قصة صداقة
خير جليس في الأنام كتاب
نشر في 15 شتنبر 2022 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
في أمسية من أمسيات الخريف صرخت السماء وسُمع أنينها حَجبت السحب شمسها فدمعت عينها و بكت بغزارة ، فيا صديقة أي حمل قد أثقل خلدك ؟ أ و تدرين أن دموعك روت الجنان وسقت البراري ،هوني عليك يا سماء فإن الخالق فتح أبوابك رحمة للعالمين ، أظن أنني أخاطب السماء يا مذكرة ...يا للعجب !
قد أصبحت أرى الأمور بتأمل يا ترى ماذا حل بي ...حدث هذا معي بلأمس و قبل الأمس وقبل أمد ليس ببعيد...وكأن سحرا أصابني و طلاسم معمولة لي،فقد أصبحت أرى الأمور ليس بعيني فقط بل تجاوزت حدود عيني , وجدت أن هذه الرؤى تجاوزت كل الحدود الجغرافية لعالم تواجدت فيه...فأصبحت أنتقل بين العوالم و ألتقف الرؤى وليست هذه الأخيرة فقط بل و أستقي أيضا الأفكار و الحقائق و أشاهد صورا مختلفة للحياة ، ...ماذا هناك يا مذكرة ؟
ثم سرعان ما اكتشفت هذا السحر انه سحر من عالم بنيته مع أصدقاء التقيتهم صدفة في طريق سلكته في بداية الأمر محاولة مني للهروب من ضوضاء محيط أعيش فيه ملأ الغبار بعض أجوائه و تكدّر ماءه .
أو تعلمين يا مذكرة من أصدقائي ؟
لهم لقب واحد هو الكتاب و لكن تختلف أسماؤهم لم أتعرف عليهم كلهم لأن أعدادهم لا تعد ولا تحصى لكني التقيت بعضهم .
سأحكي لك في سطور عنهم مع أن بضعة سطور لا تكفي مثقال ذرة مما وجدته فيهم و تعلمته معهم , سأبدأ بصديق اسمه " امرأة من طراز خاص لكريم الشاذلي مكنني هذا الصديق من معرفة أن المرأة ليست فتنة بل هي نفس خلقت لاعمار الارض لها أهداف منها إسعاد البشرية و تحقيقها لغاية خلقها . كما لها شعارها إن الله لا يضيع اجر المحسنين , و أدواتها نبل الخلق و طهر الوسيلة . و رأيت من خلال هذا الصديق أن الأحلام هي إجابات اليوم عن أسئلة الغد وان المرأة لم تخلق لتكون عبدة بل كرمها الإسلام بعد أن كانت تدفن في التراب . و أراني حلولا لأكون أفضل في جوانب كثيرة نفسيا و أسريا, اجتماعيا ،ماديا،ثقافيا، و حكى لي قصص الحياة المختلفة التي عاشتها نساء مثلي واستطعن مسايرة الحياة بصعابها ..كما علمني كيف أواجه أمورا كثيرة في الواقع ، قد ألتقي بها في الأيام المعدودة التي سأتواجد بها في هذه الحياة الدنيا .
وهيا نبحر يا مذكرتي مع صديق آخر أخذ اسم "بأي قلب نلقاه " لخالد أبو شادي , جعلني احذر من تقلبات القلب
ما سمي القلب إلا من تقلبه فاحذر على القلب من قلب وتحول و كذلك نبهني لأربط حياة الدنيا واجعلها مرآة الآخرة, فان رأيت ظلمة تذكرت ظلمة القبر و إن وجدت سعادة تذكرت نعيم الجنة و إن صرخت من ألم تذكرت ألم النار ، كما عرفت أن القلب اللين يكون ذا ضمير و يعامل الناس باختلاف أحوالهم ... فعلا فهناك أرواحا أرقتها مصاعب الدنيا و استنزفت طاقتها.
و فارقت هذا الصديق و كان لي معه من الذكرى الكثير ...
وفي لقاء آخر و مع رفيق شاءت الأقدار أن التقيه صدفة مع صديق في الواقع فأخذته معي إلى عالمي ،كان يحمل اسم رسائل النور لبديع الزمان النورسي ، كان صديقا صعبا قليلا فقد تغلغل في الروح و ما يدور في خلدها ، لكن مع الوقت استطعت أن أفك شيفرته ، لطالما صادقت أشخاصا في واقعي استفيد منهم روحيا أكثر منه ماديا لان المادة تفنى وما يتعلق بالروح باق حتى في عالمي الذي بنيته انتهجت نفس الطريقة في صداقاتي ، ربما الآن تعتقيدين يا مذكرة أنني استغلالية و لا أصاحب الذين لا استفيد منهم ...لكن لا تحكمي ربما الصداقة شيء و المعاملة شيء آخر... و للنفس في خلقها شؤون . كما أنك تهمسين و تقولين وتتساءلين لما لا يكون صديقها القرآن الكريم أشمل و أعم ؟ سأقول إنالقرآن كلام الله ..غذاء للروح ..و الجسد بلا روح لا معنى له..و أدعوك يا حافظة أفكاري لتأمل البحار والمحيطات...نستطيع أن نخرج بعض ما فيها من جمال لكن لا يمكننا أن نأتي بمياهها و بكل مافيها من جمال....
إذا لنكمل حديثنا فهذا الصديق كان اللقاء معه طويلا حتى أنني فوت منه الكثير . فالواقع لا يتوقف و زمنه يتسارع لا ينتظر..ليس كعالمي ينتظرني دائما.
مع هذا الصديق تأملت في كل ما يحيط بالواقع بصورة ليس كما العادة , و تنبهت أن ما نتمتع به في ربيع العمر و مقتبله ذاهب لا مجال فعلينا أن لا نهدره في تفاهات الحياة و ننغمس فيها ...و أن نعيش حياتنا بالإيمان و الخير و الطيبة و الإحسان و لا نبنيها على المادة و أشباهها ...و تفطنت من خلال هذا الرفيق أن الدنيا دار ضيافة و نحن بنو البشر ضيوف مكرمين فيها فالواجب هنا أن نتقيد بتعليمات صاحب الدار و نقدم له الشكر و لا نتحرك إلا وفق أوامره ،و فتح هذا الصاحب لي باب الخيال فوجدت ترابطا كبيرا بين الحياة بأشيائها المادية و المعنوية ..حتى الصلوات لها معانيها بعيدا عن كونها عبادة وشكر ...فهي تشبه الطبيعة بعظمة خلقها ...فوقت الفجر يعلن عن المولد الجديد و هو يشبه الربيع ..و وقت الظهر عنوانه الشباب و منتصف الصيف ...و وقت العصر يشبه موسم الخريف و زمن الشيخوخة ...و المغرب فيذكر بغروب اغلب المخلوقات،و يوحي بوداع الدنيا، وقت العشاء ظلامه يذكر بالقبر و تغطية الكفن الأبيض ..فهو يشبه الشتاء فالارض يغطيها البياض.إلى هنا يا مذكرة كان الوداع بيننا أنا وهذا الرفيق .فقد فارقته وكان لي وعدا معه أن التقيه يوما ما , فقد بقيت الكثير من العبر التي لم يحالفني الحظ لكي التقفها , كما أنه ترك في روحي صراعا بين ما كنت عليه و ما تعلمته منه و كيف سأكون ...
سرت في دربي متنقلة بين الواقع تارة و تارة أخرى أزور عالمي الهادئ و في هذه الأثناء سمعت بلبلة حول درر كان يحكيها كتاب ملقب ب قواعد العشق الأربعون لايليف شفاق ، فقررت بحكم الفضول أن أتعرف عليه ففي البداية كانت قصصه غريبة... لكن في هذه الحياة يا مذكرة تعلمنا أن للأشياء عدة وجوه علينا أن نحملها على الوجه الحسن ،فنحن نرى الوردة و عطرها و لا نرى الشوك فيها، الآن لأقص عليك ما حدث بعدها ،صحيح أنني لم ارتح له في البداية لكن سرعان ما وجدت نفسي منغمسة في كل ما يقوله فقد وجدت نفسي مبحرة معه في ما يسرده لي عن جلال الدين الرومي وشمس التبريزي حتى أني اعتبرته جليسا و صديقا و كان لي معه مغامرة حملت العديد من الأفكار الجميلة و الكثير من التأملات تلامس الواقع و تجعله جميلا بالرغم من المفارقات الموجودة فيه ،ترك هذا الصديق أثرا كبيرا في روحي فمن خلاله و جدت أن كل شخص يتحدث عنك بالسوء فان التحدث عنه بنفس السوء يزيد الأمر سوءا و يجعل من الشخص حبيسا في حلقة مفرغة من طاقة حقودة . و أن هذا العالم يشبه جبلا مكسوا بالجليد يرد صدى أصواتنا فكل ما نقوله سواءا جيدا أم سيئا سيعود علينا على نحو ما ومن قصصه وجدت أن القذارة التي تقبع بالخارج يمكن غسلها لكن القذارة الداخلية هي الحقيقة التي تلوث الروح و هي الأولى بالنظر و التطهير، وضح لي أن الحياة عبارة عن العديد من المفارقات فالأشياء تظهر من خلال أضدادها، ومن الحكم التي أخذتها منه أنه لكي تولد نفس جديدة يجب أن يكون هناك ألم , فالألم فعلا يغيرنا .
و كان لي معه الكثير من العبر التي أنارت عقلي و روحي لتنتهي يا مذكرة مغامرتي مع قواعد العشق الأربعون .
فبفرح و حزن ودعني ويا ليته ما ودعني فقد تمنيت لو كان لقائي أطول معه فقد عشقت قصصه و ألهمتني حكمه .
الآن يا مذكرة آن الأوان أن نفترق تعلمين الواقع لا ينتظر،رغم محبتي لك ،لكن الواقع أيضا مهم ولي أحباب فيه فهو يناديني و سألبي النداء ..أو تعلمين أني نقلت كل ما تعلمه من أصدقائي في عالمي هذا إلى الواقع وأضفى ذلك صفاءا و سلاما , كما اختفت شوائب كثيرة كانت تملأ الأجواء . واحفظي لي يا مذكرة كل ما قلته لك لأعود له عندما تتلاشى ذاكرتي و يزداد ضجيج الواقع من حولي يشوش رأسي .
إذا حان ذهابي يا رفيقة أفكاري لا تحزني سأعود لك عن قريب ،فلم تنتهي حكاية مغامراتي مع أصدقائي في عالمي،لكن الوقت غير كاف لأكمل لك ...ووعدي لك قائم ، سيكون لي موعدا معك عن قريب ..
و إلى الملتقى يا موطن عالمي..
-
خديجة لينة بغدادييقول الرافعي : ستبقى كل حقيقة من الحقاىق الكبرى كالايمان والحب و الجمال والخير والحق -ستبقى محتاجة في كل عصر الى كتابة جديدة من أذهان جديدة .