نحن أمام كتاب يستحق أن يدرس في مناهج التعليم بكافة المستويات، كتاب صدر من مؤلف امتلك صهوة الكلمة ودخل شغاف القلوب والمشاعر الإنسانية ولم يخجل من كشف أعراض أمراضنا الإجتماعية. كتاب اختلال العالم لأمين معلوف نشر عام 2009 عن دار الفارابي. 

عادة عندما أقرأ في كتاب أمسك في يدي قلم لأسجل النقاط التي أراها تستحق أن أقف عندها وأن أعلق عليها وأن أقتبسها وبعضها أكتبه وبعضه أحفظه وبعضه الآخر أشارك به في قنوات التواصل الإجتماعي لكي ينتفع به الناس. ولكن الوضع اختلف كثيرا في هذا الكتاب، فكل  جملة فيها حكمة وكل سطر فيه حكاية، لم يتوقف قلمي عن الكتابة والإستفادة والحفظ والدرس من هذا الكتاب الماتع الرائع. 

يضعنا أمين معلوف أمام المرآة ويجعلنا نرى حقيقتنا من غير تزييف من غير "مكياج" يسلط الضوء على عتماتنا فيتحرك في داخلنا ذلك العملاق النائم الغافي. نستطيع من خلاله أن نتلمس أبواب النجاة في هذا العالم المقدم على تقدم تكنولوجي صارخ ويقابلة هبوط أخلاقي فاضح. يذكر الأمثلة والنماذج ، ويدور حول المحظورات ويراوغ، ينشد صلاح الكرة الأرضية بأكملها على اعتبارها قرية صغيرة بعد عولمتها. 

إن قلت أن هذه مراجعة للكتاب، فقد ظلمته، إنما هي مقتطفات في فقرات وأضفت لكل فقرة عنوان قد يساعد القارئ على إدارك المعنى وعمق المغزى. 

وذلك كله لايغنيك عن قراءة الكتاب بجوهره وحسب ترتيبة وتقديمه.

#الحلقة_١ : الطائفية البشعة

ماني هو مؤسس المانوية يقول عنه أمين معلوف أنه شخصية

مدهشة عاش في بلاد مابين النهرين في القرن الثالث الميلادي.

إن إسم المانديين مشتق من جذر سامي يشير إلى فكرة المعرفة. ولقد حافظوا على وجودهم ولغتهم إلى وقتنا الحاضر ، حتى أن القرآن قد أشار إليهم "الصابئة"

ومن المدهش أن فكر المانوية قد استلهمه العديد من المذاهب في أوروبا خلال القرنيين العاشر والثالث عشر.

ومن الغريب أنه وبعد هذا الزمن الطويل من بقاء هذه الطائفة فهي مهددة بالإندثار وذلك بسبب أحداث الطائفية التي تعصف بالعراق.

#الحلقة_٢ : البربرية الحديثة

إن العالم اليوم يمر ببربرية غير مسبوقة وأعلم أن ذلك سوف يدهش القارئ، فكيف لكل هذا التقدم والمدنية أن تكون قناعا لمارد متوحش يحمل داخله ناراً مشتعلة ستحرق العالم.

فالبربرية اليوم أشد وأعتى من بربرية العصور القديمة الني كان السيف سيد الموقف، وذلك لأن عصرنا بربريته بالغطرسة وقسوة القلب.

ويذكر معلوف مثالاً أن المتنبي الذي جاب الجزيرة العربية بفكره الحر ولم يقابل إلا بالإعجاب أحيانا وبالسخرية أحيانا أخرى ولم يمنع ذلك من الاستماع لأشعاره، ويكمل معلوف متسائلا بتعجب كيف بالمتنبي اليوم سوف يكون مصيرة قطع الرأس.

فلقد تقدمت البشرية في الميدان المادي ولكنها لم تتقدم ذهنياً وسلوكياً!!!!!

تابعونا لنكمل لكم كيف زادت الفجوة الأخلاقية في المجتمعات، في الحلقة القادمة.

#الحلقة_٣ : الفجوة بين التقدم المادي والأخلاق

إن الابتكارات والتقدم الهائل في الميدان المادي لم يقابله تطورا لأخلاقنا وسلوكياتنا.

ففي عصرنا الحديث نجد وبشدة تزاحم الثقافات وتضارب الهويات، حيث تجد كل هوية أنها هي التي لها الحق في الوجود، والذي يؤدي الى إنزلاق نحو العنف والفوضى.

وفي المقابل نجد أن الشخص اليوم يتأثر بكامل الكرة الأرضية وذلك بفعل وسائل الاتصال ، وكل هذا التقدم غير مصحوب بوعي يمكّن من تأمين عامة الناس الذي زُج بهم مكرهين في هذه الفوضى.

إننا نشكو في هذه الأيام تقدماً ماديا صارخا يزيد من خروجنا من عزلتنا ، وبين تقدمنا الخلقي البطيء.

وأخيرا ، لانستطيع أن نقف أمام التطور المادي السريع ،ولكن علينا أن نسرع من تقدمنا الخلقي ليرتفع الى مستوى تطورنا التكنولوجي، وهذا يستلزم منا تغيرا كاملا وحقيقيا لسلوكياتنا.

#الحلقة_٤ : ماهي الشرعية؟

يتسائل معلوف في مجموعة من الصفحات عن ماهية الشرعية وفلسفتها ، ويذكر كيف أن الشرعية كانت ومنذ قديم تنال على سبب من الوراثة للعرش ، أما في عصرنا الحالي فتبدلت اياما تبديل ، فالشرعية اليوم تعطى لكل من ضم كفاحه إلى كفاح الشعب حتى لوخلخل عاداتهم وثقافتهم ودينهم.

ويذكر معلوف مثال تركيا اتاتورك ومافعله عندما خلخل ثقافة شعب بأكمله ومع ذلك هو ابوتركيا الأوحد.

ويتسائل لماذا لاتجتمع البلدان العربية تحت مظلة واحدة علماً أنها كانت يوماً موحدة تحت سلطان عثماني واحد؟!!!

وهنا يذكر عبد الناصر وشعبيته التي لم يستطع أحد بعده أن يصل إليها مع كل المحاولات بعده. وذلك لأن عبد الناصر التفت حوله آمال العرب وقد بلغ الذروة في أن يكون الرئيس الروحي للقومية العربية.

فجميع المحاولات التوحيدية فشلت ولم يتبقى من القومية غير طقوس باهته لاروح فيها.

#الحلقة_٥ : حكومة الكرة الأرضية

يقول أمين معلوف ويتسائل كيف أن أصوات الأمريكيين الذين يمثلون ٥٪‏ من سكان العالم أكثر تقريراً لمستقبل الإنسانية كلها من أصوات ٩٥٪‏ الباقية فهذا يعني ثمة خللا في الإدارة السياسة للكرة الأرضية.

إن السلطة التي تمارسها وكالة قد يكون سكان العالم قد أعطوها إياها، فعلى أرض الولايات المتحدة هي حكومة قانونية وفي باقي الأرض هي حكومة أمرا واقعا.

فلذلك ومن الصحي جدا أن يكون لكل قوة قوة مضادة لأجل حماية الآخرين من تجاوزاته وكذلك لأجل حماية نفسة أيضا.

#الحلقة_6 : المال والانتاج

اليوم يغدو المال منقطعا عن كل إنتاج، عن كل جهد جسدي أو فكري، عن كل نشاط نافع اجتماعيا وتحولت مراكز البورصة عبارة عن مراكز عملاقة تقرر مصير مئات الملايين من البشر برمية زهر.

حيث أن مدخرات الحياة بأكملها من العمل الشاق يمكن أن تذهب هباء أو ترتفع أضعافا في بضع ثواني. وذلك كله وفقا لطرائق خفيه لم يعد أحد يفقه طريقها أو أسلوبها.

فهذا الاختلال المالي هو مؤشر واضح على اختلال عظيم في سلم قيمنا.

وأعلق على على هذه الفكرة ، لم يعد لدينا أية مشاعر نحو كيف سنجني المال ونجمعه سواء على حساب بقية الناس أم لا، فذلك لايعني أبدا لهؤلاء الذين جمعوا المال فعددوه وخزنوه.

#الحلقة_7 : هل سيكون القرن الواحد والعشرين دينيا؟

يقول أندرية مالدو عن القرن الواحد والعشرين "سيكون دينيا أو لن يكون"

ونعني أننا لن نتمكن من الاهتداء إلى الطريق الصحيح في متاهة الحياة العصرية دون بوصلة روحية ما.

إن الانتماءات الدينية التي تنتقل تلقائيا من جيل إلى آخر دون أن يحتاج المرء للإنتساب إليها أو حتى الإيمان بها، هي أكثر ديمومة من القناعات المكتسبة بكثير.

ويقول معلوف ماتبين ختى الآن أنه من الصعب حصره ضمن حدود ويصعب ترويضة ويستحيل اجتثاثة.

#الحلقة_8 : الثقافة لازمة للبقاء

يقول معلوف لابد من وضع سلم للقيم مبني على الثقافة، فالثقافة ليست حكرا على فئة من الناس فدور الثقافة اليوم هو تزويد معاصرينا بالأدوات الفكرية والخلفية التي تسمح لهم بالبقاء.

ويربط معلوف بين الحياة والرفاهية التي خلقها العلم وخاصة في المجال الصحي والطبي مما أدى إلى زيادة في عدد الذين يعيشون أطول وأفضل، فيربط هذا التقدم بكمية استهلاك موارد الكرة الأرضية وكثرة المعاناة من الفراغ الضجر أكثر من القرون السابقة. ويعتقد معلوف أن المخرج من هذا هو الإنشغال في تحصيل المعرفة وتنمية حياة داخلية تساعد على التفتح وبالتالي تشبع رغباتنا الوجودية.

للك لابد من التشجيع على شغل الوقت بالتعلم وزيادة المعرفة لتقليل من استهلاك موارد الأرض. وبالتالي تعتبر الثقافة أولوية للبقاء.

#الحلقة_9 : هشاشة العلاقة بين المهاجرين والبلاد الغربية

يطرح معلوف مشكلة المهاجرين إلى بلاد الغرب وعدم اندماجهم الكامل بالمجتمعات الغربية وذلك لما تحمله السياسات والممارسات من قمع لهؤلاء المهاجرين، خاصة لأولئك الذين جاؤوا من العالم الإسلامي. ويعتقد معلوف أن التعايش المتناسق لازال ممكنا ولاغنى عنه. ولكن ذلك يستلزم عملا رزينا، رهيفا، صبورا، حازما.

إن الوافد الجديد يكون راصدا لكل الحركات والهمسات للمجتمع الجديد، فمنهم من يفسرها بشكل سلبي، وبينهم السذج الذين يعتقدون أنهم مقبولون في المجتمع الجديد.

وفي الغربة ينتقل الشخص من شعور لآخر، فيكفي أن يقابل بإبتسامة لكي يظهر الإمتنان ثم بعد ذلك تظهر كلمة أو إشارة تنم عن عداء واحتقار وتعالي فينتقل المرء فجأة إلى شعور من القهر يشتهي فيه لو يصرخ أو يضرب أن يحطم كل شيئ وحتى يدمر نفسه.

ويرجع معلوف سبب الهشاشة في العلاقة بين المغتربين والمجتمع الذي استقبلهم وهشاشة التعايش هو كون الجرح حاضرا دائما، والقشرة التي تكونت على سطحة لم تستطع أن تقسو بعد فأتفه الأمور توقظ

الوجع.

#الحلقة_١٠ : الخاتمة

يقول معلوف أن هدف هذا الكتاب هو الإشارة بوضوح إلى وجود خلل عالمي ويمكن تدراكه ولم يفت الأوان بعد ولابد من تعبئة الطاقات لأجل اتقاء الإنهيار والتقهقر، ولازال هناك مجال للعمل، لايزال التغيير ممكنا ولكن كل هذا كله بحاجة إلى جرأة ونبذ طرائق التفكير الروتينية وعاداتنا السلوكية والإقلاع عن أحلامنا النرجسية وإعادة بناء سلم أولوياتنا .