لم أكن اتوقع ابدا ان يظل ذلك المشهد من طفولتي عالقا بذهني وبنفسي حتي الأن,ولكنني اكتشفت مدي قربه مني وربما تأثيره علي بعض جوانب شخصيتي بعد ما يقرب من عشرين عاما . كانت تفاصيله أول اجابة تخطر ببالي عندما سؤلت عن اكثر المواقف وجعا وصعوبة في حياتي. كنت كأي طفل في سني لا يشعر بحلاوة وبهجة العيد الا بالخروج والتنزه حتي وان كان ذلك مجرد جولة في بعض الشوارع العادية سواء قربت أو بعدت علي كرسي المتحرك الذي يدفعه أبي بسرعة تتناسب عكسيا مع طول المسافة . وفي احدي الليالي الشتوية الهادئة قليلا , كنت وأبي في طريق عودتنا للمنزل بعد جولة في شوارع المدينة تناسي فيها تعبه وارهاقه من العمل , وتناسي ايضا برودة الجو في هذا العيد ليدخل شيئا من السرور علي نفسي التي كانت قد اشتاقت لجولة جديدة في شوارع جديدة لم أرها من قبل ....كنا نمر بشارع خالي تقريبا من المارة لعدم وجود اي محلات او اماكن ترفيهية به , وكأنه ظهر من تحت الارض ,ذلك الرجل المحتمي ببالطو اسود وكوفية امتزجت فيها عدة ألوان وتبدو عليه علامات الثراء نوعا ما. اقترب مني في لحظة وهنأني بالعيد بمنتهي الحب والحرارة , ورغم ان الامر اثار استغرابي الا اني من باب الادب تجاوبت معه ورددت التهنئة , وهو ما دفعه لمحاولة اعطائي مبلغا من المال علي سبيل "العيدية" وهو ما ظن وأبي اني سافرح بها كباقي الاطفال , ولكنني احسست بقلب الطفل ان وراء ذلك شفقة وتعاطف لحالتي واختلافي عن اقراني , لذا ما كان أمامي سوي ان استميت في رفض النقود والا ابيع كرامتي وعزة نفسي امامها ...وقد نجحت في ذلك رغم استغراب كل من حولي لصلابة موقفي وعندي.