"ولد الإنسان حرا طليقا و مع ذلك، فهو مثقل بالقيود في كل مكان و لرُب رجل يتوهم أنه سيد الآخرين و هو لا يدرك أنه يرسف في أغلال من العبودية هي أثقل من أغلالهم." جان جاك روسو- العقد الإجتماعي
بعد أن ناقش الدكتور منصف المرزوقي مسألة إستحقاق الشعوب العربية للديقراطية يأخذ السؤال منحى آخر: هل الديمقراطية هي الحل؟
كثيرا ما تلفت إنتباهنا عبارة "الديمقراطية و حقوق الإنسان" و كأنهما شيئين منفصلين بيد أن الديمقراطية هي إرساء لحقوق الإنسان و هذه الأخيرة ترسيخ لمبدأ الديمقراطية. الغريب في الأمر أن بعض المنادين بعدم أهليتنا للديمقراطية ليسوا الغرب العنصري هذه المرة إنما بعض المفكرين الإسلاميين الذين يعتقدون أنه لا يمكن أن تمد جسور بين الدين و الديمقراطية ما دامت تعني عزل الدين عن الساحة. الديمقراطية هي لائكية الطبع و قد تمحو هويتنا و تاريخنا و كينونتنا كمسلمين. و هنا الإجابة عن السؤال قطعا لا ليست الديمقراطية حلا.
هذا الشكل من الديمقراطية التي تنص على فصل الدين عن مختلف الميادين هو أحد أشكال الديمقراطية على مر التاريخ و بالتحديد النموذج الفرنسي و لكنها ليست الديمقراطية في حد ذاتها. لسنا أمام نموذج موحد للديمقراطية إنما أحد أشكالها التاريخية. السبب وراء فصل الدين عن السلطة يعود لأسباب تاريخية تعود إلى إرتباط الأرستقراطية بالكنيسة إرتباطا وثيقا كرس الإستبداد فكانت ردة الفعل معاداة الكنيسة و لهذا ولد هذا الشكل من الديمقراطية.و هنالك أشكال أخرى للديمقراطية أينما لم يقع فصل الدين عن الدولة مثل إيطاليا التي كانت تحت حكم حزب سياسي ديمقراطي. كذلك الحال بالنسبة لأمريكا حين تضافرت جهود الدين و الدولة لمحاربة الإتحاد السوفيتي الذي جمع الإستبداد و الإلحاد.
الديمقراطية ليس لها علاقة بالكفر و الإيمان بل هي تجربة إنسانية هي تقنيات للحكم تهدف لمنع الإستبداد و هي ليست دينا بديلا و لا يوجد تناقض بينهما إلا إذا تغلف الإستبداد بثوب الدين.
من حق الشعوب أن تعبر عن خياراتها و من واجب الدولة إحترام معتقدات المجتمع مهما كانت متباينة. المجتمع هو الرهان الأكبر.
الإستفادة من التجربة الديمقراطية لا تتعارض مع الأصالة الإسلامية. و لا بد من التعامل معها كمنظومة تاريخية قصد التجريب عليها و تطويرها لا إعتبارها كمنظومة جاهزة. و على الشعوب و الأفراد التعامل مع كل ما هو وارد بنفس العقلية أي لا تسارع إلى الإيمان بأنها وصفة جاهزة و لا تجريمها و تكفيرها.
ترتكز الديمقراطية على جملة من القيم أهمها المساواة و العدالة و الحرية و الكرامة و السلم. و جميع هذه القيم منصهرة مع بعضها البعض فلا كرامة بدون حرية و لا عدالة بدون مساواة. و تقوم بالأساس على أربعة آليات: الإنتخابات و حرية الرأي و حرية التنظم و أخيرا القضاء المستقل. و هكذا تتصدى الديمقراطية للإستبداد و العنصرية.
و بالعودة إلى السؤال "هل الديمقراطية هي الحل؟" قد تكون حلا لعدة ظواهر كالظلم و الإستبداد و قد تكون لها جوانب مظلمة تحتاج إلى إعادة هيكلة. المهم في الأمر كله فلنتقبل كل ما هو مختلف و لنتدبر و نتفكر في كل ما يرد بدل إطلاق الأحكام الجاهزة فلربما يكمن التغيير في طياته.
-
إيمانأما ما يُكتب فيبقَى وأما ما يقال فتذروهُ الرياح
التعليقات
ارى ان الشعوب التي تتخذ من القبلية والعشائرية منهاجاً لها، وما زالت على عاداتها وموروثها الفاسد الجاهلي، سوف لن تتقدم خطوة ابداً، الا في ظل نظام دكتاتوري يفرض الشيء بالقوة، لانها وبكل بساطة ستحاكي وفقاً لمعاييرها القبلية والعشائرية لهذا النظام.
هذا من الواقع المؤلم، ولست متشائماً، ولكن ما اريد قوله، اننا علينا ان نحل العقدة قبل ان نأتي بالتجربة.
مقال رائع .