لا تخشي معارضة الفقة الديني
" جفت حتي أصبحت كعود الحطب لا يرويه ابتسام ولا ترويه دموع " مقولة مقتبسة عن الراحل إحسان عبد القدوس في قصته القصيرة الله محبة يوصف بها حال فتاة فقدت بريق روحها ، هذه المقولة أصبحت تترائي امام أعيني أكثر من مرة خلال مشاهدتي للعرض المسرحي المقدم عن القصة ذاتها و يحمل نفس إسم "الله محبة" وهو للمخرج بسام عبدالله " والعرض من تمثيل بتول الحداد و أحمد صلاح الدين وبسام عبدالله وذلك ضمن فاعليات مهرجان الإكتفاء الذاتي لمسرح المتخصصين في دورته الثالثة .
العرض ليس مجرد شكليات يفرضها المجتمع ،أيضا ليس دربا من دروب الخيال نحن أمام أحد أقوي التابوهات التي يخاف أغلب المخرجين من التعامل معها ويكتفون بالإشارة إليه ألا وهو "الدين" وإن كان المخرج بسام عبدالله قد جعله تيمة العرض الأساسية .
تسأل الفتاة من قال إنه لا يمكن لمسلمة حب مسيحي ! ومن وضع آيات تنص علي أن المسيحي لابد له الزواج من مثل دينه ؟! ، ويقول الفتي.. لماذا يتحمل المحبون شكليات فرضها المجتمع ؟ ، لذلك فمن خلال الرؤية البسيطة للعرض نكتشف إنه يدور حول فتاة مسلمة وشاب مسيحي وقع كل منهما في حب الآخر وحاول كل منهما زج الآخر إلي دينه إلي أن اعتنق الشاب الإسلام الذي بدوره ليس أكثر من كلمة علي الورق للوصول لمراده وهو الزواج بحبيبته ليقف لهما أخيها بالمرصاد وينتهي العرض نهاية صادمة وغير متوقعة للجمهور وهي إنتحار الفتاة وبكاء الشاب علي قبرها وما كان ذلك أكثر من فلاش باك للأحداث .
يغلب علي العرض الطابع الإنساني الملئ بدفقات شعورية صادمة تموج بالإشتباك بين ما يريده الحبيبان وما نصته الآديان وأخذ البشر في تأويلها ، وهذه هي أحد أهم أفكار العرض المسرحي هنا وقد قُدمت هذه الرؤية في شخصية شقيق الفتاة " أحمد صلاح الدين " من خلال حواره فأخذ الصراع الكلامي بينه وبين شقيقته يكشف زيفه وإيمانه المصطنع فيشهر بكرهه للمسيحية والمسييحين وكأنهم ليسوا حاملين لدين سماوي مثله فأصبح متطرف ديني بينما تظل العلاقة مذبذبة في رؤية كل من الحبيبين لدينهما وخالقهما .
توقعت ان تكون الكتابة الدرامية في أبدع ما يكون فهي عن الروائي الراحل إحسان عبد القدوس المعروف بانه واحد من أعظم كتاب جيله فعرض الله محبة هو بالأساس قصة قصيرة تحمل نفس الأسم ضمن سلسلته القصصية بعنوان " حائر بين الحلال و الحرام" وهي كما يقولون أسم يبوح عما بداخلها ، أصاب العرض المتلقيين بحالة جدلية متوترة فأصبحوا في وضع مأسوي جعلهم يغلب عليهم عاطفتهم ويعدم التفكير وينساقوا وراء هذه القصة الأفلاطونية ليعلموا إلي ماذا سيئول الأمر وإن كان أنتحار الفتاة أرضاهم بشكل ما ! .
اما اثناء تعامل المخرج مع النص الآدبي نجد أنه قام بإخفاء الملمح المكاني للآحداث وكأنه اراد تعميمه بانه مكان مهمش منعدم يشهد كوارث وذبول حبهم النقي وساعد علي ذلك سينوجرافيا العرض التي قام بإعدادها "هاني جمال" من أبواب وشبابيك محطمة واوراق متساقطة علي أرضية خشبة المسرح لتعطي انطباع وكأنهما يتقابلان فوق سطح المنزل وهي شفرة معروفة عن مكان تلاقي العشاق في الأفلام الكلاسيكية، فبتغيير بسيط من الأطلال المنثورة علي السطح يستخدم الكرسي بشكل محترف لتحول إلي شاهد قبر فوق أحد المرتفعات علي خشبة المسرح وبذلك نري القبر ولكن هذه الحرفية لم تمنعنا من تأكيد بساطة الديكور المسرحي .
بالإنتقال إلي الآداء التمثيلي نجد في دور الفتي الذي قام بتجسيده " بسام عبدالله " بانه قد قام ببذل مجهود في بناء شخصيته فحاول تجسيد آلامه من خلال ضم جسده وإرتجافه بالإضافة إلي فضائه الصوتي سواء باستخدم الهمهمات اثناء خوفه من فقدان محبوبته أو استخدامه للكنة الصعيدية التي تشير إلي أصوله الصعيدية وعلي المستوي الجسدي فكان جسده ملائم للعرض كبنية مراهق صغير متذبذب ضعيف حائر حول ما يصنع ، اما عن الفتاة التي قامت بدورها" بتول الحداد " فكانت تتصرف بآداء طفولي مبالغ فيه لم أستشعر فيه الامها الحقيقية وخوفها في مثل هذه الأزمة العصيبة فكانت تتحرك بحركة سريعة مرحة تنم عن عدم مسؤوليتها وصغر سنها و بالوصول إلي الآخ "أحمد صلاح الدين" فأدائه الجسدي و التمثيلي كان يعلي تارة وينخفض تارة آخري دون وجود مبررات لمثل هذه النقلات السريعة و إن كان آختياره الجسدي موفق كونه يستخدم جسده في التفكير وليس عقله ! ، ايضا قام هذا الشاب بتمثيله دور حارس القبور وهنا وفق بتشكيل جسده ككهل عجوز لا يقدر علي المشي إلا بصعوبة .
إن كان الإستخدام الخاص بالإضاءة يشوبه فقد إرسال المعني لانه مخالف للخطوط الأساسية بالعرض فنجد كونه لا يفصح عن شئ في ظل المنظر المسرحي ولا يفصل بين المشاهد فالآلوان هي " الآزرق و الأحمر و الأبيض و الأصفر " دون تخصيص زمني معين لها مما يشير لعدم مناسبتها للحدث الدرامي إلا ان ذكاء المخرج ظهر في إمتداد الإضاءة علي الملابس ففي مشهد ما قبل الإنتحار جائتنا إشارات تؤكد ذلك كونها ترتدي الفستان الأبيض وتنعكس عليها الإضاءة الزرقاء مما جعلها في شكل ملائكي يبشر بمصيرها و المثل مع الشاب الذي تركز عليه الضوء الأحمر وكأنه يؤكد الجحيم الذي سيعيش فيه ، صممت الملابس "ريهام سامي " وكان افضل ما وفقت فيه هو فستان الفتاة الذي يدل علي برائتها و جعل الآخ يرتدي ملابس مدنية حتي لا يظهر بشكل المتطرف الديني ذو اللحية و الجلباب حتي يشير إلي زمن القصة القصيرة.
مرورا بالمؤثرات الصوتية فنجد في بداية العرض أصوات الآذان مخالطة بلحن ملائكي جميل وكانها تشير لتوحد الآديان حتي نتأكد من خلال العرض أن الحبيبين بالفعل إجتمعا ولكن من خلال الدموع وخشوع الصلاة ، كذلك اللجوء لإستخدام أغنية ساعات المطر للمطرب "وجيه عزيز" التي تعبر عن الحلم الجميل باستخدام كلمات حالمة كالنجوم والمطر مما يؤكد الأحلام الوردية و الخيالية ، وكان الإستخدام الخاص بصوت الفتاة في آخر العرض واحد من أهم مميزات العمل ليؤكد علي إخلاص الشاب لحبه المأساوي أمام قبر الفتاة ، فيمكن القول أن موسيقي العرض جائت معبرة وحالمه كما هو الوضع العام لأجواء العرض .
وبالحديث عن التناول الخاص بالنص الآدبي فقد تم التعامل معه علي مستوي الشكل الظاهري بشكل هشة دون محاولة الوصول إلي مستويات أعمق ودون الإشارة بالترميز والتدليل فكان العرض أشبه بأمسية دافئة تركت بداخل كل منا شئ دافئ غير معلوم ، وبذلك يكون فريق تمثيل أكاديمية الفنون قد أعلن وبشكل واضح خطابه السامي الدافئ في عدم أحقية كل منا في إعطاء دور الإله لذاته مما يجعل هذا العمل ذو مكانة لتحطيمه هذا التابوه وإن احتاج لمزيد من العمق و الدقة و إن لزم التنوية إنه العمل المسرحي الوحيد الذي ضم هذه الإشكالية بعد فيلم صباح للمخرجة "ربا ندي" لذلك فيكاد يختصر العرض في مقولة للراحلة رضوي عاشور مقتبسة من روايتها ثلاثية غرناطة وهي " كلما حاول أن يغالب ما في قلبه ، إزداد ما في قلبه إتقادا " .
-
Doha Elwardaneyناقدة سينمائية وباحثة