيلةٌ بالغة التعقيد تكاد تحبس وتحرر الناس فيها ومنها طول حياتهم، وفطرتنا الدينية ما أُعطيناها إلا لتحررنا منها.....
كلنا أسبابٌ في رَحِم أسباب، ولا نملك من أنفسنا شيء، أتنفس الآن لأنه ببساطة قد أراد الله لي ذلك، وصاحب أكبر ثروة في العالم لم يُنعِم الله عليه بالنَفَس الآن وفي لحظتنا هذه لأنه الله قد أراد به ذلك، هل سعيْ أغنى رجل على الأرض أشد شقاءا من سعيي؟!! هل يجب أن أُثاب ماديا على كل ما أسعى ويُعاقب ذلك الذي لا يسعى؟! أم أنه لا توجد قياسات لزُخرفِ الأرض وزينتها يا مسكين؟!! القياسات والثواب والعقاب وضعهم الخالق لسعيٍ من نوعٍ آخر!!!! ولهذا السعي فقط يجب أن توضع كلمات الطموح والرغبة والأمل والشوق والتطلع وغيرها ....
لطالما حاولت وسأحاول قدر استطاعتي أن أصرخ في نفسي مجاهدا إياها: أنها ليس لتلك السبل خُلقت؟!! وإنما خُلقت لسبيل الله؟!! ليس لي أن أستهلك نفسي في ما نسميه الآن "نهش الحياة المادية"، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات : 56-58]، هكذا ببساطة، لا يجب أن تستقر نفسي إلا في محراب الله، وحاذر أن توصلك نفسك إلى استقرارٍ مزعوم بين يدي مسابقات المادة، { إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) } يونس[ 7 ]، قَرارُ النفس البشرية كله عند باب الله، وأما ما بَعُدَ عنه مجاهدةٌ فيه، فإنما الصراع المادي والحياة والمكانة العملية المرموقة لا ينبغي أن تتعدى منزلتها بأنها خطوة تأخذنا في سبيل الله وليس سبيلٌ آخر يشغلنا عنه ويستحوذ على كل مسعانا.....
سيدي هذا أساسٌ وعقيدة، لا ينطلي على نفسك تسكينها بحلوٍ من الكلام وعسلٍ تمرره على النفس ساعة قيلولة دينية تفسّح بها عن روحك في قلب المعركة لكي تُكمل في الساعة المقبلة الصراع المادي الذي لا يتوقف طموحه أبدا، هذه مجاهدة عنيفة وشرسة في ظل هذا العصر الغريب، عصر الرأسمالية، زمن تكنولوچيا الأموال، أيام البيتكوين، وساعات الNFT، دنيا الأسهم التصاعدية، لحظات المليارات، بينما أكتب كلامي هذا وفي حساب إيلون ماسك البنكي ما يزيد عن 300 مليار دولار، وقد زادت أرقام ثروته في عام 2021 فقط 116مليار، أكبر رقم على الإطلاق يحققه شخص في عام واحد فقط، ولنفس ذات المجلة " فوربس" التي قدرت الأرقام السابقة فإنها تذكر أنه في نفس العام الذي صعد فيه إليون ماسك لهذا الرقم الخيالي فقد دخل أكثر من 160 مليون شخص تحت خط الفقر نتيجة أزمات واضطرابات السوق الإقتصادية....
أقول هذا ونعرف جميعا ومن حولنا أننا منهمكون في ماكينة الحياة التي لا تتوقف، كلامي هذا ربما لا يجد وقتا ليُقرأ فيه؛ فالكل مشغول بحمل فُتات لقمة العيش في ظل هذا العصر الغريب، ولكن ليست العبرة في كلماتي وإنما الباقي لك في كلمات الله، فمسعانا في الحياة أن نبحث عن الله سبيلا واحدا، وچُل سُبل الحياة نحاول فيها ألا ننحرف فيها، أنما نحن أهل دينٍ حنيف وفطرةٍ لا تصح إلا أن تحنف بها عن باقي اتجاهات الحياة، والنفس البشرية تموج في اشكالات الجدلية موجا ليس له مثيل، فزعم صوابية ما أنت كائنٌ فيه أسهل من انتشال معلومة عابثة في بوستٍ عابث على منصة اجتماعية عابثة، سر بين كل هذا الزحام من الترّاهات المادية كعابر سبيل وهذا أثقل ما يكون على النفس والعوْن بالله، لا يضرّك إلا أن تزلّ قدمك عن الله لا أن تزلّ عن وظيفة أو مبلغٍ ما، لا أخاف من نفسي إلا ضعفَ نفسي إذا توغلت في هذا الصراع الاجتماعي الشكلي البهيّ، ففيها من التنازلات ما لا يحتمله القلب الذي يحاول....
المنظور الذي أتحدث عنه ولا يخطأ في فهمه عاقل هو ما يملكه قلبُك وعقلُك من نصيب الحياة المادية وليس ما يملكه جيبك، في عبودية مُنمقةٍ من نوعٍ آخر تستحوذ على البال والخاطر، كأننا مهابيل في محبس مجاعةٍ نُخضع رقاب آمالنا وطموحاتنا لكَفَاءٍ وكفاءةٍ مستقبلية، لمستقبلٍ بِتنا نخاف من لحظته القادمة؛ لأننا نفكر في كل ما لا يجب أن نفكر فيه، انظر لهذا الحديث النبوي الشريف والذي لا يخفى على كثيرٍ منا، ما رواه سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)
رواه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم/300) والترمذي في "السنن" (2346)
العمل بهذا الحديث في ظل يومنا هذا أشق ما يكون على النفس والقلب، لو أحدثكم عن معجزة في العصر الحديث تجعل إنسان القرن ال21 يعيش هادئا ضمن كل هذا الصراخ المادي حولنا -وأعني ما اقول أنك بحاجة لمعجزة لكي تعيش هادئا في هذا الجو- : فهي هذا الحديث لو عمِل الإنسان به، ومنه أعود لما بدأت به، عبدالرحمٰن في نفسِ عبدالرحمٰن هو ما بينه وبين ربه لا أقل ولا أكثر من ذلك، لا يعني النفس البشرية سواءٌ تقوم عليه أولى وأجدى من تلك العلاقة وهذه الصورة التي بينك وبين ربك، وعليها إن عَقِلها الإنسان يعقِل چل علاقاته بكل ما حوله، فزادي بالله وبيتي عند بابه......
-
عبدالرحمـٰن علوشهايل
التعليقات
اشكرك لهذا المقال لانه كان داعما لما احاول ان اصيغه من تشخيص لهذه الفوضاء التي تفرض علينا أن نكون لا ما نريد أن نكون كالبهلاء دون أن ندري فنخطئ الطريق .. أما وإن أصبحنا كل ما يهمنا ما بيننا وبين الله هكذا تتضح معالم الطريق ونصحح اتجاهاتنا ولعلنا نحقق حياة هادئة .