بين العلم والفلسفة : أية جدلية ؟
متى كان خطاب الفلسفة مضادا لخطاب العلم؟
نشر في 16 مارس 2022 .
إن السائد عند الكثير منا أن الفلسفة مجموعة معارف معقدة تبحث في مسائل عويصة وصعبة الفهم ، وتشكيل هذا المفهوم لدى الكثيرين ليس اعتباطا بل يأتي نتاج عوامل عدة تدخل فيها ظروف التنشئة الاجتماعية وكيفية التعامل مع هذه المادة في المدارس والجامعات.
إننا بطريقة تدريسنا للفلسفة داخل أقسامنا ومدرجاتنا ننجح بامتياز في صنع تلاميذ وطلبة لا يرون في الفلسفة إلا عبءا ثقيلا وشرا لا بد منه ، فترى التلميذ إذ اقتربت الامتحانات حفظ عن ظهر قلب المفاهيم والاطروحات ووو بهدف الحصول على نقطة جيدة ، فإذ هو اجتاز تلك المرحلة صارت تلك المعارف طي النسيان و تخلص أخيرا من ذلك العبء .
إن الفلسفة لا بد أن تعاش قبل أن نحكم عليها من الأحاديث والمفاهيم التي يجترها كل من لم يتمكن من فهمها. صحيح أن الفلسفة مفهوم واسع ، وذلك راجع إلى تعدد واختلاف زوايا النظر إليها وقد عبر عن ذلك كارل يسبرس حينما قال ( ليس هناك اتفاق على ماهية الفلسفة) ، إلا أنها تبقى تلك الحزمة من المعارف والتأملات المنهجية التي تسعى إلى البحث عن الحقيقة .
وإذا كان العلم يقوم على مبدأ امتلاك الحقيقة ، فإلى أي مدى ترتبط الفلسفة بالعلم ؟ وهل يمكن الفصل بينهما ؟
إن العلم على مر العصور يتبجج بامتلاكه الحقيقة وقدرته على تنوير الفكر بالحقائق اليقينية التي ساهمت في النهضة الفكرية ، في المقابل تسعى الفلسفة دائما إلى البحث عن هذه الحقيقة من خلال الشك والنقد والتفكير ... فهل هذا يدل على العلم والفلسفة لا يتوافقان ؟
إننا اذا ما حاولنا الإجابة عن السؤال بطريقة تاريخية ، فإن التاريخ يقف صامدا أمام هذا التنافر بينهما ، فلقد ظل العلم لعصور ربيب الفلسفة، نشأ في أحضانها وتربى تحت مرآها ، ولعل أبرز مثال على ذلك الفلاسفة القدامى الذين كانوا علماء أيضا واحتوت مؤلفاتهم مباحث فلسفية وعلمية على حد سواء . أمثال الفارابي ، ابن رشد ، ديكارت ، أفلاطون.. وغيرهم كثر الذين لا زلنا نستند إلى نظرياتهم العلمية لحد الساعة .
لا جدال أن هناك فروقات عدة بين كلاهما ، فإذا كان العلم يستهدف بالدرجة الأولى وصف الأشياء والظواهر فإن الفلسفة يبقى لها طابع تفسيري ، وإذا كان العلم يستدعي التجربة لإثبات العديد من حقائقه فإن الفلسفة لا تستوجب بالضرورة ذلك وتكتفي بالتأمل المنهجي .. وإذا كان العلم يفصل في الجزئيات فالفلسفة تبقى ذات نظرة شمولية كلية ..
وبهذا فإن التناول الفلسفي للظاهرة ليس هو التناول العلمي لها .
إلا أنه وبالرغم كل هذا وإذا ما تأملنا جيدا في طبيعة العلاقة بينهما نستنتج أنها لن تكون سوى علاقة تكامل وتوافق ، وإن كانت الفلسفة تبحث عن الحقيقة والعلم يمتلكها فالحقيقة تجمعهما..ذلك أن كلاهما يعملان على تشجيع الذات لبلوغ أعمق ماهياتها وإمكانياتها.
ومن كل هذا أظل مسكونة بسؤال منطقي ( لماذا تقتصر الفلسفة على الذين يختارون الأدب كمسار لهم ؟ أليس من حق العالم أن يكون فيلسوفا أو يفهم على الأقل جوهر الفلسفة في العلم ؟ أم هي خطة محكمة لوضع الفلسفة في قبو النسيان أمام كل هذا الإشباع التقني والتكنولوجي ؟)
-
نهيلة بلديمدونة متطفلة !