ردا على مقولة "هل تريدون أن يصبح المغرب مثل سوريا"
نشر في 09 يوليوز 2017 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
استكمالا لمرافعتنا حول الأزمة السياسية و الحقوقية التي يمر منها المغرب ، حتى نوضح مدى سداجة بعض المقولات التي تطبع خطاب الشعب المغربي حول نفسه و حول المسؤولين الكبار في الدولة ، لعل من بين أسخف هذه المقولات التي تتكرر في نقاشات العامة بشأن بروز أي حركة احتجاجية تقيم و لا تقعد صناع القرار السياسي بهذا البلد مثل "حراك الريف" ، و هي " هل تريدون أن يصبح المغرب مثل سوريا " ، و كذلك برز دمغ كل من لا يرفع العلم المغربي أثناء المظاهرات بدمغة الإنفصال و الخيانة ، فما مدى معقولية أو سداجة مثل هذه التصورات في راهن الواقع السياسي المغربي ؟
معلوم مبلغ ظلم الشعب السوري من نظام البعث الأسدي ، إذ قاسى السوريين مر مذيق الإستبداد و الفساد و التفقير ، ما عَجل بهم إلى اغتنام فرصة "الربيع العربي" من أجل الإنعتاق من الظلم ، و هو ما جسده شعار "حرية حرية" الذي رفعه المحتجين ، إذ لم يصدح أي سوري في مُستهل الأمر لا بإسقاط نظام و لا بحمل سلاح و لا بتخريب ، بل كل ما طالب به السوريين هو حياة كريمة و عدالة اجتماعية و ديموقراطية سياسية ، غير أن بدل أن تستجيب السلطة بتنفيذ مطالب الشعب اختارت قمعه و اعتقاله ، ما دفع إلى تأجيج الأوضاع إلى أن آلت إلى الكارثة ، إذ بعد اعتداء الدولة على الشعب ارتفعت مطالبه إلى إسقاط النظام و نشطت فاعليته إلى حمل السلاح ، هنا نريد أن نستثير ملاحظة القارئ إلى التساؤل "من المسؤول عن ما آل إليه الوضع في سوريا ، هل الشعب الذي طالب بحقه أم الدولة التي صرعته بالفساد أولا ثم الرصاص و البراميل المتفجرة ثانيا ؟ هل هناك شعب في العالم يريد الحرب و القتال ؟" .
نعرج إلى وطننا المغرب ، لنتساؤل من يريد أن ينحدر بالبلد إلى وضع كوضع سوريا ، هل الشعب الذي ينادي بمطالب مشروعة أم سياسة الدولة ؟ فكما حصل في سوريا بدل أن تستجيب السلطات لمطالب الشعب أو على الأقل أن تحاوره اختارت قمعته و قهره عنفا ، بدل أن تعتقل السلطات من تماطلوا في إنجار المشاريع التنموية في البلد ، راحت تعتقل كل من يقود أو يدعوا للتظاهر ضد الطغيان و الفساد ، هل من يعصى أوامر الملك في تنفيد المشاريع و من يختلس المال العام و من يعطل خدمات الناس و من يسب المواطنين ، أ لا يساهم أمثال هؤلاء في انحدار واقعنا إلى نظير له مثل واقع سوريا ؟ ألا يَجمُل بالدولة انتخاب موقف الشعب كما انتخب الشعب مواقف الدولة عبر التاريخ ، أ لم يإن الوقت لإنصاف الشعب المغربي من عصابات الأحزاب و العقار و الأبناك و غيرهم ؟ ألا يشابه وضع سوريا قبل الثورة وضعنا اليوم الذي سيتحول إلى كارثة ، إن لم يُحتوى عبر حل واحد و هو الحوار و الإستجابة لمطالب الشعب .
" لذلك نقول أن المتسلطين من ينحدرون ببلدانهم إلى الهاوية باستبدادهم و تعنتم و ليس الشعوب التي تطالب بحقوقها " .
الأنكى من ذلك فإن المخزن المغربي عمل على حرف مطالب الشعب عبر الإعتقالات و تلفيق تهم التخوين ، إذ بدل أن يطالب الجمهور بدمقرطة النظام السياسي ، و دسترة الحقوق و الدعوة إلى فصل السلط ، و فصل الدين عن السياسة و محاكمة الفاسدين ، أصبح السواد الأعظم يطالب فقط بإطلاق سراح المعتقلين و الدَّب عن نفسه من تهمة الخيانة و الإنفصال ، حيث بدء سقف المطالب يتقلص مع كل خطوة تعنيف جديدة ، و هو ما يجعلنا نروم للإعتقاد بانتصار المخزن على الشعب مرة أخرى كما وقع سنة 2011 .
لا تفوتنا الفرصة كذلك ، لتوضيح مدى وقاحة تمهة أكيلت لأهل الريف بالجملة ، و هي عدم حمل العلم الوطني أثناء المظاهرات التي اعتبرها العوام علامة خيانة و عمالة لجهات خارجية ، و ذلك ما نفخ فيه الإعلام المارق عن تطلعات المحتجين البعيدة الدعوة إلى الإنفصال ، الذي يقرح الأكباد و يدمي القلوب هو حمل معظم المغاربة لهذا التصور الجاهلي ، فمعلوم لو كنا شعبا يمتلك اقتدارا وافيا من الوعي السياسي أن طبيعة الإحتجاج تستدعي رفع شعارات و لافتات تعكس مطالب المتظاهرين ، أما العلم فلا يتورع أي مغربي عن الإفتخار به ، فهذه مظاهرات و ليس مباريات حتى ترفع فيها الأعلام ، غير أن للأسف الإعتقاد المعاكس هو الذي يتبناه المغاربة ، بل جعلهم ذلك ينصرفون إلى استنكار حراك الريف من أصله و الإطمئنان إلى تماطل السلطة في الإستجابة لمطالب الحراك .
نضيف ما لم يلاحظه المغاربة في سياق نقد هذه التهم السادجة ، إلى أن "الأساتذة المتدربين" منذ سنتين و هم يخوضون اعتصامات و ينظمون مسيرات من أجل حقوق بسيطة ، كل ذلك برفع الأعلام الوطنية ، غير أن طريقة تعامل المخزن هي هي ، و المتلخصة في القمع و الإعتقال ، لذلك نقول أن تماطل السلطة و تعنيفها للحراك بعد إلباسه لبوس الخيانة و الإنفصال ما هو إلى حيلة لا تنطلي إلا قصار العقول ، فالدولة ليس لها استعداد للوقوف في صف الشعب إلى الآن لأسباب لا علم لأحد بها بالضبط .
نستشف أيضا أن المجتمع المغربي يفقد سلاح شعبي مهم جدا يحصن به مكتسباته و يضغط به على الدولة للإستجابه لمطالبه ، هذا السلاح هو "التوافق الإجتماعي" حول جملة من المطالب و الأفهام و التصورات السياسية ، إذ رأينا كيف تظاهر الأطباء و لم يتضامن معهم الشعب بشكل ملموس ، و كذلك احتج الأساتذة و لم يحرك الشعب ساكنا و مثلهم الممرضين ، و آخر مظاهر هذا التشردم ما يحصل مع حراك الريف إذ قام أهله بمرافعات ضد التهميش و الإستبداد ، فخرج بعضهم يخون و الآخر يصوب تهم الإنفصال في كل اتجاه بل وصلت الوقاحة ببعضهم إلى اتهام بعض قادة الحراك بالتشيع . ما يؤكد انقسام الشعب المغربي و عدم توافقه حول مطالب اجتماعية موحدة تصدح بها كل حناجر المغاربة ما يجسد ثقلا شعبيا على الدولة حتى ترضخ لمطالب الشعب ، ففي غياب ذلك لا تعدم أن تكون هذه المطالب سوى أحلام يقضة ، و هو ما في صالح الجهات الفاسدة و الخائنة الحقيقية لثقة الشعب و المستغلة لسداجته .
في الختام لا يسعنا إلا الأسف على شعب مفترس سياسيا و اقتصاديا و حقوقيا ، و الأكثر من ذلك يخون و يتهم بالعمالة كل من ينتفض ضد هذا الواقع الكئيب ، لعلنا بعرضنا هذه النقود نوضح مدى سداجتنا كشعب ، هو في أمس الحاجة إلى قيادة مفكرين و منضالين لا تنطلي عليهم ألاعيب المخزن و لا لوبيات الدكاكين السياسية ، حتى يتسنى لوعي جماهري جديد أن يتفثق به يمكن أن نسعف واقع بلدنا المزري .
التعليقات
شكرا صديقي
الحكام العرب و مؤيدوهم يخوفون الشعوب بمصير سوريا و العراق حتي يبرروا الظلم .