قبل بضعة سنوات ألح علي الجميع من الأهل والأصدقاء لكي أخوض مرحلة الإرتباط وأبني بيتاً لتستقر حياتي وليطمئنوا علي ظناً منهم بأن هذه الفتاة التعيسة التي ستكمل حياتها معي ستكون بمثابة الجارية التي ستنظف ثيابي وتصنع غذائي وتمسح وتكنس البيت وأنجب منها بعض الأطفال لكي يبقى إسمي خالداً في هذه الدنيا بعد رحيلي منها هذا حسب تفكيرهم بعد أن إنتابني الصداع من كثرة ترديد كلامهم والذي معظمه يتلخص في العبارات التالية ..

[ يا بني نريد أن نفرح بك قبل أن نموت ، نريد أن نطمئن عليك ]

[ يا بني نريد أن نرى أولادك فأقرانك وأصدقائك تزوجوا وأنجبوا ]

[ يا بني إخوانك الأصغر منك سناً يريدون أيضا أن يتزوجوا ، ومن قواعد عائلتنا الكريمة أنه لا يجوز أن يتزوج الأخ الأصغر قبل أخيه الأكبر ]

إستسلمت ورضخت لهذا السطو المسلح من الكلمات ، ورفعت رايتي البيضاء بعد أن قلت لهم أتركوا لي مساحة من الوقت أدرس فيها هذا القرار المصيري ..

من الطبيعي أن الوالدن يريدان أن يطمئنا على حياة أولادهم ومن وجهة نظرهم أن مرحلة الزواج هي محض إنتهاء رسالتهم في هذه الحياة تاركين أبنائهم يخوضون حياتهم المستقلة ، فيستسلم الأبناء لرغبة الأهل حتى لو لم تكن ظروفه المالية والنفسية مؤهلة لذلك ..

كنت أريد أن أكون مختلفاً عن ثقافة الجمع ، أخذت في التفكير والدراسة حتى راودتني بعض الأسئلة التي إحتلت عقلي وأرقت منامي وشغلت معظم وقتي والتي أغلبها يتمحور حول الأتي

- ما هو السبب الرئيسي من زواجي ؟ ما هي أوجه الإستفادة منه ؟ وهل أنا مستعد لأنجب طفلاً ؟ هل أنا قادر على تحمل المسئولية أم أنني ما زلت لم أنضج بعد ؟

كل هذه التساؤلات خطرت على بالي وسكنت عقلي عدة أيام بل وأسابيع أبحث عن إجابة لها .

بحكم عملي كمهندس فالزواج بالنسبة لي هو مشروع متساوي الإحتمالات قابل للربح وكذلك قابل للخسارة إن لم أحسن إدارته .

بالنسبة لي أنا رجل أجيد الطبخ ولا أحتاج لمن تعطيني من وقتها الكثير لتصنع لي بعض الأطعمة التي تقوتني بها ، وأجيد الأعمال المنزلية من غسيل الثياب ونظافة البيت وغيرها ،

فوجدت أنني لست بحاجة إلى جارية بقدر ما أنا بحاجة لأنثى تسكنني وأتخذ من عرش قلبها سكناً لي ، أحتاج لإمرأة عندما أتحدث إليها تغريني بفصاحة لسانها ورجاحة عقلها وخفة ظلها ، أحتاج لمن تكمل نقصي وأكمل نقصها ، أما الجارية فلا حاجة لي بها .

تقول زازا غابور : الرجل العاشق ليس كاملاً حتى يتزوج. عندها ينتهي أمره.

ومن قواعد إدارة مشروع الزواج هو التريث في إتخاذ هذا القرار المصيري والتأني فيه حتى لا نضيع أعمارنا فيما لا فائدة منه .

يقول السيد ميكي روني : احرص على الزواج في الصباح بحيث إذا فشل الموضوع لا تكون قد ضيعت كامل اليوم .

كنت لا أحبذ فكرة الزواج التقليدي نهائياً فكيف لرجل يقبل أن يعامل معاملة الطفل يأخذه أباه وأمه من يده ثم يذهبان به إلى بيت أحد المعارف الذين حددا له الموعد مسبقاً راجين منهم التكرم والسماح لقبول طلب إرتباط إبننا بكريمتكم ، وفي فترة لا تتجاوز الخمسة عشر دقيقة لابد أن يتخذ كل منهما قراره هل سيوافقان على بعضهما أما أن الطرق إتجاهاتها مختلفة ولا يمكن أن يلتقيا يوما ،

غالباً تحت ضغط الأهل قد يوافق الطرفان وربما ينجح هذا الزواج وقد يفشل ..

الله أعلم !

أما مسألة إنجاب الأطفال إستحوذت على الكثير من تفكيري وسألت نفسي

ترى هل أنا مؤهل لتربية طفل ؟ هل حقاً نضج عقلي لأن أستقبل إنساناً أخر وأرسم له خريطة حياته القادمة ؟

يقول السيد الدكتور مسلم تسابحجي في كتابه ( أبنائنا جواهر لكننا حدادون )

[ تبدأ تربية الطفل قبل ولادته بخمسة وعشرين عاماً ] أي تربية الطفل تعتمد بشكل رئيسي على تربية الأب والأم .

نسبة 90 % من المشاكل المجتمعية في الأساس هي بسبب الأخطاء التربوية .

غياب ثقافة التربية لكلا الزوجين لابد أن تنشئ طفلاً غريب الأطوار ، لذلك يجب أن يكونا مؤهلين لهذه المرحلة الخطيرة والتي يجب ان تنجح لأنها لو كانت غير ذلك فستنتج شخصاً عالةً على أهله ومجتمعه .

نصيحتي للأهل : أتركوا حرية الإختيار لأبنائكم ، لا تجبروهم على إتخاذ قرارات مصيرية كهذه ، ربما يندمون عليها مستقبلاً وأنتم من ستتحملون الوزر وحينها لن ينفع الندم . أتركوهم يختاروا من يستطيع أن يكمل معهم مشوار الحياة .

نصيحتي للأبناء : لا تستسلموا لقرار الأهل ، فكروا وأدرسوا وتعلموا كيفية إدارة حياتكم ، حان الوقت الذي تعتمدون فيه على أنفسكم وتختارون وتقررون وتتحملوا النتائج .