الحلاج - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الحلاج

شهيد العشق الإلهي

  نشر في 05 مارس 2020  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

قل للحبيب الذي يرضيه سفك دمي

      دمي حلال له في الحِلِّ والحرمِ

إن كان سفك دمي أقصى مرادكم

     فما غلت نظرة منكم بسفك دمي


أبو عبد الله حسين بن منصور الحلاج من أعلام التصوف المعروفين في العالم الإسلامي، ويعد من أكثر الشعراء جدلاً بين شعراء العصر العباسي وما تلاه وذلك لما تتضمنه أشعاره من غموض. ولد في العراق 858م وكان دائم الترحال واعتكف في الحرم لفترة طويلة.

تعتبر شخصية الحلاج من الشخصيات التي أُثير حولها نقاشات عديدة فانقسم الناس ما بين محب له و ناقم عليه، فالبعض يراه من الصالحين الذي نال منه العشق فارتقى إلى عالم الملكوت، بينما البعض الأخر يعتبره مهرطق وصل به العشق حد الجنون والكفر. وهناك طائفة آخرى تكتفي بالصمت إزاء شخصيته.

ولقد كان صوت مكفريه أكثر قوة من أصوات مريديه، فتم النظر في أمره، وكان القرار صادماً حيث قاموا بجلده وقطع أعضاؤه ثم صلبوه وقطعوا رأسه وأُحرق كامل جسده.

لقد كان الحلاج على علم بأنه موته أمر محتوم، وأنه الضحية التي ستُقدم فداء عن الآخرين، فقد قال:

"تُهدى الأضاحي وأهدي مهجتي ودمي"

وكأنه تنبأ بموته حينما ذكر ذات مرة:

"وإن قُتلتُ أو صُلبتُ أو قُطّعت يداي ورجلاي ما رجعتُ عن دعواي"

لم يكن الحلاج يهاب الموت، بل كل ما كان يشغل باله هو نشر دعوته بين الناس والتي تقوم على أساس المحبة، وأساس المحبة عنده التضحية، فعلى الإنسان الذي يحب أن يضحي من أجل المحبوب.

وعندما كان على المشنقة قال:

"قد اجتمعوا لقتلي تعصباً لدينك، وتقرباً إليك، فاغفر لهم، فإنك لو كشفت لهم ما كشفت لي لما فعلوا ما فعلوا"

وحين جيء به ليصلب، ورأى الخشب والمسامير ضحك كثيراً حتى دمعت عيناه ثم التفت إلى القوم طالباً سجادة ليفرشوها له، فصلى ركعتين وتلا آيات من القرآن الكريم، فركعتان في العشق لا يصح وضوؤهما الا بالدم.

كان التصوف عند الحلاج هو الجهاد من أجل الحق ورفع الظلم وطلب الحقيقة، فلم يكن تصوفه خاملاً أو سلبياً لا روح فيه أو رأي بل على العكس من ذلك، فقد وقف الحلاج أمام الظالمين والطغاة، وكان مناصراً للمظلومين الضعفاء، ولعل هذا السبب كان من ضمن أسباب عدة للتخلص منه، وكان المبرر موجود أنه كافر وينصب نفسه إلهاً مع الله.

ومما رسخ هذه التهمة أشعاره التي كانت تحمل أكثر من تأويل، فكانت شطحات تبتعد عن النهج الإسلامي. ويعتبرها البعض لحظات تجلي لم تستطع لغتنا المتداولة التعبير عنها، فعبر عنها بلغتنا القاصرة، فلم يفهم العوام من كلامه شيء، فتم حمله على الكفر والعصيان.

فمثلاً نجد في لغة أهل التصوف تعبير "السكر والانتشاء" والسكر في لغة العوام هو شرب المُسكرات التي هي من المحرمات في الشرائع، لكن السكر عن المتصوفين هو سكر الروح من كثرة ذكر المحبوب.

فالسكر عندهم هو انتشاء الروح من خمر المعرفة بكأس اللطف الإلهي في حانة القداسة عند العروج إلى عالم النور والضياء.

وبالتالي فقد اصطلح أهل التصوف على مفاهيم خاصة بهم لا يعرف معناها سواهم، ولذلك لم يكن هناك طرح لها أمام العوام حتى لا يتم تأويلها تأويل فاسد ومن ثم يتم تكفيرهم لكن الحلاج لم يكن يكترث بشأن العوام، لقد كان واضحاً، وهذا ما ساعد المتربصين به للنيل منه، فقاموا باستغلال شطحاته -على حد وصفهم- لتهييج الناس عليه.

والحلاج هنا يشبه إلى حد كبير سقراط الذي تم إعدامه لقول الحقيقة وهدم الأصنام، فكانت الذريعة أنه مهرطق، يفسد عقول الشباب ويعلمهم التمرد، ويدعو لآلهة جديدة وينسف المعتقدات. والتاريخ مليء بالكثيرين ممن حُكم عليهم بالإعدام والحرق والنبذ والنفي لا لشيء سوى سعيهم للمعرفة.

ولكن الويل لرجل سبق عقله زمانه.

أن يقول الحلاج في زمانه: "ما لي و للناس كم يلحونني سفها ديني لنفسي و دين الناس للناسِ" كان بالنسبة لرجال الدين ضرب من الخبول والكفر، وبالنسبة لرجال السياسة قلب نظام الحكم، ومتى حصل الوفاق بين الدين والسياسة كانت السلطة التي لا تلين ولا ترحم. فكان الحلاج مكروهاً بالنسبة للطرفين، وكلاهما ينظر إليه باعتباره خطراً لا بد من القضاء عليه، وهذا ما حدث ولكن ..

"الناس موتى وأهل الحب أحياء"

حصد الحلاج أتباع في كل مكان، ففي الهند وخراسان وفي بغداد والشام كان له مريدين يتتلمذون على يده وينتهجون طريقه، وقد اتهموه بعض أهل السنة بأنه بلا كرامات ولم يكن صالحاً بل مخدوماً من الجن والشياطين ويتلون لاستمالة قلوب أهل الطوائف الآخرى، فتارة يسير مع الشيعة، وتارة يجلس مع أهل السنة، وتارة ثالثة يبدو وكأنه معتزلياً "نسبة إلى المعتزلة وهم من المتكلمين الذين أرسوا علم الكلام الذي هو بمثابة الفلسفة عند الغرب"

ونُسب إليه استخدامه لعقيدة التقية الشيعية وهي عقيدة باختصار ترى ضرورة إخفاء معتقدك  إتقاءًا أو خشية لحدوث أي ضرر.

وكان الخلاف جلياً بينه وبين أعلام التصوف، ففي حين اتفق علماء التصوف على كتم مشاعرهم ووجدهم وأسرارهم عن العوام، ويؤثرون العزلة والصمت، تملكته نشوة التعبير والجهر بإفكارهم ومصطلحاتهم بين الناس.

والمفارقة الغريبة أن لا أحد كان يبالي بأمر الحلاج إلا بعد دخوله لمعترك السياسة وتنقله من بلد لبلد حيث ألقى خطبه وأدهش الناس بفكره الإصلاحي! وهذا يعد دليلاً أن مقتل الحلاج في المقام الأول سياسي وليس ديني.

إن انتقاد الحلاج للأوضاع في عصره وجهره بأن الأمور ليست على ما يرام ولا بد أن يثور الناس على نظام كهذا، دعت الحاكم لأن يلفق له تهمة تزجه في السجن أو تقضي على حياته، وكانت التهمة جاهزة بالفعل "التكفير"

فصدر الحكم في شأنه بالإعدام وقُتل شر قتلة، وبقى لنا شعره الذي اختلف الناس عليه، هل كان شعراً إلهياً أم كفرياً؟


والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت

إلا و حبّـك مقـرون بأنفاسي

ولا خلوتُ إلى قوم أحدّثهـم

إلا وأنت حديثي بين جلاسي

ولا ذكرتك محزوناً و لا فَرِحا

إلا وأنت بقلبي بين وسواسي

ولا هممت بشرب الماء من عطش

إلا رَأَيْتُ خيالاً منك في الكــأس

ولو قدرتُ على الإتيان جئتكم

سعياً على الوجه أو مشياً على الرأس


  • 9

  • محمد شريف
    ‏‏‏‏‏‏‏قد أُعدم مثل سقراط أو أُصلب كالحلاج. من يدري ! أنا مزيج من التصوف والعدم ..
   نشر في 05 مارس 2020  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

أماني منذ 5 سنة
انا من الطائفة التي تكتفي بالصمت اتجاهه
3
محمد شريف
وهذا خيار الحكيم.
Dallash
كلنا اخوة في الله وفي الاسلام....حفظكم الله
محمد شريف
احسنت القول

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا