كنا نجلس سوية على السرير كانت تحدثني عن قصتها وهي غارقة بدموعها كما كنت غير مكابر أو مكترث. كنا نبدو ضعيفين جداً، أحياء مع وقف التنفيذ، وذلك الهواء البارد الذي كان يعبر النافذة فيقع علينا لكنه لا يؤثر فينا، فأرواحنا كانت من تشعر حقيقة البرد ..
" لقد وصلت إلى مرحلة لم أعد اصبر فيها على الألم الذي بداخلي، زرت طبيباً نفسياً وقال لي بأنني أمر في مرحلة اكتئاب، وأنا وضعي حرج .. كنت تبتعد عني يا مروان في أكثر وقت كنت فيه بحاجة إليك.. كنت ككل امرأة حلمي الكبير أن أنجب طفلاً، لكنه القدر ولم أكفر يوماً بقدري .. في تلك الليلة عندما اتصلت بك وطلبت منك أن تأتي .. كانت أول مرة أفعل فيها ذلك رغم أنني اعتدت غيابك .. أتذكر ردك البارد .. لقد كنت ثملاً وقلت لي بكل لامبالاة بأنك ستبيت عند طارق لأنك ثمل ولا تستطيع القيادة، اتصلت به وأقسم لك وليشهد الله بأنني لم يكن في بالي أي نية سوء .. لكنني ضعفت بين يديه، كنت أبحث عن أحد يضم ألمي، يحتضن بردي وصمتي .. أعلم بأنك لن تسامحني، لكن دعنا نفترق بهدوء .. وسأخبر العالم كله بأنني العاقر وبأنني الخائنة، وبأنني من لم استحق من تضحيتك شيء".
كانت المرة الأخيرة التي اصغيت فيها اليك ولم يكن لدي ما أقوله، وعندما نطقت كان حكمي الأعمى الجلاد عليك قاسياً حد الموت.
اعتقدت بعدها أنني تجاوزتك، وخاصة بالفترة التي كنت اتعالج فيها وتعرفت بها على "فؤاد"، كنت بحاجة إليه ... أحببته كثيراً وكنت أنتظر كل خميس حتى يقيم حفلته الصغيرة لأذهب إليه، واستمع إلى موسيقاه وحكاياته بشغف. لم أكن أدري أن مصيره كان يشبه مصيرك، بأن الموت يتربص بكل من أحبهم.
" أحياناً ما يؤلمك بفكرة الموت هي ذكرياتك التي ستظل محفورة بذاكرة أحبابك، فكرة أنك ستغادر عالمهم لكنك لن تغادرهم".
عندما صافحته في المرة الأولى حضنني وقال لي بأن الحياة موجعة وأن الاحتضان يخفف الوجع. بقيت تلك العبارة معلقة في ذاكرتي، بقيت نظراته وضحكته ورائحته تتبعني .. لقد كان الدرب المنير الذي أخرج روحي من ظلام الألم، لكنه رحل ..
" عليك أن تتصارح مع فكرة الرحيل، أن تدع من أحببتهم وغادروك يعبرون بسلام، كن وفياً مع الفراق، فلا تتذكر من حبك إلا جماله والأوقات الجميلة التي أمضيتماها معاً.".
حتى الفراق يحتاج منا إلى الوفاء، لكننا بألمنا لا نستطيع أن نكون أوفياء سوى مع الأماكن والطرقات التي جمعتنا، لكننا في ذاكرتنا نخون تلك اللحظات الجميلة، الكلمات واللمسات الحنونة .. نغتاله بكل حقد .. نعلن عليها حرباً شرسة، حتى لا يبقى ممن رحلوا سوى أكثر الذكريات تعاسة وألماً.
- يتبع -
ملاحظة: في نهاية ذلك الطريق .. نور ..اتبع طريقك إلى النهاية، واخرج ممن أحببتهم ورحلوا بسلام حتى تلمح ذلك النور وتعيش مجدداً بسلام مع ذكرياتك، وتبتسم لها .. احضن ذكرياتك بحب .. فنحن بحاجة إلى هذا الحب .. حتى نضيء عتمة أرواحنا ..