المعلم المتشدد
هو المعلم المُفرط في تقصيه واستئثاره؛ من يحسب أن بين يديه ميزان ذهب!! إن كان ينقص طالبه رُبع درجة ليجتاز أَسقطهُ غير مكترثٍ، وواضع لعوائق جُمّة للحصول على الحاجيات؛ بينما يتستر بمبدأ حفظ الأمانات .
هو المُتحذلق في اختيار أسئلة الاختبار، والمدار عنده حول الذاكرة وحدها أثناء الاستذكار؛ فلا يهمه مساعدة طلابه لخوض لُجّة الحياة والنجاح فيها، وكذا تحصيلهم للعلمِ عن طريق فهمهِ، وإدراك أبعاد مسائلهِ .
إن تحيّر مرة في تقدير درجة لأحد طلابه، عادةً النقصان يميلُ إليه قلبه، ظانًا دليل صواب فعله انشراح صدره؛ ولم يدرك أن الشيطان قد تلبس فكره .
يَقُولُ -صَلّى الله عَليهِ وَسَلَّم- فِى بَيْتِى هَذَا « اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ». (صحيح مسلم (1828).
المعلم المتساهل
وتتعدد الأسباب الدافعة لتساهله، فقد يكون مغفلًا! أو أنه يريد أن يكون محبوبًا! أو قد يكون طيبًا بشكل ساذج بحيث لا يدرك المسؤولية التي وضعت بين يديه بحيث يساوي المستحق بغيره .
وبالمناسبة، المساواة لا تقتضي العدل في كثير من الحالات، فمن المعلمين من يحرص أشد الحرص على أن يساوي الطلاب جميعًا، وهذا خاطئ، حيث لو افترضنا أن معلمًا لديه ثلاثة فصول، الأول ضعيف، والثاني متوسط، والثالث ممتاز؛ لا بد عليه أن يفضل الممتاز، فالمتوسط، فالضعيف، أي من ناحية تبسيط المهمات، وإعطاء المكافآت، الخ ...، ولا تثريب عليه، بل هو المطلوب .
بدليل أن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فُضّلت على جميع الأمم، وهم بشر كما غيرهم، ولكن الفروق الجوهرية كامنة في عدة عوامل، منها: اختصاصها بالخيرية، وكذا عدم اجتماعها على الضلالة، وغير ذلك الكثير .
ولا غرو ولا شك بأن هذا من أكمل العدل الذي يتصف به العليم الحكيم؛ فالله -سبحانه- عادل يحب من يتصف بهذه الصفة الحسنة .
قال ابن القيم -رحمه الله-: (ولما كان سبحانه هو الشكور على الحقيقة، كان أحب خلقه إليه من اتصف بصفة الشكر، كما أن أبغض خلقه إليه من عطلها، أو اتصف بضدها، وهذا شأن أسمائه الحسنى، أحب خلقه إليه من اتصف بموجبها، وأبغضهم إليه من اتصف بأضدادها، ولهذا يبغض الكافر والظالم والجاهل، والقاسي القلب والبخيل والجبان، والمهين واللئيم، وهو سبحانه جميل يحب الجمال، عليم يحب العلماء، رحيم يحب الراحمين، محسن يحب المحسنين، ستير يحب أهل الستر، قادر يلوم على العجز، والمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف، فهو عفو يحب العفو، وتر يحب الوتر، وكلما يحبه فهو من آثار أسمائه وصفته وموجبها، وكل ما يبغضه فهو مما يضادها وينافيها).
وأخيرًا اتضح بأن هذه ليست دعوى للتساهل، أو لإثارة التشدد كذلك، فما هي إذًا؟
ببساطة: التمسك بيما يسمى ب(التوسط)، وهو في أبسط دلالاته: العدالة .
وكي لا أكون أثقلت كاهلك بتهويل المسؤولية، حديثه -صلى الله عليه وسلم- سلوى لقلبك:
«إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ ، فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ ، فَلَهُ أَجْرٌ». (متفق عليه، البخاري(7352)، مسلم(1716) .
ختامًا، حين يصعب عليك معرفة كيفية معاملة طلابك، أقصد تحديدًا عندما تجد صعوبة بالغة بحيث تصيبك الخيبة، وتحيطك الكآبة، ويحتويك الجهل الضائع. إياك إياك أنتستعمل مبدأ المحاولة والخطأ، فإنك قد تصيب، وهذا غير مضمون أبدًا، وقد تخطأ، ويكون خطأك كالوسمة على جبينك، فمن المعلوم بأن حتى طلاب المتوسطة لديهم تقارير مفصلة عنك، من تقييم امتيازك، انتهاءًا إلى طريقة مشيك، وهذه التقارير قد تتوارثها الأجيال فقد تضطر إلى الفرار بجلدك بصعوبة إلى موقع آخر؛ بحثًا عن الاحترام! ولهذا كن مذ أن تطأ قدماك أرض المدرسة، أو الجامعة، أو أيًا ما كان، أن تكون ذا مبادئ صارمة، واضحة، وتتسم بجميل الأخلاق، كأن تكون متواضعًا، مبتسمًا، معطاءًا، قارئًا، ومتعلمًا من أفضل المعلمين -صلى الله عليه وسلم-، وأجزم بأن التعلم من تعامله -صلى الله عليه وسلم- فقط كافٍ، بل هو التصرف المثالي ولا شيء من النظريات -سواءً القديمة أو الحديثة- يحيط بالإيجابيات بقدر إحاطة السنة وعمق رسالتها في التعليم، فهي إثرائية مقارنةً بها .
-
لمىلا يهم الكم بقدر ما يهم الكيف، فلا تتفاخر بكثرة سيلان حبر قلمك فهو ربما هدر، وربما حتى شاهد عليك، فاهتم (بماذا) تكتب لا (كم) تكتب.
التعليقات
مقال جميل , و لو وضعتي له مقدمة تمهّد الفكرة للقارئ سيزداد جمالاً .
عودة مباركة للكتابة . بالتوفيق و في إنتظار كتاباتك القادمة .