فاغنر تلوي ذراع بوتين

 فاغنر تلك المؤسسة العسكرية التي تعمل بشكلٍ مستقل وسري بعيداً عن الحكومة والجيش الروسي والتي إمتد نشاطها في أكثر من 30 دولة ما بين توفير تدريبات عسكرية لجنود بعض الدول ودعم لبعض الساسة كما حدث في الانتخابات الأمريكية أو حتى توفير حراسة خاصة لبعض الساسة وقادة بعض الدول أو القيام بمهام عسكرية قتالية كما حدث في سوريا و ليبيا، كما أن فاغنر كانت اليد الخفية لروسيا في النزاعات التي لا يمكن لروسيا أن تشارك فيها بصورة علنية و لعبت دوراً كبيراً في الحرب بين روسيا وأوكرانيا وخاصة بعد نجاحها في السيطرة على مدينة باخموت بشرق أوكرانيا، لكن فاغنر في الأسابيع القليلة الماضية قامت بعمل تمرد لمدة ساعات برعاية قائدها ينغيني بريغوجين ونجحت بالفعل في السيطرة على مدينة روستوف الروسية وكانت في طريقها للعاصمة موسكو ولم يمنعها سوى تلك الوساطة التي قام بها رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكا شينكو. 

 فما حقيقة ذلك التمرد وما هي دوافعه وإلى أي مدى قد نجحت وساطة رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو هذا ما سنعرفه الآن.

تاريخ فاغنر 

ظهور فاغنر على الساحة الدولية بدأ في عام 2014 وتحديداً في مدينة دونباس الأوكرانية عندما دعمت مجموعة انفصالية موالية لروسيا ضد القوات الأوكرانية.

ويعود الفضل في تأسيسها للضابط السابق دميتري أوتكين ذو ال51 عاماً والذي يُعد من قدامى المحاربين و الذي شارك في الحرب ضد الشيشان وعمل في القوات الخاصة و المخابرات العسكرية الروسية إلا أن تمويل فاغنر كما رجح البعض تقوم به وكالة الاستخبارات العسكرية GRU كما أنها تشرف على المجموعة بطريقة سرية على الرغم من حرص روسيا الدائم على نفي أي صلة تربطها ب فاغنر.

ظهرت فاغنر بشدة في الحرب ضد أوكرانيا وقامت وحدها ب2 من أصل 3 محاولات اغتيال استهدفت الرئيس الأوكراني فولو ديمير زيلينسكي.

لمحة عن زعيم فاغنر 

وترتبط فاغنر برجل الأعمال ينغيني بريغوجين والذي أشتهر فيما سبق بإسم طباخ بوتين لأنه بدأ حياته المهنية كصاحب مطعم وكمتعهد للطعام لدى الكرملين وتعرضت شركته (إيفرو بوليس) والتي تعمل في مجال خدمات الطعام لعقوبات أمريكية بعد الحرب على أوكرانيا ،غير أن صداقة قوية وعلاقات خفية تربط بين بوتين وبريغوجين ولعلها السبب في أن بوتين لم يتخذ أي إجراء ضد فاغنر وبريغوجين إلى الآن.

أسباب التمرد

يبدو أن المثل القائل "أصدقاء الأمس أعداء اليوم قد انطبق على فاغنر، هذا ما يصفه المتابع للصراع الحالي فلقد أعلن بفغيني في يونيو الماضي أن جنوداً من وزارة الدفاع الروسي قد قصفوا مواقع عسكرية تابعة لفاغنر وتوعد بالرد العنيف على تلك التجاوزات وحمل وزارة الدفاع الروسية مسؤولية ما حصل لقواته وأعلن أنه سيقوم بتطهير لوزارة الدفاع الروسي وهيئة الأركان و التي كان يتهمها دائما بعدم الكفاءة في إدارة العمليات العسكرية في أوكرانيا . 

غير أنه تمرد على روسيا بذاتها وقام بالسيطرة على مدينة روستوف وسيطر على المقر العام للجيش الروسي بها وكان عاقدا العزم على التوجه لموسكو ، غير أن رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو قد تدخل وأنهى الصراع بناءً على طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونجح في نزع فتيل الأزمة و أعلن أنه سيضم مجموعة فاغنر التي شاركت في التمرد لجيش بيلاروسيا من أجل تبادل الخبرات واعتبرهم لا يقدرون بثمن لأنهم يتمتعون بمهارات قتالية فائقة ويعلمون جيداً كيفية الهجوم والدفاع ،كما صرح بريغوجين عقب لقاءه مع بوتين أنه لم يسعى لقلب نظام الحكم بل كان حريصاً على حماية فاغنر من التفكك .

موقف بوتين من التمرد

حرج بالغ تسببت فيه فاغنر ورئيسها بفغيني بريغوجين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والقيادة الروسية ،فعلى الرغم من تحدي بريغوجين للقيادة السياسية وخاصة قائد الجيش إلا أن رد فعل بوتين تجاه بريغوجين وفاغنر جاء مخيبا للآمال ومثيرا للدهشة وأصبح موضع تساؤل الكثيرين.

فوفقاً لما نقلته نيوزويك News week الأمريكية على لسان خبير الأجهزة الأمنية يوري فلشتينكسي فإنه وكغيره الكثيرين توقع أن يتعامل بوتين بحزم وقوة مع هذا التمرد كما فعل عام 1999 مع الإرهابيين الشيشان الذين قتلوا119 جراء هجوم على أحد المباني في موسكو وصرح وقتها :"سنبيدهم في المرحاض". 

إلا أن بوتين وقف عاجزاً هذه المرة أمام سطوة ونفوذ بريغوجين وسمح لمجموعة فاغنر بالتواجد في صفوف الجيش الروسي بالطريقة التي يختارونها وسمح لهم بتوقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية على الرغم من أن فاغنر تضم بعض خريجي السجون وبعض الضباط السابقين في الجيش الروسي الذين يتمتعون بصيت سئ السمعة، كما لم يتم توجيه أي تُهم لهم وأردف فلشتينكسي أن بوتين لم يكن قادراً على معاقبة بريغوجين وقال:"لقد كان بوتين مختلفاً" . ولعل ذلك يرجع للصداقة الوطيدة التي تربط بين بوتين وبريغوجين كما أن فاغنر لها أيادي بيضاء على بوتين في حربه ضد أوكرانيا وهو أحد الأشخاص الذين يعتمد عليهم بوتين في تنفيذ العديد من المهام الخاصة.

بينما صرح بعض الساسة أن موقف بوتين أشبه بقنبلة موقوته ستهدف لتقويض استقرار روسيا كماأن هناك غموض حول مستقبل المجموعة لعدم قيام بوتين باتخاذ إجراءات حاسمة تجاه بريغوجين ،بينما فسر البعض أن ماحدث ببساطة خطة مسبقة ماكرة بين الكرملين وبريغوجين وأن أبعادها ستظهر في آونة لاحقة.