(عام 2007 قدم مسرح الغد عرض قصة حب من تأليف ناظم حكمت ودراما تورج وإخراج د. هاني مطاوع. وكان هذا المقال الذي لم تنشره جريدة مسرحنا نظرا لطوله كما قالوا. ولم كن هناك وسائل أخرى وقتها. مع أني كنت ومازلت أعتقد ان المقال التطبيقي النقدي عن أي عرض مسرحي يجب ان يكون هكذا)
بداية أود أن أشير أنه بين الحين والآخر وعقب مشاهداتي لعروض مسرح الدولة أو إن شئت الدقة عروض البيت الفني للمسرح ؛ أزداد يقينا بأن هذه المسميات المعلقة على المسارح ؛ كالطليعة أو الشباب أو الغد .. الخ ؛ لا يوجد لها وجود أو مبرر فعلي ؛ وبأن ما يمكن أن يقدمه مسرح ما منهم من الممكن أن يقدمه المسرح أو المسمى الآخر _ وليس هناك خطوط فاصلة ولا حتى خطوط واهية بين ما يمكن أن يقدمه مسمى دون آخر ؛ وبأن التفرقة تكمن فقط في غالب الأحيان على حجم الإنتاج المحدد للعروض تحت هذه المسميات ؛.
أقول هذا بعد مشاهدة عرض قصة حب والذي قدمه مسرح الغد من تأليف ناظم حكمت وإخراج د. هاني مطاوع فهذا العرض كان من الممكن أن يقدم على خشبة المسرح القومي مثلا أو الحديث أو الشباب .. الخ ؛ لأنه عرض من الممكن أن يكون توصيفه بأنه عرض كلاسي منضبط ؛ قد استنفذت معه كل الحيل والأساليب ليخرج من عباءة هذا الغد إلى الكلاسية الصرفة ؛ وليس معنى هذا أن الحكم على العموم بأنه كان عرض دون المستوى؛ فإحقاقا للحق هو عرض جيد في المجمل ؛ صحيح أنه يوم مشاهدتي له لم يكن في الصالة أكثر من عشرة من المتفرجين ؛ وقد يعود هذا إلى أنه أي العرض يعاد تقديمه كنوع من اللحاق بالموسم الصيفي؛ أو كبروفات متتالية لأنه من العروض المشاركة بالمهرجان القومي للمسرح ؛ ولكن السبب الأكبر والغالب قد يعود إلى أنه ليست هناك دعاية على المستوى المطلوب ؛ كما أن مسرح الهيئة أو البيت الفني عموما يفتقد إلى الأساليب التسويقية والتشويقية التي من الممكن أن تجذب الجمهور؛ فلا يمكن أن يكون مسرحا بهذا العدد الضئيل من المقاعد بعاصمة يزيد عدد سكانها على الخمسة عشر مليونا ؛ ولا يكون كامل العدد حتى وان استمر العرض لمدة عام ؛ خاصة كما قلنا بأنه عرض جيد في المجمل
ولكن لماذا نقول بأن هذا العرض كلاسي منضبط وبأنه في المجمل جيد فقط ولم يخرج الأمر لأكثر من ذلك خاصة وأن كل الأسباب توافرت لهذا العرض حتى يخرج على مستوى الامتياز ولا شيء سواه ؛ فهاني مطاوع هو من هو سواء كان هذا على المستوى الأكاديمي أو الإبداعي وأيضا ناظم حكمت من المؤلفين الذين يشار إليهم بالبنان؛ كما أن الإنتاج لم يكن بخيلا وقد وضح هذا من خلال الديكور ؛ الذي استلزم الكثير ليكون بهذا الشكل ؛ وكما تعلمنا من الأساتذة ومنهم بالطبع د. هاني مطاوع أن الدخول للعرض المسرحي يجب أن يبدأ من البامفلت الخاص به ؛ وهذا الأولية للأسف لم تكن متواجدة أثناء المشاهدة ؛ لأنه ربما استخسر من يقوم على أمر المسرح في هذه الليلة ذات العشرة متفرجين ؛ أن يقوم بتوزيع بامفلت ؛ مع أن هؤلاء العشرة كانوا في الأغلب من فئة دافعي ثمن تذكرة المشاهدة _ أو ربما يكون عدم تقديمه راجعا لهذا السبب_ واستعنت في حصولي على نسخة منه بعلاقتي ببعض الممثلين .
ومن هذا البامفلت عرفت أن المخرج هو من قام بدور الدراماتوج ؛ وإذا كان من وظيفة الدراماتورج تطويع النص المسرحي الأساسي وجعله ملائما وموائما لوجهة النظر الإخراجية؛ التي اتفق عليها كلا من المخرج والدراماتورج؛ وأيضا بما يتناسب مع إمكانيات الممثلين الذين اختيروا بالفعل ليقوموا بأداء الشخصيات الموجودة بالنص ؛ وأيضا من الممكن لهذا الدراماتورج بالاتفاق طبعا مع المخرج أن يقوم بالتركيز على موضوع معين؛ أو خط درامي واحد ....الخ. ومادام هذا الدراماتورج هو المنفذ الأساسي لوجهة النظر الإخراجية خاصة فيما يتعلق بالنص فقد اعتدنا أن يكون النص المعد أو نص الدراماتورج مملوءا بالفجوات ؛ لأنه يعرف جيدا أن المخرج سوف يتعامل مع هذه الفجوة بطريقته ؛ بل أن هذه الفجوات في بعض الأحيان تكون بناء على طلب المخرج ذاته ؛ حتى يتمكن من سد هذه الفجوات بوسائله الخاصة ؛ أو أن المخرج قد شرح للدراماتورج أن هذه النقطة سوف تعالج بلغة أخرى أو وسيط آخر
ولكن نحن أمام مخرج ودراماتورج في نفس الوقت ؛ أي أنه كمخرج يعرف جيدا ماذا سيفعل وماذا سيكون في المشهد ؛ وفي بعض الأحيان تكون اللغات المسرحية الأخرى خاصة لغة الصورة بعناصرها السينوجرافية بالإضافة إلى التعبيرات الأدائية للمثلين ابلغ كثيرا وأكثر فنية من الكلمات ؛ بل وتكون أصدق إيصالا وأسرع تأثيرا ؛ ولكننا في نص العرض الذي أمامنا وجدنا نصا مسرحيا به كل شيء وكل خلجة ؛ بل وهناك تطويلات واسهابات في بعض المناطق وأيضا بعض المناطق التي لا لزوم لها ؛ فإذا كانت كلمة د هاني مطاوع في البامفلت تقول : وفي مسرحية ناظم حكمت التي تعتمد على هذه القصة (أي قصة فرهارد وشيرين) نجد الشاعر التركي يفجر من الأحداث العديد من التساؤلات والمناقشات لعدد من القضايا الأخلاقية والاجتماعية والميتافيزيقية فيصور لنا مظاهر مختلفة للتضحية الإنسانية؛ وينتقل بين صور الحب المتعددة؛ من حب الأخت لأختها إلى الحب بين الزوجة وزوجها إلى حب الوطن كأسمى صورة بين صور الحب كلها؛؛ ثم هو يحاول أن يقدم صورة الفنان الموزع بين ولائه لفنه وولائه لحياته الخاصة والذي تشغله مسألة الخلود حتى ينتهي به الأمر إلى الإيمان بأهمية العمل العالم؛ وبأن يكون فنه في خدمة وطنه وناسه أولا قبل أي اعتبار ؛ هذا فضلا عن الظلال الغيبية التي تضيفها شخصية القادم كصورة غامضة للموت أو القدر الذي يحرك الكثير من خيوط المسرحية ومصائر شخوصها. وفي تناولي لنص مسرحية ناظم حكمت أضفت إلى دوري كمخرج دور الدراماتورج فقمت باختصار بعض المشاهد التي رأيت فيها استطرادا عرضيا يعطل تدفق الحدث الأساسي المركز – حول مثلث الغرام الذي يضم فرهارد وشيرين ومهمنة؛ كما أضفت ثلاثة مشاهد لاستكمال المبررات الدرامية لكافة الاشتباكات والانقلابات في أحداث المسرحية.
هذه هي كلمات المخرج ولكن لنأت إلى مشاهد العرض ماذا قدم بها وكيف قدمت لنعرف إلى أي مدى تنطبق هذه الكلمات على العرض الذي قدم بالفعل ؟
بالمشهد الأول والذي كانا أحداثه تدور بمقهى ما أو مشرب ؛ نشاهد فرهارد الذي يقدم كفنان مبدع ؛ قادر على أن يحيل القبح إلى شيء جميل من خلال حركات أزميله وربما فرشاته أيضا ؛ ومعه والده وأيضا بعض الناس الذين يمتون بصلة المعرفة لهما؛ وأيضا هناك شحاذ يريد أن يأخذ نصيبا من الجائزة أو المكافأة التي يعتقد أن فرهارد قد نالها من شخص ما لقاء عمل ما ؛ ولكننا نجد هذا الفنان المرهف الحس يقوم بالسخرية من هذا الشحاذ!! في أوقات كثيرة غلبت على المشهد وإن كان قد حذف البعض منها ؛ وجعل التعرف على هذا الغريب القابع في أسفل يمين المسرح يأت بسرعة اتساقا مع الطبيعة الإنسانية التي جلبت على الفضول للمعرفة خاصة إذا كان هناك غريبا يرتدي ملابس سوداء ويخفي وجهه تماما ؛ لكان أفضل وأعمق ؛ز ثم يأت المنادي التقليدي ليعلن أن الأميرة مهمنة تهب مكافأة كبيرة لمن يقدر على شفاء أختها شيرين ؛ ونعرف من خلال الأحاديث الجانبية أن هذه الأميرة مريضة من مدة طويلة!! وهنا يدور سؤال الم يكن بمقدور الداماتورج أن يجعل هذا الأمر يدور على لسان القوم المجتمعين في هذا المكان بدلا من السخرية من هذا الشحاذ ؟ المهم أننا من خلال محاولة الشحاذ لأخذ ما لا يستحقه قد ارتضى حكم هذا الغريب القابع في أسفل المكان ( وساعتها سيبدأ التكشف عن هذه الشخصية التي تحمل من سمات الموت أكثر بكثير مما تحمله من سمات القدر عموما بمعانيه الكثيرة ؛ يبدو هذا واضحا من ثيابه وأيضا من هذا الوجه القبيح الذي يحمله ؛ ويدور حوار بين هذا الغريب/ الموت/ وبين فرهارد ؛ نكتشف منه أنه أي الغريب واجد بعض الشيء على فرهارد هذا لأنه يتصور أن بمقدوره الخلود من خلال الأعمال الفنية التي يقوم بها وبأنه يتحدى الفناء والموت من خلال هذا؛ بل أن الحديث من جانب هذا الغريب الصق هذا على الفنان عموما وليس على فرهارد فقط. وكنا نظن أن هذا الموضوع وهذه الجدلية سوف تستمر من خلال أحداث باقي العرض إلا أنها ذكرت هنا فقط ومرت مرور الكرام ؛ وهذه الجدلية بين فكرة الخلود والموت لو كانت قد استمرت كما كتب في البامفلت لأثرت هذا العرض ؛ وخاصة لو أخذت هذه الجدلية جانب الصراع النفسي داخل نفس هذا الفرهارد/ الفنان ؛ بين ما يجب أن يكون له كل الجهد؟ هل يكون لمحاولة بعث الجمال الذي من الممكن أن يبقى في أشياء لا تهم سواد الناس أو المجتمع ؛ أو لمحاولة أن يكون هذا الخلود/ التذكر لأنه قد ساهم في صنع شيء حيوي يساعد الناس أو المجتمع على المضي قدما في الحياة ؛ وساعتها كنا سنجد تبريرا جيدا لهذا الوجد من الموت على هذا الفنان لأنه في اعتقادي أن الموت يقف في صف بل ويساعد الفنان المتوهم ؛ الذي يحاول أن يصنع جمالا من أجل الجمال نفسه دون أن تكون له أي صلة لا بالناس ولا بالمجتمع ولا تشبع أي حاجة من حاجياتهم الإنسانية؛. المهم أن المشهد ينتهي حين يلقي هذا الغريب قطعة ذهبية على الأرض مناديا على النادل بأن يأخذ ثمن ما شربه لأنه لا يقبل أن يدفع عنه أحد ؛ وهنا ينبري هذا الشحاذ الطامع في الإسراع إلى هذا القطعة الذهبية وأخذها ويدور الحوار بينه وبين النادل عن أحقية كلا منهما في هذه القطعة الذهبية ؛ ولكن هذا الشحاذ يسرع بابتلاع هذه القطعة حتى لا يأخذها منه النادل ؛ وهنا كان من الطبيعي
أن يموت هذا الشحاذ لأنه ابتلع شيئا يخص هذا الموت ؛ ولكن أن يؤجل هذا إلى حين يدعو النادل الموت طالبا منه ما معناه بأن يكون عادلا لمرة واحدة ويأخذ من يستحق الموت فعلا قاصدا هذا الشحاذ الطامع ؛ وهنا يقوم هذا الغريب بفعل حركة من يجذب شيئا فيموت بعدها الشحاذ ؛ أي أن المخرج هنا لم يراع الدرامتورج بجعل هذا الغريب يأخذ صفات عديدة بل أنه وضعه في مكان واحد فقط هو الموت بهذه الحركة التي لا داعي لها والتي اختزلت المستويات الكثيرة التي كان من الممكن أن تتواجد ؛ كل هذا دار بصورة أو بحركة مسرحية تقليدية كانت الغلبة فيه للخط الأفقي خاصة في الجدلية بين شخصين كالشحاذ وفرهارد أو فرهارد والموت .. الخ وأيضا في طريقة جلوس من تواجد في هذا المكان؛ بل أنه في بعض الأحيان ولمحاولة الخروج من أسر هذه الصورة المتكررة يقوم المخرج بدفع فرهارد للخلف؛ خلف الناس المتراصة جلوسا وهو يسرد أو يشرح بعض الأشياء ؛ كل هذا مع ديكور غلبت عليه الواقعية ؛ وهنا تسأل نفسك هل يوجد في هذا المشهد ما يشير ولو من بعيد لنوع من أنواع الحب اللهم إلا حالة الحب الشديد من جانب الشحاذ للنقود والذهب ؛ مما أدى لموته في النهاية ليس إلا ؛.
وفي المشهد الثاني الذي يدور داخل غرفة الأميرة المريضة شيرين نجد أيضا أن الواقعية هنا هي التي تطل برأسها فهاهو سرير الأميرة المريضة في الوسط حيث ترقد أمامنا في غالبية المشهد ؛ ونرى الأميرة مهمنة والوزير وأيضا المربية وكبير الأطباء وكبير المنجمين اللذان يخططا للهروب من البلدة خوفا على رقابهما لو حدث مكروه وماتت الأميرة شيرين ؛ لعجزهما عن شفائها ؛ ونرى لهفة الأميرة مهمنة على أختها إلى أن يدخل الموت أو الغريب معلنا بأنه سوف يقوم بشفاء الأميرة شيرين بناء على شروط ثلاثة لابد أن تقبلها مهمنة أولا ؛ ولكننا قبل أن ندخل في معرفة ماهية هذا الشروط نكتشف أن هناك أمرا محوريا خطيرا يهم كل أبناء البلدة أو المملكة ولم يأت له ذكر في المشهد السابق؛ وهذا التكشف جاء على لسان الموت ؛ حينما طلب كوبا من الماء ؛ وبعدما شرب يعلن بأن هذا الماء هو ماء عذب جيد ؛بعكس الموجود في المدينة أو المملكة التي لا تخرج آبارها سوى الصديد بدلا من الماء ؛مبينا المشقة والعنت الذي يكابده الناس للحصول على كوب ماء حتى ولو ملوث؛ ونعرف ردا على هذا بأن الماء الخاص بالقصر يأتي من الينبوع الذي يفصله عن المدينة جبل هائل من الحديد ؛ والطريق هناك وعر لا يسمح بالوصول إليه!! المهم أن هذه الشروط كانت أولا أن تسمح الأميرة بخروج كبير الأطباء وكبير المنجمين من البلدة سالمين؛ وثانيا أن تقوك الأميرة ببناء جوسق كي تستجم فيه شيرين خلال فترة النقاهة على أن يقوم ببنائه فرهارد ولا أحد سواه ؛ أما الشرط الثالث فكان هو أن تستغني الأميرة مهمنة عن جمالها لأن شفاء شيرين مرهون بأن تتحول هي أي مهمنة من جميلة إلى قبيحة جدا وبأن يعلو وجهها التجاعيد والتشققات والندوب .. الخ ؛ وهنا يثور الوزير الذي تعرف أنه يحب مهمنة؛ على هذا الشرط المجحف من وجهة نظره ؛ ويدور صراع داخل مهمنة بين القبول والرفض إلى أن تقبل في النهاية هذا الشرط ÷ وفعلا تصحو شيرين من سباتها أو مرضها وتتحول مهمنة إلى قبيحة لدرجة أن شيرين أختها تنكرها سائلة مربيتها عن سبب وجود هذه المرأة في هذا المكان بالرغم من الملابس التي ترتديها ؛ وفي هذا المشهد نجد هناك فعلا تواجد لأنواع الحب المختلفة؛ فهناك حب مهمنة لأختها حيث نعرف أن مهمنة لم تكن أختا فقط لشيرين بل كانت بمثابة الأم والأب أيضا ؛ هذا الحب الذي ينتصر على حب مهمنة لنفسها ؛ وأيضا هناك الحب الأناني والغير صادق من جانب الوزير لمهمنة فهو يحب فيها الشكل فقط ؛ أي أن هناك صراع بين حب الجمال الخارجي والجمال الداخلي فإذا كانت مهمنة انتصرت للجمال الداخلي النفسي الإنساني فإن الوزير قد هزم في هذا الأمر إلى الحد الذي يجعله يقدم على محاولة قتل نفسه للخروج من هذا التصور بفقدان محبوبته لجمالها ؛ ولم يشرع حتى في محاولة قتل هذا الغريب الذي سيسلب المحبوبة هذا الجمال!! وأيضا هناك تسريب لملامح شخصية شيرين ؛ فهي تقدم لنا كفاقدة للإحساس الإنساني الحق حينما أنكرت أختها مهمنة أول ما رأتها بهذه الدرجة من القبح وكان الواجب أن يكون هناك حديث أو تعرف من جانب قلبها أو إحساسها تجاه هذه الأخت حتى لو كانت بأي صورة ؛ المهم أنه بهذا المشهد تبدأ فعلا الدينامكية في العرض ؛ بل وأعتقد أنه لو كان هو بداية العرض المسرحي ما كان حدث شيء فهذا المشهد يقدم كل شيء تقريبا قدم في المشهد السابق عدا طبعا شخصية الشحاذ وما التصق بها من بعض الكوميديا ؛ ولكن كيف قدم هذا المشهد؟ أيضا استمرت صفة الواقعية على الديكور ؛ ولا أدري لماذا الإصرار على أن يدور هذا المشهد بغرفة نوم شيرين ؛ حيث ترقد مريضة أمامنا دون حراك من أول المشهد إلى ما قبل نهايته بدقيقة !! نعم قد وضع المخرج هذا السرير في الوسط وجعله المحور أو المركز الذي تدور من حوله ومن أجله الأحداث ومن ثم الحركة المسرحية في أغلبها فيما عدا المواجهة بين الموت والوزير ؛ وأظن أن هذه المواجهة لو كانت قد حافظت على هذا المحور العام لكان أفضل ؛ لأن الوزير برفضه أن تقوم مهمنة بالتضحية بجمالها من أجل أختها فأن معنى هذا هو الموت لشيرين التي تحتل السرير في المنتصف وبأن هذا المنتصف لو تحرك وبعثت به الحياة لكان في هذا القضاء على أحلام هذا الوزير . وعموما فهذا مشهد قد نفذ جيدا من جانب الدراماتورج ,أيضا من جانب المخرج إلى حد كبير ؛ فهو بالإضافة إلي ما حدث به فأنت تجلس وتنتظر لماذا أراد هذا الموت أن يجمع بين شرين ومهمنة وفرهارد من خلال هذا الجوسق المشروط؛ وأيضا داخل هذا المشهد شخصية المربية التي جاءت كما اعتقد للضرورة المسرحية وليست للضرورة الدرامية البحتة؛ فهي وأن كانت قد قدمت نوعا من الحب متمثلا في حبها لولدها الذي يعمل كبيرا للمهندسين في القصر والتي تحاول أن تجعله هو يقوم ببناء الجوسق بدلا من فرهارد بل وتملك القدرة على مواجهة الغريب أكثر من قدرة الوزير على مواجهته ؛ بشكل يدل على قوة عاطفة الأمومة أكثر من قوة هذا الحب الأناني من جانب الوزير ؛ إلا أنه في نفس الوقت لو كان دورها لم يكن ما كان أضر دراميا ولكنه كان سيؤثر بالطبع على الحالة المسرحية الموجودة أمامنا حيث أنها بوجودها قد أعطت فرصة من الراحة للشخصيات الأخرى ؛ حينما تقوم هي بالحوار معهم بدلا من أن يقتصر الحوار على الشخصيات الرئيسية فقط ؛ وهذا الأمر هو أمر جيد بل ويدل على تمكن الدراماتورج وإحساسه بحالة الممثلين وإراحة المخرج في عمله ؛ ولكن يبقى هناك هذا القناع الذي وضع على وجه مهمنة ليبين تحولها من حالة الجمال للقبح ؛ فهو لم يكن مطابقا ولو حتى من بعيد لحالة الوصف التي جاءت على لسان الغريب بما سيكون عليه حالها لو قبلت التضحية؛ والحل إما أن يختصر هذا الوصف أو أن يمثل القناع فعلا هذا الوصف .
وفي المشهد التالي تحدث بداية التأزم حيث يدور المشهد بحديقة القصر حيث نرى فرهارد متعبا من جراء العمل المتواصل بالجوسق وبصحبته والده وبعض الأتباع ونعرف على لسان الوالد تقريبا أن الأميرة مهمنة قد أصدرت أوامرها بألا يخاطبها أحد وهو ينظر بوجهها أو حتى ينظر بوجه أختها شيرين وألا كان مصيره القتل ؛ ومر هذا الإخبار سريعا دون التأكيد أو التفسير لهذا الأمر؛ فمن الطبيعي أن تحاول مهمنة ألا ترى الناس وجهها وقد شابه القبح ؛ ولكن من غير الطبيعي أن تمنع الناس أيضا من رؤية جمال شيرين ! وفي هذا الأمر البادرة الأولى على شعور مهمنة بحجم تضحيتها وربما بعض الندم عليها فهي إن كانت حرمت الجمال؛فإن جمال شيرين لن يجد من ينظر إليه ؛. وتقوم مهمنة وشيرين بزيارة المكان لتفقد العمل ، ونلمح أن نظرة مهمنة لفرهارد قد حملت معها حبا من النظرة الأولى وأيضا بعد ثواني ندرك من نظرة شيرين لفرهارد أنها أيضا قد وقعت بحبه؛ وفي هذا إجابة جيدة عن غرض هذا الغريب في أن يجمع بين فرهارد ومهمنة وشيرين ؛ في منح الفرصة لمثلث العشق هذا أن يكتمل حتى نرى كيف تسير الأمور وكيف سيكون الحب وأي نوع من الأنواع لهذا الحب سينتصر؛ ولكن الدراماتورج تمكن من المخرج بدرجة كبيرة إلى الحد الذي جعل مؤشر المشهد في الانحدار ؛ وهذا نتيجة لهذا البلاي باك الذي صور الحديث الداخلي بين مهمنة وذاتها لنعرف أنها أحبت فرهارد وأنها تخشى من أشياء كثيرة منها هذا الوجه الذي تحمله ؛ وأيضا تكرر الأمر بالنسبة لشيرين؛ مع أن من قامت بدور مهمنة ملكت اللحظة والشعور جيدا وفهمنا من نظرة العين والإلتفاتة وتحسس الوجه أكثر مما قالته في حديثها الداخلي ؛ ولو كان المخرج يخشى ألا تكون من قامت بدور شيرين على نفس القدر من التوصيل للمعنى ؛ فهو قد قدم حلا جيدا يشرح كل هذا الأمر عندما جعل شيرين تضرب بأوامر أختها عرض الحائط وتنسل بعد المغادرة لتقابل فرهارد وتمنحه شالها ؛ وفي هذه الحركة الكثير والكثير من المعاني التي قيلت أبلغ مليون مرة من هذا المكتوب علي لسانها وقدم بطريقة البلاي باك.
أيضا الديكور حاول أن يكون واقعيا فهو حاول جهده أن يقدم الحديقة وركز على هذا الجوسق الموجود بأعلى يمين المسرح وإبراز مدي الجمال الذي هو عليه ؛ ,أيضا الحركة المسرحية اعتمدت على الخط الأفقي بين فرهارد ووالده وأيضا حين قامت شيرين بمواجهة فرهارد ؛ مع بعض الزوايا شبه القائمة خاصة بين فرهارد ومهمنة؛ وفي هذا الأمر دلالته التي وصلت مباشرة للجمهور وأحسها ؛بل وجعلت هذا الجمهور يخمن ما سيكون عليه المشهد التالي وتجعله في حالة رغبة لمعرفة صحة تخمينه أمن لا؟ ؛ ومن خطوط الحركة هذه يتأكد ما قلناه بأن هذه الأحاديث الداخلية لم يكن لها أي داع ؛ حتى وإن جاءت في نسخة الدراماتورج فإن المخرج الذي يقدم حلولا بهذا الشكل كان من الممكن أن يحذفها.
أما في المشهد التالي الذي في رأيي أنه أكمل مشهد تعاون فيه المخرج والدرامتورج بشكل جيد ؛ من حيث تعدد الصراعات والمواجهات التي تسبب أفعالا تأخذ الحدث في النمو والتصاعد أو إلى لحظة التأزم كما يقول البعض؛ فالبداية كانت بأزمة أو مشكلة هي هروب فرهارد وشيرين من القصر وفي طريقيهما لمغادرة البلاد ؛ ليضع مهمنة في صراع ذاتي بين حبها لأختها وبين حبها لفرهارد ؛ وبين واجبها كأميرة فتصدر الأوامر باللحاق بالعاشقين وإعادتهما دون المساس بهما؛ وأيضا هناك المواجهة بينها وبين الوزير الكاشفة أن حبها لفرهارد ربما يكون هو المتحكم في تصرفاتها ؛ ثم الحوار بين مهمنة والمربية التي سهلت الهروب للعاشقين وابنها الذي أخذ منه فرهارد وظيفته السابقة والذي قام بالوشاية به ؛ وأيضا على المستوى الداخلي أو على مستوى الحلم أو الكابوس أو الرؤية يكون هناك تواجد لهذا الغريب الذي يدخل في حوار مع مهمنة يهبرنا فيه للمرة الثانية أن الأمور بالنسبة للماء قد ساءت بالنسبة للناس وان عدد الوفيات يزيد نتيجة عدم وجود الماء العذب!!! – ولا ندري لماذا يكون الإخبار عن هذا الأمر من جانب الغريب فقط - والذي غلبت عليه صفة الموت كما قدمها لنا المخرج والدراماتورج بأكثر مما يمكن أن يتواجد من صفات ميتافيزيقية أخرى أرادا ا لها أن تكون مواجدة0- وأيضا يخير مهمنة بين استعادة جمالها وبين بقاء الحال على ما هو عليه؛ وهنا نأت للصراع الداخلي الأكثر قسوة على نفس مهمنة فهي باستعادة جمالها ربما يكون لها فرصة في الفوز بفرهارد ولكن هذه الاستعادة للجمال سيكون ثمنها طبعا هو التضحية بحياة الأخت شيرين ؛ وأخيرا وعندما يخبر الوزير أنهما قد قاما بالإمساك بالعاشقين ؛ تستدعي المربية وابنها الواشي وتحكم على الابن الواشي بالنفي من المدينة عقابا له على وشايته ؛ وأيضا تأمر بأن تلازم المربية شيرين في كل وقت حتى لو كان الأمر سيكون هو بسجن شيرين ؛ ثم المواجهة بينها وبين شيرين التي تعترف بخطئها في الهروب ولكنها لا تعترف بخطئها في الحب والزواج من فرهارد ؛ وتطلب من أختها الأميرة ألا يلحق فرهارد أي أذى ؛ والمواجهة بينها وبين فرهارد حيث ستخبره بأنها ستوافق على ارتباطه بشيرين في حال لو قام بمفرده بتوصيل الماء العذب للمدينة ؛ أي باختراق جبل الحديد المانع بين الماء والمدينة ؛ وندرك أن هذا شرط تعجيزي ؛ فهي تعرف استحالة أو صعوبة هذا الأمر وبأنه حتى لو تم فسيأخذ وقنا طويلا جدا؛ ربما في هذا الوقت يفتر الحب بين فرهارد وشيرين ؛ ولم يأت هنا ذكر لا للناس ولا للمعاناة ولا للوطن ولا لأي شيء ؛ بل هو ثمن يدفعه فرهارد لو كان يريد الاحتفاظ بشيرين !!! أيضا الديكور هنا واقعيا جدا وأخذ كرسي العرش أعلى منتصف المسرح محتلا منطقة القوة ؛ ولكنه جعل المركز الحقيقي للحركة هو مهمنة ذاتها فقد كانت هي المركز الذي يدور حوله الجميع واتسمت الحركة بالمواجهات في خط مائل بزاوية حادة ؛ مما يساعد على عملية الصراع والمكاشفة ‘ وقد كان جيدا ألا يجعل مهمنة تستعمل كرسي العرش كثيرا ؛ فغالبية قراراتها كانت وهي بعيدة عنه مشيرا إلى الطبيعة الإنسانية المتحكمة في هذه القرارات لا واجبات الإمارة؛ ثم احتفظ بالطابع الأفقي في المواجهة بين مهمنة وأختها وفرهارد؛ حيث كل شيء واضح وهناك صوت واحد فقط يأمر أو ستكون له الغلبة ؛ ولكن عند المواجهة بينها وبين الغريب الذي كان في مستوى التخيل مع أنه حافظ على أن يكون دخول هذا الغريب من مناطق الدخول التقليدية التي يستعملها الوزير والجنود.. الخ !! في هذه المواجهة تفقد مهمنة مركزيتها ويتوارى كرسي العرش بالرغم من وجوده ؛ ويصبح هذا الغريب هو المهيمن على المشهد ؛ لحين ساعة خروجه ؛ عموما كان هذا المشهد هو من أكثر المشاهد في العرض إمتاعا من كافة الوجوه بالرغم من محاولات البعض إدخال الكوميديا في مناطق لا تحتمل أي شيء من هذا القبيل .
ونأت للمشهد الأخير الغريب ؛ فقد تذكر الدراماتورج ربما أنه يعمل على نص يحمل سمات غير واقعية وأن هناك بعض ملامح الأسطورة ؛ فحاول أن يخرج عن الإطار العام الذي كانت عليه المشاهد السابقة؛ فقام بأنسنة بعض الأشياء والمخلوقات فقام ببعث الروح لأدوات فرهارد وأيضا للشجرة والتفاحة والرمانة !!! فالمشهد بدأ بفرهارد هذا وهو بين هذه الأشياء ؛ مبينا العلاقة بينهم كاشفا لهم عن تعبه في الثمانية سنوات الماضية وهو يقوم بالحفر ÷ ثم نكتشف وجود هذا المبعد ابن المربية والذي يساعد فرهارد في العمل دون أن نعرف لماذا؟ ثم أغنية لا داعي لها وحتى غير منفذة جيدا لا على المستوى التقني ولا الأدائي ؛ وجاء الأداء أشبة ببعض مسرحيات الأطفال المصرية والتي يضحك الأطفال من سذاجة تناولها÷ ثم يدخل والد فرهارد في زيارة له ويخبره بأنهم قاموا ببناء الأسبلة والأماكن التي سيجري إليها الماء في حال نجاح فرهارد في مسعاه ؛ وهنا تسأل نفسك إذا كانت الناس على هذا القدر من الاشتياق لوصول الماء فلماذا لم يقم البعض منهم بمساعدة فرهارد حتى يختصر الزمن على الأقل؟ وتجيب على نفسك أنه ربما كانت أوامر مهمنة ألا يساعد فرهارد أحد في هذا المسعى ؛ ثم أيضا هذا الوالد يخبر فرهارد بأن الناس قد نسيت السبب في وجوده قي هذا المكان ؛ أي عقاب مهمنة له وبأنها تتذكر فقط العمل المنوط به وتبني عليه الآمال في وصول الماء العذب إليهم!! ولا تعرف هنا هل هو يسب الناس أو يمدحهم ؛ المهم أنه قبل رحيل الوالد يسر إلى فرهارد أن الناس تثق به فعليه ألا يخذلها ؛ وينصرف ؛ وتدخل شيرين المحبوبة لتعلن لفرهارد أن الأميرة مهمنة قد عفت عنه وبأنه يمكن أن يعود معها في هذه اللحظة للقصر ولكن فرهارد يسترجع كلمات والده بأن الناس تثق به ؛ فيخبر شيرين بأن عليه أن يتم ما بدأه لأجل هؤلاء الناس؛ وبأن ما بقي هو القليل جدا متمثلا في صخرة واحدة ينقبها وينتهي الأمر فتغضب شيرين من هذه الكلمات ؛ ويبدو عليها الإعياء وندرك أن المرض قد عاودها؛ ثم تفاجأ بدخول الأميرة مهمنة وقد استردت وجهها الجميل ؛ ونعرف منها بأنها حين استيقظت ورأت وجهها على هذا النحو شعرت بأن الغريب قد أعاد الأمر إلى ما كان وبأن مصير شيرين قد حدد سلفا؛ وفي نقاش نعرف منه الحكمة الأخيرة بأنها أي مهمنة ما أحبت فرهارد إلا كحب الأمير الحاكم ومن بيده السلطة للفنان القادر على تحويل بعض الأمور من حيز المستحيل إلى نطاق الممكن؛ وتتهاوى شيرين وتلفظ أنفاسها ؛ ولكن مهمنة تعلن بأن شيرين لو كانت قد ماتت ؛ فإن الحب الحقيقي يكمن في حب المصلحة العامة وبأن على فرهارد أن يتم ما بدأه لأجل الوطن وتتقدم الصفوف وترفع علما - قالوا لي فيما بعد أن لونه مغايرا لما رأيته- رأيته تحت الإضاءة باللون الأصفر!! وينتهي العرض !؟
وتسأل نفسك إذا كانت مهمنة فعلا قد أحست بحاجة الناس للماء ؛ وبأنه واجبها كحاكمة أن توصله لهم فلماذا لم تأمر مثلا بعض الجنود أو الأتباع بمساعدة فرهارد ؛ ومتى أحست بهذا الشيء؟ هل أحست به بعد تيقنها بأن شيرين ستموت ؛ وبموتها لا يصح لها كأميرة أن تنظر لزوج أختها فحولت حبها لناحية أخرى مثلا ؟؟ وتتوالي الأسئلة ولكنك توقفها بشيء واحد أن الدراماتورج أراد للعرض أن ينتهي ! وأيضا يحاول قي أقل وقت ممكن أن يضع أنواع الحب المتحدث عنها في البامفلت بأسرع صورة فجاءت بعض الأشياء غير مبررة ؛ وأتي بها على صورة الخلاصة أو الحكمة النهائية مع عدم وجود التبرير الكافي لها ؛ وتعود وتسأل نفسك لو لم يكن هناك حالات الأنسنة هذه وبدأ المشهد مباشرة بدخول والد فرهارد ماذا كان من الممكن أن يحدث ؟ وتفاجأ بأن ما كان سيحدث ربما كان أفضل وربما وجد الدراماتورج وقتا ليبرر فيه هذه التحولات لو كان قد ألزم نفسه سلفا بعدد من الصفحات التي لا يمكن تجاوزها ؛ ولكن كيف طاوعه المخرج على هذا ؟ هذا هو السؤال الأساسي ؛ وكيف في هذا المشهد الغير واقعي على الإطلاق من حيث هذه الأنسنة أن تكون بقية المشهد المتمثلة في محاولة الديكوريتور خلق جبال الحديد أمانا واقعية ؟! وهل في المجمل تتفق السمات التي أعطاها لهذا الغريب مع نتائج ما قام به ؟ وتجد نفسك تقف ثانية وتقول بأن العرض في المجمل كان جيدا؛ صحيح أنه في المجمل كما قلت سابقا عرض كلاسي ؛ فلم يكن هناك سوى ترجمة أو إعادة الإحساس بالمنطوق اللغوي ؛ ولم تأخذ لغة الصورة بعناصرها المختلفة أبعادها المجادلة أو الخالقة لمعنى ما ؛ بل كان التأكيد على المعنى للموصل والدال الأساسي النصي هو الهم الشاغل ؛ ولكنه على العموم هو عرض جيد وقد استمتعت به لولا قصة الحب هذه بين المخرج والدراماتورج والتي ربما صرفت نظر المخرج عن بعض الملاحظات على ما قام بكتابته ؛
وإذا أتينا للأداء التمثيلي فقد كان د سامي عبد الحليم الذي قام بدور الغريب يقدم نموذجا عبقريا لما يمكن أن يفعله التزاوج الجيد بين الموهبة والدراسة ؛ مع أنه قد قام بدوره وهو يرتدي القناع ؛ وفي الطبيعي أن هذا القناع يسلب الممثل القدرة على التعبير بالوجه ويصبح الصوت وباقي الجسد فقط هما الأدوات التي يعتمد عليها إلا أننا شعرنا بأن هذا القناع يختلج ويشعر ويبين ؛ فأداء سامي عبد الحليم قد أعطى الروح لهذا القناع ؛ بل ومنح درجات لونية لهذا الزى الذي يرتديه ؛ وأعتقد بأن كل محبي فن التمثيل الذين يريدون أن يتعلموا شيئا عليهم مشاهدة الرجل وهو يمثل . أما د أيمن الشيوي وأنا أعرف أنه ممثل له قدرات جيدة ؛فإن طبيعة شخصية فرهارد كما كتبت لم تعطه الفرصة لاستعراض هذه القدرات؛ فالشخصية في الغالب كانت تدخل المشهد مفعمة بشعور واحد لا يتبدل ؛ ولم تكن هناك انتقالات بين حالات أو صراعات ليبين قدراته؛ ولكنه أدى الدور كما هو موجود بطريقة جيدة لا يمكن أن تطلب منه ما هو أكثر من ذلك ؟ أما الواعدة إيمان إمام فعلي عكس د أيمن الشيوي فقد ساعدتها شخصية مهمنة الموجودة والتي دائما ما يكون لها أكثر من شعور وأكثر من دافع متعارض في المشهد الواحد ؛ على أن تبرز كل إمكانياتها التمثيلية الجيدة ؛ وكان أدائها رائعا ومتسقا مع الشخصية التي قامت بها بطريقة جعلتك لا تتخيل أي ممثلة أخرى تقوم بهذا الدور ؛ أما هذا الممثل الواعد والذي قام بدور الشحاذ وللأسف لا أذكر اسمه فانتظروه فهو مشروع ممثل قدير جدا في الطريق إ وإن كانت طبيعة الدور في هذا العرض قد منعتنا من الاستمتاع بأدائه طوال فترى العرض فيقينا نحن سنستمتع به في أعمال أخرى قادمة أما بقية الأدوار فقد قام بها ممثلون لهم من الخبرة والموهبة ما يجعل الأمور لا تخرج من أيديهم باستثناء محاولة البعض بعث بعض الكوميديا في أماكن لا تحتاج لهذا بل وربما تضر بالسياق الأساسي للحدث ومن ثم العرض .
مجدى الحمزاوى