العمل علي جذب المتلقي قبل بدأ العمل المسرحي و خروج الممثلين علي خشبة المسرح باللجوء إلي الموسيقي أصبح من شيم عروض هذه الفتره ، اما العمل علي توظيف جملة " الرجاء غلق الهاتف المحمول حتي يتسني بدأ العرض" و دمجها بأحد شخصيات العرض المسرحي بضمها للأحداث كان أمر جديد للمتلقين وهذا ما حدث في عرض " الخلطة السحرية للسعادة" إخراج شادي الدالي ، وبطولة محمد حفظي وفاطمة محمد علي ومحمد سعداوي و أميرة رضا وفهد ابراهيم و اسماء أبو زيد ورحمة أحمد ، سينوغرافيا عمرو الاشرف.
التلوين الفني للصوت بالإعتماد علي علي علوه وجرسه و نغمته ظل معنا طوال العرض بداية من سكرتيرة الحكيم والتي هتمت بتلوين صوتها حتي أصبحت تتحدث بصوت آلي وتكراري ساخط عن غلق الهواتف المحمولة و تكملة حوارها بذات طبقة الصوت لإعلانها عن كيفية الحياة بسعادة ومن يريد الإشتراك عليه الضغط علي رمز "نجمة" ، الإعتماد علي الصوت الآلي البارد يجعل المتلقي مدرك إن ما يحدث امامه هو حالة من النصب تشابه الزيف الإعلاني المنتشر في القنوات التلفزيونية الآن و ما ساهم في إرسال هذه الرؤية هو الإعتماد الكلي علي اللون الأزرق في بدأ العرض واثناء حديث السكرتيرة و المعروف ان اللون الأزرق هو لون بارد قاتم يسلب الأشياء جمالها وساهم في تكملة هذه الصورة مرور شخص يرتدي السواد من أعلي رأسه حتي أسفل قدمه من جانب الجمهور بشكل جنائزي ثقيل الحركة ذو وجه مهمش الملاعم وتتنافي هذه الصورة عند صعوده خشبة المسرح بخلع السواد و إكساب جسده للحياة بحركات قوية وإعلامنا من حوار السكرتيرة إنه الحكيم فتأكد للجمهور الزيف الذي يحدث امامه .
( يا حيوان ) مع الإيماء بالإشارة إلي الجمهور هي أول جملة قالها الحكيم وهو ما أحدث دهشة للجمهور للحظات محدودة حتي أنتقل الحكيم سريعا بالتصرف وكأنه يصور إعلان تلفزيوني عن الدفع له مقابل إسعاد الذين يقدمون علي الإشتراك لنعلم من خلال العرض وجود آزمات إنسانية مختلفة كالموظف المرتشي الذي يشعر بالسخط تجاه ذاته ، والفتاة التي خدعها حبيبها بوعوده لها بالزواج ، والسيدة التي عاشت في الضواحي إلي أن أصبحت أرستقراطية تسكن في أفضل البقع السكنية ومع ذلك لم تكن ذاتها يوما ، الشاب الذي يوبخ من والده وغيرهم من النماذج الحياتية التي قد نصادفها من وقت لآخر .
سخرية كوميدية تحمل الكره لا السعادة هي ما توجد داخل باطن العرض المسرحي كالسخرية من الرؤساء الفاسدين بجعلهم يتمايلون بأجسادهم ويرقصون بالإضافة إلي غناء مقطوعة تخص الإجابة بكلمة حاضر حتي يثبت في عمله ، بالإضافة إلي السخرية من الزيف الإجتماعي فرغم المحاولات الجادة للسيدة إبنة الضواحي للصعود الطبقي و الإلتحاق بالطبقة الأرستقراطية إلا ان حقيقتها تتضح أثناء حديث إبنها مع إبنة أحدي السيدات في المصيف وهو ما أكد جهلها التام وزيفها ، بالإضافة للسخرية من الخوف الغير مبرر والسلطوي للأباء وهو ما تسبب في ضعف شخصية الشاب .
الملابس مع الحركات المسرحية تساهم دائما في وعي المتلقي فالحركة هي الوسيلة الأغني و الأكثر ليونة داخل العمل و الزي دائما ما يكون في علاقة مع الفضاء الإجتماعي للشخصية بكشفها وهما ما أكدا للمتلقي زيف الحكيم فملابسه السوداء وما ساهم في كشف زيف العملية المسرحية بأكملها هو رداء الشخصيات بالإضافة إلي الحركات الكثيفة والمبالغ فيها و كأن شادي الدالي يريد فضح مسرحيته فالشخصيات ترتدي ملابس "كركترات" فالحبيبة ترتدي سلوبيت فضفاض أشبه بردائها دبدوب أو ملاءة واسعة و الأرستقراطية المزيفة ترتدي شراب أسود أسفل فستانها وكأنها تلعب كرة القدم ، والشاب ذو ملابس غير منسقة كل ذلك ساهم المتلقي علي فهم العرض و الغرض منه بسهولة .
العلاقة ما بين الحي و الجامد علاقة لا يستغني عنها اي عرض مسرحي فتفاعل الممثلين مع الإكسسوارات و الديكور يبرز حقيقة الشخصيات ، بداية من إمساك السكرتيرة لنجمة تشبه نجمة الساحرة الطيبة التي ظهرت لسيندريلا و كأنهم سيحققون أماني المتصلين بجلب السعادة لهم وصولا للكرسي ، "الكرسي" الذي وجد علي يمين المتفرج أعلي خشبة المسرح كان العامل الأساسي لكشف حقيقة الشخصيات كان بمثابة كرسي الإعتراف الذي أخذت كل شخصية عليه بطرح الجيد مع السئ في شخصيتها حتي أصبحت عارية تماما أمام الجمهور ، ذات الكرسي تبدل من مكانه لينتقل إلي مركز و بؤرة المكان اي وسط خشبة المسرح ليكشف شخصية الحكيم ذاته وهنا بالإنتقال من عالم الواقع لعالم الخيال حيث تضح لنا كوابيس الحكيم وصراعاته مع ذاته أثناء نومه بالإعتماد علي الإضاءة الزرقاء مجددا و إستخدام الستائر البيضاء من جميع جوانب خشبة المسرح وكذلك عمقه حيث توجد شخصيات العرض ورائها و يتحركون بها بشكل يشبه الأشباح بحالة تحمل قدرا من الإنسيابية و المرونة .
التشكيل الخاص بباقي ديكور العرض في عمق خشبة المسرح يعتمد علي سلم من الناحيتين و جميعهم في حالة نزول من الجانبين وفي الوسط مساحة بينهم وكأن الديكور يؤكد إنحدار الشخصيات فعند نزولهم السلم يجلسون جميعا في الوسط و يتحدثون معا لأول مرة كاشفين زيفهم وحقيقتهم بشكل حميمي دون خوف فدائما ما يحصل الإنسان علي الأمان حينما يدرك أن الآخر لا يقدر علي إيذائه لانه يحمل سره أيضا مما يجعل الجميع في حالة مساواة و طمأنينة في الحديث بالإضافة إلي أن الحديث الجماعي أصبح أحد أشكال العلاج النفسي في الفترة الآخيرة .
أبرز مشاهد العرض هو المشهد حدث من رؤيتين مختلفتين ما يريده الشاب و تخيله وما حدث علي أرض الواقع ، تخيل الشاب أنه أثناء ذهابه لممثلة شهيرة ستتعرف عليه وتحاول تجاذب أطراف الحديث معه بسهولة لندرك جميعنا أن ذلك كان محض أوهام و لكن المشهد الحقيقي يعاد تقديمه امامنا من جديد ويتضح فيه تجاهلها له و عدم إعطائه فرصة للحديث مما تسبب في إحباطه فلجأ لإستخدام الإنترنت كعالم أفتراضي له يتخفي خلفه ويوهم الفتيات بحبه لهم من أجل إرسال صورهن له ، والحقيقة ان الواقع والمتخيل هو سبب شقاء جميع أبطال العرض فجميعهم تخيلوا الحياة التي أرادوها ولم يمهلوا ذاتهم الوقت الكافي من أجل إدراك ما يدور من حولهم .
شحنة جديدة في الطريق فرغم زيف الحكيم وصراعه مع ذاته إلا ان رغبته في الأموال لم تمنعه من الإعلان مرة آخري عن السعادة الوهمية حتي يحصل علي الآجر مقابل وهمه وهو ما انتهي العرض عليه و أبرز رؤية المخرج من سوداوية هذا العصر و أن الخلطة السحرية للسعادة ما هي إلا وهم لا وجود له علي أرض الواقع .
-
Doha Elwardaneyناقدة سينمائية وباحثة