رسالة أم إلى إبنتها - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

رسالة أم إلى إبنتها

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 27 نونبر 2019 .

ابنتي الحبيبة.. نور عيني، وحياتي، وابتسامتي


لست أدري كيف مرت الأوقات وأنت تكبرين أمام عيني عاماً بعد عام، ننشغل بدراستك وهموم تخطيك المراحل الدراسية بنجاح ورضى تارة، وتارة أخرى تشغلنا الدنيا بتفاصيلها اليومية وحوادثها المفاجئة، والله يضع فيك الجمال في أوفى خطوطه، تتجملين ويستدير جسمك تنضج شخصيتك، ويكتمل في تكوينك مظاهر الجذب، لتصبحي اليوم عروسة جميلة تتخطفك العيون، وتنتقلين لحياة جديدة يتغير فيها مسماك الاجتماعي، لتعبري من ضفة اللا مسؤولية إلى الضفة الأخرى حيث لا أحد سواك معني بإدارة بيتك وحياتك المشتركة مع رفيق عمرك، لتمري بنفس المراحل التي مررت أنا فيها يوم أن انتقلت من بيت أهلي إلى بيت زوجي، كم كنت قلقة أمام كفاءتي وكفاءة شريكي مع العملية التشاركية بالحياة.. كيف سيكون رد فعلنا مع عملية التغيير، ومع مشاعر تحمل المسؤوليات الجديدة، من الطبيعي أن يعترينا القلق لكن من الأكثر طبيعية أن نكون أكثر قدرة على التحدي ووضع النجاح بالحياة الجديدة كهدف أعلى ..

وإذا الحياة تمنحنا وجهها الجميل لأن إرادتنا أرادت لها أن تكون جميلة، منحتها كل الفرص لتكون مميزة وعلى قرب من محطة التفهم والتفاهم والتقبل، نعظم الإيجاب منها ونتحاشى التفكير بالسلب فيها لنذيب أثر وجوده، العقل وحده من يمنح الانسان كل أسباب النجاح بالحياة فإذا اشتغل بوقته المناسب ومنحناه القيمة العظمى من التحكم فإنه بلا شك سيأخذ طريقه بالاتجاه الصحيح.

لا تخافي حبيبتي من التغيير، فستكتشفي أن الحياة ستفرض عليك الكثير من محطات التغيير شئت ذلك أم أبيت، فالحياة ليست إلا مركبة سائرة في طريق واحد تسير عليه كل المراكب صغيرها وكبيرها، وحدها المركبة المعتنى بجميع أجهزتها من ستكون الأكثر كفاءة لتحمل مشاق الرحلة إلى نهاياتها، فامنحي نفسك أنفاس الشهيق والزفير مع قرار قرار ستتخذينه في حياتك سيكون أثره كبير على مركاة حياتك لتحافظي على مستوى متزن من سرعة الحركة.

فأنا أعلم أنك أهل لتحمل المسؤولية، أنت وزوجك، رغم كونكما مبتدئين تخوضان تجربتكما الأولى وكل منكما يتخيل أن الآخر يحمل بين يديه الكرة السحرية التي تمنح الحلول الناجحة لكل بادرة عرقلة تواجهانها، لأذكركما أن الكرة السحرية ما لم تمسح عليها أيديكما السحرية معاً، ويوجهكم بذلك العقل الواعي فإنها سرعان ما ستفقد قوة اندفاعها وتخرج حجرجة أصواتها وتهدد بالتعطل والوقوف، حينها سيكون الإصلاح مكلفاً وستصبح الحركة بها مهددة بالعطل الكبير.

ها أنا أقرأ في عينيكما ألق الفرح والرغبة بالنجاح، وأدعو لكما من قلبي أن ترفرف حمائم السلام والمحبة فوق رأسيكما، وتكون شراكتكما شراكة السعادة والهناء، لقول الله تعالى:

" يا أيها الناس إنَّا جعلناكم شُعوباً وقبائل لتعارفوا" والتعارف هو نسب يجمع الأسر برباط وثيق من الوشائج الراقية

والحديث الشريف إذ يقول: " اذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"

وأيضاً يقول: " تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس" بمعنى الاختيار الصحيح المبني على المرئيات من السلوك.

ها هو وقت فرحك أزف، وبات أقرب من النسمة المارة على وجوهنا، لا نرجو من الله بعض قليل من الأمانى، وهو الذي قال أطلبوني استجب لكم.. اطلبوا وأكثروا، ستجابون حين تحسنون ظنكم بي، وهذا اليوم انتظرناه طويلا أنا ووالدك والشوق في داخلنا يشكل مروجاً تفيض ألقاً وتموج خصبا يانعاً، ماذا علينا إذا فاضت فينا مواجدنا، وحلت على مكنوننا بكل الشوق واللهفة لنراك بثوب الفرح الأبيض، ملكة في يدها صولجان الحياة.. يا لائم فرحنا بإبنتنا هلا التمست لنا الأعذار؟ وأسقيتنا كؤوس الشهد أفراحا توقظ في أعيننا لألأة الأقمار.

ها نحن ندخل مرحلة التحضير لليوم الموعود وقلوبنا ترقص لك فرحا، لأنك وحدك اليوم من تقيمين في أعيننا، تخترقينها إلى أرواحنا ليقضي الله فينا نبض السعادة ويطيب فينا الفرح وتتجذر في عروقنا نبض لهفة تدوم، لكن حين أزف الوقت واقترب كثيرا موعد مغادرتك البيت الذي تربيت فيه لتنتقلي إلى البيت الذي سيصبح جنتك الجديدة، أصبحنا أنا ووالدك وشقيقاتك وأشقائك نحسُّ بقلوبنا تهوي هلعاً على مغادرتك، حقا إنَّ سُنة الحياة تفرضُ عليكِ المُغادرة وفراق صباحاتنا ومساءاتنا، لكنا نجدُ صعوبة إذ كيف سيغيب صوتك من أجواء هذا البيت، وتغيب تحركاتك وضحكاتك ونوادرك اللطيفة، ندري تماما مدى السعادة التي تنتظرك، لكنه الفراق في بدايته شعوره مؤلم يغور بالنفس بجلافة البتر، شيء واحد يُعيدنا للفرح أنك أصبحت مهيأة لتبدئين حياة الزوجية الجديدة وتبنين بيت الأسرة خاصتك أنت وشريك حياتك لتأتلف أرواحكما استعداداً للامتداد

كم هو شعور جميل ومنعش حين تتفرع الأسرة باتجاه بيوت أسرية جديدة، فقد كان الله أمرنا بإعمار الأرض، وهذه مرحلة من مراحل تطبيق الأمر الإلهي في إعمار الأرض وتكاثر البشرية، من سنن الحياة الامتداد والتفرع، ومن سنن الحياة أن تتزوج الصبية من رضت به، ورضي أهلها به زوجا كفؤا لها، لأن الأسرة الجديدة هي المدماك الأول للبناء الاجتماعي العام ، وصلاحها بصلاح المجتمع ككل، ونحن زرعنا بك قيما قوية لانجاح هذا الزواج، فكوني ما شئت أن تكوني على ما حررتك عيوننا، فارتيادك حسن الخلق رحيب، وظلك وافي الحضور مهيب.

فأوْلِي يا ابنتي زوجك كل الاهتمام، امنحيه الحب والحنان بما أنعمك الله من صفات سامية، إغزلي له العبارات خضراء كروابي الربيع الرطبة بالندى، نسقي له كلماتك لتبدو المعاني المتسللة عبر شفاهك فراشات عشقتها الألوان الزاهية، عبئي له عيونك بضياء الحب والشعور الباذخ، واسقيه كأس الود هنيئاً، أسمعيه لحون الحب التي تطرب أذناه،

إخدمي بيتك جيداً بحيث تجعليه فردويكما الأجمل ومكانا مريحا لكليكما، ولا تغادري ابتسامتك مهما عبثت بكما الأنكاد، ليغترف زوجك سعادته من سعادتك ويمتلك هدوءه من هذه الابتسامة الودودة، تبادلا الاهتمام والابتسام فالسعادة نصنعها نحن بأيدينا ونسكبها عطرا على مفاصل حياتنا، لا تأتينا جاهزة من خارجنا، ولا ننتظرها فقط من الطرف الآخر، تشاركا في صناعة سعادتكما وعمرا جدران بيتكما بمداميك الاستيعاب ليكون بيتاً يليق بأسرتكما القادمة، حافظا على أسرار بيتكما واعلما أن لا أحد يحفظ لكما سرا أنتما أفشيتماه وأنتما صاحبه، فأصدقائكم ليسوا حكماً عليكما، فمن يدري صديق اليوم كيف يصبح معكم غدا، فلكما حياتكما ولأصدقائكم حياتهم فلا تخلطوا الأمور عليكم وعليهم، فما أجمل بيتاً سحره في غموضه.

أريد أن أقول لك يا حبيبتي ونور عيني كم أنا أحبك، وكم أنا فرحة لفرحك، رغم أنك تفارقين البيت الذي احتواك ابنة بارة وغالية، والصدر الذي استوعبك واستوعب شقاوة طفولتك وحلاوة شبابك، إلا أني أعرف أنك تغادريني لتصبحي أسعد وتسعدينا بسعادتك، ومن ثم بأسرتك الجديدة القادمة.. فابدئي حياتك بصلاة ركعتي نية التوفيق واستجلاب البركة والسعادة، وخذي قرارك مع نفسك أن تنجحي في هذه المرحلة من حياتك، من اتخذ قراره مع نفسة فقد توضح أمام عينية هدفه، وبالتالي سيكون مجتهداً لتحقيق هذا الهدف الأهم، وسيمتلك الدافعية الذاتية لانجاح حياته الجديدة، متخذاً دربة الأكثر يسراً وأمناً.

ابنتي حبيبتي.. لا تنسي أن لزوجك والدان لهما فضل وجوده ونشأته وتعليمه واحتضانه حتى بات فتى وسيماً مهيئا لأن ينحب ويُحب من قبل فتاة صالحة مثلك، فأكرميهما وأوفي حق احترامهما وشكرهما على ما أهدوك إياه زوجاً صالحاً يحبك وتحبينه، لا تحاولي التقصير بحق أفراد أسرته، لا تنسي انتماءه إليهم سابق لانتمائه إليك، فهم الأصل وقد كبر بينهم وبأحضانهم حتى أصبح الرجل المهيأ لتحمل مسؤولية الزوجة والأسرة وبيت الزوجية، اكسبيهم أهلا لك وعزوة، تهادي معهم وتبادلوا الذكريات الجميلة، واجمعيهم في بيتك وعلى سفرتك ليستشعروا حبك لهم.

فلك بُنيتي حبيبتي سلام وألف سلام، ولك عناقي وفرحي، ودعواتي لك أنْ يمنَّ الله عليك بكل التوفيق.. وألف مبارك لكما جمعكما على الخير ومن أجل الخير، ألف مبارك لكما أسرة سوف تعمرانها بالود والحب والانسجام.


  • 1

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 27 نونبر 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا