"الأفغان العرب " هم أولئك الأشخاص العرب الذين أنخرطوا في الجهاد الأفغاني ضد التواجد السوفييتي، ذلك الجهاد الذي دعمه الأمريكيون بالتنسيق مع بعض الأنظمة العربية الحليفة في إطار سياسة الإحتواء الأمريكية التي كانت تستهدف التمدد الشيوعي أثناء الحرب الباردة . وبعد أن أنتهى الجهاد وجاءت ظاهرة بن لادن والقاعدة أصبح مصطلح الأفغان العرب يُطلق على معتنقي فكر السلفية الجهادية من أتباع بن لادن الذين صاغوا خلفيتهم الحركية أثناء وبعد الجهاد الأفغاني.
ولكن ماذا عن " الأمريكان العرب" ؟
هم أولئك الأشخاص العرب الذين يحسبون على المجموعة السياسية والإعلامية والفكرية والمالية العربية التي ترى أن الولايات المتحدة هي الخلاص للبشرية وإنها مهما قتلت من المسلمين ومهما شرّدت وعذبت ودمرت وتغاضت عن جرائم الديكتاتوريات وتعسف الصهاينة فكل ذلك من باب الفضيلة او الخطأ غير المقصود . ولكن المفارقة الخطيرة إن الأمريكان العرب لايعيشون في أمريكا ولم ينخرط أجدادهم في حرب الإستقلال ضد الأنجليز وماتلاها من فصول الحرب الأهلية الأمريكية ولم يشارك معاصروهم في مظاهرات مالكولم أكس ومارتن لوثر الداعية إلى نبذ العنصرية، بل والأدهى من ذلك أن هذا الفريق لايريد النموذج الأمريكي الداعي إلى الديموقراطية والحرية التي سنها جيفرسون ورفاقه ، ولكنه تيار إقصائي يدعو إلى الجانب الإباحي من النموذج الليبرالي الأمريكي ويسعى إلى تطبيقه تحت رعاية أنظمة تصيبها كلمة التعددية بالقولون السياسي، ويدعو هذا التيار إلى الأستقواء بأمريكا والتسليم الكامل لمشاريعها، وأن تكون حليفةً للأنظمة التي يؤيدها وأن كانت دساتيرها - إن وجدت - لاتحتوي على كلمة واحدة من مباديء حقوق الإنسان!
هذا النموذج يشيد بتجربة جورج دبليو بوش في إحتلال العراق، ولكن يغضبه تضامن بعض الشخصيات الأمريكية الرسمية مع شباب ميدان التحرير في مصر!.
الأمريكان العرب يبغضون حركة حماس بغضاً يصل إلى مستوى التحريض عبر كل قنواتهم وصحفهم ويتعاطفون مع الكيان الصهيوني، ويساندون عباس "أبو مازن " ويسوقون لسياساته الخاضعة لسلطة الصهاينة ولو كان الثمن القضية بكاملها.
كما أن في أدبياتهم عتبٌ على الشيعي الذي يحالف الولي الفقيه، ويسقط العتب بمجرد إنشقاقه أو إبتعاده عن نظام الملالي الثيوقراطي ، ولكنهم يبغضون الإسلاموي السني الذي يحمل مشروعاً ينافس مشروعهم الإباحي الأستئصالي التبعي وإن كان هذا الأسلاموي آية من آيات الإعتدال والتسامح والوسطية فما دام يحمل مشروعاً يدعو إلى جعل الإسلام هويةً للمسلمين، فهو في خانة الأعداء حتى يصبح إسلامياً على طريقة " أدعياء السلفية" أو" طريقة التصوف الجفري" أو إسلام الفرقة الإلهامية " نسبة للمثلة إلهام شاهين"!
ولأن الأمريكان العرب يؤمنون بإمريكا حد الهوس الإعتقادي فإنهم يختلقون لها كل عذر، ويبررون لها كل موقف يناسب توجهاتهم. فحين تقود أمريكا الحشد الشعبي لقتل سنة العراق وتهجيرهم تحت مبررات قتال داعش فهذا يعتبر عند الأمريكان العرب تحركاً إيجابياً، وحين تغض الطرف عن كل المجرمين الذين يقتلون السوريين فإنهم لايزيدون عن وصف رئيسها بالمتردد كي لايلقوا باللائمة على عصب الجهاز الأمريكي الحاكم الفعلي لسياسات الولايات المتحدة "وتلك عين الرضا الكليلة" !
ولقد ظهر عوار هذا التيار حين وصل ترامب إلى البيت الأبيض حيث أستخفوا ورقصوا لتهديدات الرئيس الأمريكي الجديد للنظام الأيراني وصوروا تحرك أحدى البارجات الإمريكية نحو مضيق باب المندب كتحرك جيش صلاح الدين نحو القدس!. وليس كرههم للنظام الإيراني وحده هو الذي أوصلهم إلى هذا الهوس الإحتفالي بل لإظهار الولايات المتحدة بمظهر الصديق الأمين والحريص على أمن المنطقة ليكيدوا لخصومهم ويفرضوا رؤيتهم العوراء على المخدوعين بآلتهم الإعلامية الضخمة كما حدث مؤخراً حين كان أحد مذيعي "الأمريكان العرب" يناقش موضوع تهديدات ترامب للنظام الإيراني في أحدى الفضائيات السعودية غير الرسمية ، وحين قال ضيفه بأنه لايثق في مثل هذه التهديدات لأنها تتكرر بدون نتائج ، أضطربت ملامح ذلك المذيع وأنخطف وجهه وتلوى على الكرسي وأستجمع الصبر كمن يقاوم حالة إسهال خطيرة ومن ثم قاطع الضيف! هذا المذيع الليبرالي لم يتحمل النقد ضد تصريحات رئيس أمريكي لايزال إسمه مكتوباً بقلم الرصاص على جدارٍ أملس ، وبعد ذلك يصف خصومه بأنهم إقصائيون !
ومما يميز الأمريكان العرب إنهم يؤيدون ترامب ضد " التيار الإسلامي المعتدل " ويصل تأييدهم إلى لغة الأستئصال حتى ولو صرح ببغضه للمسلمين جميعاً فسوف يصفونه بحسن النية كما فعل كاتبٌ سعودي في صحيفة سعودية شهيرة تصدر من لندن حين أصدر صك غفرانٍ مبكر شارحاً فيه نوايا ترامب وإخلاصه للإسلام والمسلمين، وهذا النوع من صكوك الغفران لم يتجرأ على إصداره أفسق الكهنة في أوج نشاط "اندولجنتيا" العصور الوسطى.
أما ثالثة أثافي الأمريكان العرب فقد صدرت من جهة مدير أحدى كبريات القنوات المحسوبة على الإعلام السعودي غير الرسمي حين أنشأ " وسماً تويترياً" يدعو فيه السعوديين إلى الكتابة باللغة الأنجليزية لشكر ترامب على محاربة الإرهاب الإيراني وكأن قوات المارينز أصبحت تمشط محيط مجلس تشخيص النظام الإيراني من آخر فلول الملالي!
أما أوجه الشبه بين الأفغان العرب والأمريكان العرب فهي إن السعوديين هم الحاضرون بقوة في كلا الفريقين رغم مخالفتهم للمنهج الوسطي لنظام الدولة، حيث الفريق الأول صنعته أمريكا لقتال عدوها فأنقلب عليها حتى أعادته إلى معسكرها الخفي من خلال " داعش" والفريق الثاني صنعته أمريكا ليدمر النسيج الأجتماعي لحلفائها من الداخل وأخرجته في إطار " فاحش".
وأعجوبة العجائب هي أن بعض المنتمين إلى "فاحش" اليوم كانوا من ضمن" داعش" الأمس لذلك فهم يتشرفون بخدمة السيدة " أمريكا" حين خرجوا عنها من باب التطرف الديني وعادوا إليها من باب التطرف الليبرالي حالقين حياءهم غير مقصرين باطلهم !
••• وأقول - حفظني الله- أنه لافرق بين من تكون مرجعيته كهفاً مظلماً في قندهار ومن تكون مرجعيته ملهيً ليلياً صاخباً في منهاتن، كلاهما صوتان للعنة واحدة!
نواف بن جارالله