بينَ الكائنِ بالقُوَّةِ والتَّقليدِ إلى الكائنِ بالأملِ والعملِ.. آفاقٌ مستقبليَّةٌ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بينَ الكائنِ بالقُوَّةِ والتَّقليدِ إلى الكائنِ بالأملِ والعملِ.. آفاقٌ مستقبليَّةٌ

فلسفةٌ: العقلانيَّة النَّقديَّة.

  نشر في 28 ديسمبر 2020 .

بينَ الكائنِ بالقُوَّةِ والتَّقليدِ إلى الكائنِ بالأملِ والعملِ.. آفاقٌ مستقبليَّةٌ:

...........................................................

من العبثِ أنْ نتغاضى عن رؤية تعقيد المسارات –بدلالاتها الغيريَّة ما بين الدِّينيِّ والفكريِّ والسِّياسيِّ والاجتماعيِّ والإعلاميِّ- وتداخلها، واختلافها في المنطلقات الفلسفيَّة، التي تُظْهِر بونًا شاسعًا في تكويناتها، وما زالت في سيرورة أشبه بالعمياء، ولا تنبئ إلا بمزيد من التخلُّف في واقع يُرْثَى له، إنْ لم نتوقَّف عن اجترار خيبات الماضي، وخزعبلات الموروث "المُزيَّف" وخرافاته، وتتوجَّه بوصلتنا نحو حداثة تستند إلى العقل والعلم والحريَّة والعدالة والمساواة وقيم الإنسانيَّة الحضاريَّة، في ظلِّ نظام قانونيٍّ فاعل على الجميع.

والدِّين برسالته الأخلاقيَّة الكبيرة؛ ركن أصيل في إحداث التَّوازن المطلوب، وحفظ المسافات المُقدَّرة بين الأفراد والجماعات و"الآخر"، وصون الحياة الثَّقافيَّة المتنوِّعة في المجتمع.

ومن العبث الأشدِّ أنْ نتذرَّعَ –وخاصَّة المُثقَّفون حقيقةً- بهذا التَّعقيد؛ لنسوِّغ لأنفسنا ولغيرنا دوام تلكم العقيدة "الفوستريَّة" في منطقتنا العربيَّة والإسلاميَّة بمحمولاتها الفكريَّة والثَّقافيَّة و"الشَّخصيَّة النَّفسيَّة" المتناقضة، دون أن نضطلع بالدَّور المنوط بنا، والمأمول منَّا، والتَّأسيس لنهضة إصلاحيَّة حداثيَّة عامَّة، والبناء عليها؛ سعيًا لحياة كريمة فُضْلى تحترم الإنسان، دون النَّظر إلى دينه، أو لونه، أو أصله وفصله، أو جنسه، أو جنسيَّته، أو منصبه ومكانته.

ومن أُولى الخطوات التي يجب أن نبدأ بها وأَوْلاها؛ ضرورة أنْ نبادرَ إلى "المَعْيَرَة"، أو لنقل "التَّعيير"، وإنتاج المستندات المرجعيَّة الذِّهنيَّة والفكريَّة والمنهجيَّة لدينا زُرِافاتٍ ووحدانًا، ونَمْذَجِة "المعرفة"، دون ادِّعاء يقينيَّتها، ومحاكمة موروثنا المتراكم المختلط بكلِّ الثُّنائيَّات المُركَّبة، أو جدليَّات التَّضادِّ الإنسانيَّة والكونيِّة، من مِثْلِ: "الخير والشَّرِّ"، و"الحقِّ والباطل"، "والإيمان والكفر"، و"التُّراثيِّ والحَداثيِّ"، و"الدِّيِنيِّ والعَلْمانيِّ"، و"السِّياسيِّ والدِّينيِّ"، و"الأخلاقيِّ والميكافيلِّيِّ الذَّرائعيِّ"، و"اللِّيبراليِّ والاستبداديِّ"، و"العُلويِّ والسُّفليِّ"، و"البنيويِّ والتَّفكيكيِّ"، و"الصَّواب والخطأ"، و"اليقينيِّ والظَّنيِّ"، و"الأصل والفرع"، و"القياسيِّ والشَّاذِّ"، و"القريب والبعيد"، و"الحَسَن والقبيح"، والشَّمال والجنوب"، و"الشَّرق والغرب"، و"الأبيض والأسود"، و"الصِّدق والكذب"... وغيرها ممَّا يدخلنا في دائرة لا تتوقَّفُ؛ لتكونَ طرفًا من بين كلِّ ثنائيَّة منها، أو  الطَّرف ونقيضه أو نظيره في آنٍ معًا!! في مقاربة غريبة؛ فتشكِّل بالتَّالي "أنطولوجيَّات"، أو شبكات مدلولاتيَّة راسخة في أعماقنا وعقولنا، أشبه ما تكون من المُسَلَّمات عند كثيرٍ منَّا.

وهذا حقًّا؛ شيء مأسوف عليه في كثير من الأحايين، وخاصَّة ممَّن يُوسَمون بالثَّقافة، والعلم، والفكر المستنير الحرِّ، ويمارسون سلوكات مُسْتَفِزَّة بقصد، أو بغيره، ولكن يبقى العذر لمن يمكن أنْ يُعتذَر إليه، أو منه، أو عنه أنَّ هذه طبيعة النَّفْس البشريَّة غير المعصومة. وتبقى فكرة البحث عن الحقيقة، وتحليلها وفكُّ رموزها و"شيفراتها" مُلكًا خاصًّا بكَ، وحقًّا خالصًا لكَ أيُّها الإنسان.

وعلى الصَّعيد الجماعتِيِّ، فالأمر أكبر من ذلك؛ إذ يتعلَّق باجتراح "نهج" مغاير نرنو إليه، ينطلق من الإنتاجات الخَطَابيَّة التي تُعلي من قيمة الإنسان وعقله، في محاولة جادَّة؛ لتشكيل حالة من الوعي بما يدور حولنا، وما نريده لأنفسنا، وما نطلبه من غيرنا، من خلال "منهج  فلسفيٍّ عقلانيٍّ نقديٍّ" يرسم طريق حيواتنا، قابل للتَّحليل والتَّقويم والتَّقييم.

وبالتَّالي؛ تحقيق المعادلة التي بدأها "العقلانيُّون العرب"، والأخذ بأيديهم، عوضًا عن مهارة الفُرْجِة التي يتقنها كثير منَّا عليهم، وممارسة الانتقاد الفارغ، لا النَّقد العلميِّ، لهم ولغيرهم.

فما يضيرنا لو التحقْنا بهم، ولو من أوَّل درجةٍ؟! ولنَقْرأْ أوَّلًا، ثمَّ نكْتُب مثلَهم من أوَّل السَّطر، في أوَّل صفحة من صفحات هاتيك المعادلة الأثيرة بالتَّبنِّي، والجديرة باللَّحاق بعرَّابيها وفرسانها، في تسابق وتنافس إيجابيَّيْن بعد ذلك، فتتوالى السُّطور والصَّفحات، فنرتقي بأنفسنا، وتتصدَّر أمَّتنا، ولنا في تجارب عدد من المفكِّرين العرب المعاصرين؛ رُوَّاد المدرسة العقلانيَّة النَّقديَّة العربيَّة "الإصلاحيَّة الإسلاميَّة" مثال ودليل وطريق هادٍ، فلرُبَّما نبلغ المُراد يومًا.. رُبَّما!

د. عبدالله عياصرة

أكاديميٌّ وباحثٌ أردنيٌّ 



  • 1

   نشر في 28 ديسمبر 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا