وتستمر فصول الصفقة
"""""""""""""""""""""""
هيام فؤاد ضمرة
"""""""""""""""""
مؤسف وذليل ما آلت إليه أحوال العرب التي ما زالت تهبط بميزان الكرامة والعزة العربية إلى الدرك الأسفل، وقد تساقط عنهم تاريخهم، وأمجاد قومهم، وعزة ديانتهم، وأحكام شريعتهم الغراء.. محزن حال العرب وقد باتوا إمعة بيد من هيمن وطغى واستغول، موجع هذا التخبط والركوع الذليل لقسوة الظروف، وربكة الحروف، وعمرهم الذي بات مأسوف عليه، لا يعلم سوى الله لأي هدف ستؤول أحوالهم، ولأي غاية سيصلون، وإلى أي واد سحيق سينزلقون في نهاية المطاف.
فعدوهم استفرد بهم، وتبجح عليهم، ونجحت ألاعيبه في هدم بنيانهم، وتحطيم ركائزهم، والاستيلاء على أوطانهم، وتمزيق شأوتهم، وتفتيت لحمتهم، وتعليق آمالهم في مهب ريح عاتية، لا يدرون بأي اتجاه تلقيهم بين لحظة وأخرى، وبين موقف وآخر، يتأرجحون بمواقفهم، ويتقلصون بوجودهم، وترتبك مسافات خطوهم، وتتحطم على صخرة الفشل خططهم، فما أحط ما آلت إليه أخطاءهم، وما حلت عليه قضاياهم، وما زال ما تبقى فيهم مما وهبهم منه الله قابل أن يفقدوه ويضيعوه ويبددوا وجوده.
فمنذ أن جاءت دول الغرب المستعمرة لتمزق الوطن الملتحم، وتقلب العرب على الامبراطورية العثمانية التي ما كانت أبدا رجلا مريضا ولا حتى متمارضاً على ما أطلقه عليها الغرب المعادي الكائد، بل كانت رجلا شريفا يتصدى بشرف المقاتل حين تكالب عليه الداخل والخارج، بهدف إضعافه وإرضاخه وتمزيقه، وتشتيت أهدافه العظمى، وإضعاف وسائله ومساءله حتى تم لهم ما أرادوا من نصر غير شريف، وجيء بالحكام الحاليين بعد أن عيل صبر المستعمرين على مقاومة الشعوب الثائرة التي رفعت راية الجهاد لإنقاذ العباد، وطرد المستعمر عن جوس أرض البلاد، ومنحت دول الاستعمار مستعمراتها ما ظنته الشعوب هو الاستقلال، وتلاعبت بعقولهم للتخلي عن تماسكهم تحت مظلة الدولة الواحدة التي يمكنها أن تكون بالقوة المناسبة لترد أي عدوان على أي بقعة من بقاع الوطن العربي الكبير، فما الذي كان ينتظر العرب في زمن تلاعب الغرب بهم وبمصيرهم وملكية أوطانهم، عرب أضاعوا بوصلة هدايتهم بالمطامع بمواقع الحكم والسلطة، راحوا يتوغلون في مناطق الظلام فاقدين الرؤيا والرؤية لتضيع أيضاً اتجاهاتهم في كافة توجهاتهم، ويختفي النور من حياتهم لأبد الآبدين.
فأنى للنور يأتيهم ببصيص الأمل وقد تردت أحوالهم وفقدوا قراراتهم، واضطروا مرغمين أن يشرعوا اليوم أبواب أوطانهم لاستقبال عدهم وعدو البشرية على أنه الجار الصديق والحليف الوفي الذي ما تلوثت يداه بدم الضحايا من العرب البائسين، لتضيع أرواحهم هباءاً منثورا ودمائهم وتضحياتهم وجهادهم ونضالهم، حكام يتمرغون في رمل تصحرهم النفسي والوطني، يسارعون التخلي عن عروبتهم عند أول امتحان، وخلع عباءة كرامتهم عند أقدام من قهرهم وقتلهم واستولى على وطن من أوطانهم، تخلوا عن قضية العروبة والضمير، وتخلوا معها عن آخر قطعة تستر حقيقتهم، هكذا وبكل بساطة كشفوا عن وجوههم وبانت حقيقتهم وماعت مواقفهم، فتذاوبوا كما قطعة زبد تغلبها الحرارة، فما أقسى ما نراه ونشهده ونلمسه اليوم دون أي ريب، ونتسائل كم صبروا ليصلوا إلى ما وصلوا إليه.
فإيه يا أيها الشعوب العربية المغلوب على أمرها، ها أنتم اليوم تعيشون اللحظة ربما الحاسمة وربما الهالكة المهلكة لتشهدوا الحقيقة المؤلمة، والجرائم الوحشية المعتمة، والخروقات المزلزلة، والخضوع الذليل، والطاعة المهينة، وتنفيذ الأوامر بكل انصياع وتبعية، بل تجاوزها إلى غير المدرك وغير المفهوم من باب ارضاء دولة المركز وحليفتها التي لا زالت تخفي أقطاب قوتها الحقيقية حتى لا يصل أحد إلى مصدر نبضها، تكتيك محارب يشتغل على التمدد من أجل الوصول إلى القوة العظمى التي ستقبض يوما ما على زمام أمور العالم وفي طليعتهم مسك زمام أمور دول الشرق العربي.
ألم الصدمة أصاب كل العرب من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق وجعلهم يئنون تحت ضربتها الموجعة، ويفتحون أفواههم ويرخون حنوكهم مصدومين غير مصدقين ما تراه أعينهم وما يشهده كاتب تاريخهم.. فسجل قدر ما تسجل يا يراع التأريخ، لقد أحرجتهم سياسات المتخاذلين وهم يسارعون لرد زيارة نتياهو كبير المجرمين من قبل وزير خارجية عُمان يوسف بن علوي بحجة حمل رسالة الوساطة لتقريب وجهات النظر بين اسرائيل والفلسطينيين، ها قد فقدوا تماماً قدرتهم على النظر أبعد من الصفقة المهينة القادمة بعدما سقط الجميع من علٍ غير هيابين ولا مرتجفين، والإعلان ثانية عن عزم وزير المواصلات الاسرائيلي زيارة عُمان بالقريب العاجل بتهافت ظاهر وبتسارع غير مبرر لمنح عُمان خدمات مشتركة وخبرات مستحكمة، وواضح أننا سنشهد تهافت غير مبرر بين دول الخليج ودولة الاحتلال المجرمة التي انقلبت بين ليلة وضحاها إلى جارة مكينة من دول الشرق الأوسط المعترف بها، والاندفاع لتقوية العلاقات بسلسلة من المشاريع الاقتصادية والخدماتية المشتركة لاثبات حالة التطبيع بالكامل وعلى عينك يا تاجر، فما بعد السقوط الذريع غير التسليم بالأمر الواقع وانتظار النتائج والوعود فماذا بيد الشعوب المسحوقة ماديا واقتصاديا والمحاصر حرياتها، عل وعسى يتم الافراج عن كل القيود التي تحاصر مواطني الوطن العربي وعلى رأسها الاقتصاد والغلاء والبطالة التي تم افتعالها بأنظمة دولية تم عولمتها بذكاء ليكون القبول بصفقة العصر مدعاة لفك كل هذه الضغوط الخطيرة.
لن أقول كغيري أني أنا الأخرى أعيش الصدمة إياها، فقد كان كل هذا متوقعا والعلاقات بين العرب واسرائيل كانت تسير سيرا حثيثاً دون الإعلان عنها، وكنا نتسوق بضاعة دولة الاحتلال ونحن غافلين عن الحقيقة، ومن ثم صار ذلك معلوما ومسكوت عنه، وسكت الشارع العربي واكتفى بالمقاطعة التي ما تمكن أبداً الإعلان عنها حتى لا يجد العربي نفسه هو الآخر خلف القضبان، فالتجارة البينية بيننا وبين عدونا كانت محمية من الحكومات وأجهزة أمنها.
الاستنكار بات مجرد فقاقيع تتطاير في فضاء المكان، والرفض والاعتراض سيرد عليه بيد من حديد وهذا اجراء واضح يتم التلويح به بين فترة وأخرى، فماذا يفعل المواطن العربي المغلوب على أمره أمام هدير السلطة وتلويحاتها وتلميحاتها.... اللهم رحماك يا إلهيوتستمر
-
hiyam damraعضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية