في التحليل واستغراق التفكير - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

في التحليل واستغراق التفكير

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 01 فبراير 2020 .

في التحليل واستغراق التفكير

هيام فؤاد ضمرة

لا تستطيع أمام هذا الحشد المتضارب من الأحداث، إلا أن تطلق لعقلك العنان في تحليل المدركات وأشكال الملمات مما يُسمح بتسريبه عبر وسائل الإعلام العديدة على تنوعها وسرعة توزعها، وأنت تدرك جيدا أنه ليس إلا بعض القليل أو المفبرك بعد عمليات التنخيل، للسيطرة على فكر الشعوب وعدم تبيانها حقيقة أن الخبر يصدر بصورة المقلوب، لتجتهد أنت وتضع أمامك كل عبارات التحليل والتعليل والمقابلة والمضاهاة والتبرير الذي لا يخلو أيضاً من التنخيل، على ما تلمحه بذكائك بارزاً من بين السطور حتى تصل للحقيقة المداراة أو قريباً منها على القدر المستطاع بحدود المباح.

فتقلب أحداث هذا الكون بجنونه ومستلزمات ظنونه ضمن الرؤا المتاحة، وتقارنه بأحداث تاريخية عفا عليها الزمن حقاً، لكنها مكائد الأعادي تتشابه بالمكونات النفسية والبغضاء المختزنة بأعماق الذات في كل زمان من هذا الكون، كونها التي كانت في أحقاب بعيدة مرتعا لإذلال الغلبة الغالبة وطبيعة هيمنة الحكم بالأحكام الصارمة المغترة بظلمتها الدامسة، هكذا يقول التاريخ بغير مواراة أو مداهنة أو اغترار، فقد يزيف فيه بعضه، لكن لن تزيف نتائجه مهما حاولوا وافتعلوا، فالقصص الحقيقية تلك التي تعيد تركيب أحداثها من منتهاها حتى يتبين لك حقيقة مبتدأها.

وها أنت اليوم؛ تقف مدهوشاً أمام زحمة الأحداث، وانقلاب محدثاتها، وابتكار ألاعيبها، واختبار توقيتها، واندفاع أساليبها في معترك الخلاف على كل اختلاف.. ها أنت تقلّب بين أناملك الأحداث الجسام، لتتقزم أمامك عاديات الزمان فيما بات اليوم وصفه بالمنقلب بغير انتظام، ها أنت تشغلك كبريات النوازل، على أرض الأجداد الذين ما انقلب فيهم كمثل اليوم أحداث بجسامتها ولا بقوة وحشيتها ولا حجم الإرهاب فيها، أو نزلت فيهم مثل هذه المآسي والزلازل، مما هو قد بات بالعرف الإنساني غير لائق بإنسانية الإنسان.

وها أنت أيضاً لا يخفى عنك خاف تقلب كل شيء بمدركات وعيك وبأفق عقلك وبتحليل فكرك لتفك طلاسماً، ترصد الحدث أو الموقف بشغف مجريات اللا معقول وهيمنة المزاج الملعون، وكيف تحاك المؤامرات في عقل الغربي المجنون، لتصوغ مصير أمة وتحتل بنوازع شرها أوطان شعب مغبون، سرقوه وعقروا ناقته وتركوه وحيدا في صحراء قاحلة يعاني العطش والجوع وبرد شتاء قارصٍ يصيب أضلع المساكين.

والتحليل الموضوعي بالعادة يرتكز على قاعدة المصداقية في رؤية كل الاحتمالات وما يصاحبها من تفاعلات وانفعالات وتحركات واجتماعات، وفهمها جيدا واستيعاب إمكانيات مآلاتها ودوافعها، وتفسيرها دون انحياز أو تدخل عاطفة، ثم تحديد جوهر التحليل واظهار القدرة على رسم سيناريوهات محتملة تنبه السياسي وصاحب الاهتمام المتابع، أو تثير انتباه صاحب القرار لاتخاذ التدابير اللازمة للمواجهة

هذه الصين على سبيل المثال بتعداد سكانها الضخم، واقتصادها القوي، ومشاريعها المتقدمة، وتقدمها الصناعي، ووفرة اليد العاملة فيها، وامتلاكها للسلاح الذري، ألا تشكل منافساً قوياً على قيادة العالم؟.. ثم هي دون غيرها دوما تنطلق من بلادها الأوبئة الخطيرة القاتلة فتحصد العديد من الأرواح، وتربك كل أنظمة الدولة وتحملها مسؤولية التصدي وإدارة الأزمة بشكل سريع، وعادات الشعب الصيني منذ قديم الزمان يعتمد على مأكولات حيوانية عجيبة لا تتقبلها الكثير من الشعوب، فما الذي طور مرضا فيروسياً بهذا الشكل المخيف في هذا الوقت بالذات؟

إن إطلاق الأسئلة هي وسيلة ايجابية في عملية التحليل، وهي من تفتح المنافذ للوصول لأصل العقدة، فعملية ايجاد أجوبة مقنعة لهذه الأسئلة، كفيل أن يفكفك العقد غير المرئية أو تلك التي تكاد تكون شبه محسوسة.

والتحليل السياسي ليس إعادة سرد الحدث على ما نشر عليه ولا شرحا لأوضاع مرت وإنما هو فهم عميق إلى درجة الإدراك واستدراك الأسباب والدوافع والمآلات والتنبؤات المستقبلية بناءاً عليها، فتتشكل في ذهن المحلل ما وراء الخبر والمخفي منه .. فالوصول لمرحلة الإدراك هي مرحلة القمة بالتفكير والمعرفة، كونها مرحلة شاملة تحيط بكافة الأسباب والدوافع الممكنة والمحتملة، وتقلص مساحة التمحور حول جزئية بسيطة منها

والأمر المهم ألا يتم الاعتماد على بلاغة المحلل اللغوية مهما كانت قوية تحسبا ألا تخذله اللغة في ترجمة رؤية محددة، عليه أن يضع في ذهنه ملخصاً عاماً للخير أو للحدث ويدور في محيطه دورة الباحث المتعمق، مع ربط الأحداث المرتبطة بنفس الموضوع ببعضها وبأحداث تاريخية قريبة أو بعيدة ومدى تأثيرها أو ترابطها.

ومن المهم معرفة مصدر الخبر لأن هناك تفاوتاً في المصداقية بين كافة المصادر تبعا لتوجهات هذه الجهة وسياساتها العامة والخاصة ومصالحها الذاتية.

حقاً التحليل السياسي يحتاج لمتخصصين أكاديميين خبراء في مجال تخصصهم ولهم بحوث تبين مقدرتهم على التحليل كونه مختص في سياق السياسة ومتابع عن قرب ظواهرها ودقائق أمورها وعلى بينة قريبة من الحدث تجعله ممسك بأطراف المسألة من كل جوانبها.

إنما لا يعني ذلك عدم قدرة البعض ممن امتلك ملكة التحليل بقوة النباهة وسعة الثقافة وعلو الأفق وقوة الإلتقاط ممن يستطيع البناء على المرئيات بسعة معمقة كونه متابعا جيداً ومعلقاً حصيفا تكمن في طبيعته القدرة على ربط الأحداث ببعضها وتخيل السيناريوها لها مما يمنحه الخبرة الاستراتيجية في الإلمام والمعرفة.

وفي العادة يظل الاعتماد على التحليل المستند على نظريات علمية فاعلة بكافة منهجياتها وامتلاك القدرة على صياغتها ضمن لغة قوية بليغة وأفكار منتظمة في ترتيبها بحيث تتراكب في بنائها العام بأريحية واستيعاب.

والعالم اليوم يعتمد تحليل المختصين العلميين، لهذا على المحلل أن يختص بجانب معين من القضايا ويترك ما دونها لغيره ففي حال تخصصه يكون على إلمام أوسع وخبرة أكبر ويمكنه الاستدلال على خبايا الأحداث بسهولة أكبر.


  • 4

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 01 فبراير 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا