نهائي "اليورو" الجزائر فرنسا
قراءة هادئة
نشر في 11 يوليوز 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
للأسف انساق الكثير من الجزائريين في نهائي اليورو وراء فكرة تشجيع المنتخب البرتغالي نكاية في المنتخب الفرنسي كفريق و فرنسا كدولة و بلد. و هي الفكرة التي روج لها عبر صفحات الفايسبوك و تويتر و غيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي. هذه الوسائل التي بقدر ما لها من دور فعال في التواصل و تبادل الثقافات و المعلومات و الاخبار هي في نفس الوقت وسائل تستعمل غالبا للتأثير على أفكار العامة و توجيهها نحو اتجاهات معينة. و هي دون شك مرتع للمعلومات غير المنقحة و التي يتم تداولها دون تدبر او تمعن ومن دون حسيب أو رقيب .
نعم انساق الكثير من الجزائريين وراء فكرة الفرح لخسارة فرنسا في اليورو على خلفية الماضي الاستعماري. و هي الفكرة التي يروج لها حسب اعتقادي من جعلوا أيام الجزائريين كلها خسارة، لينقلوا الجزائري من واقعه المر الى واقع وردي تبنى فيه ابراج السعادة الوهمية على خسارة فرنسا في اليورو، و لينقلوا النقاش من نقاش حول متاعب الجزائريين و مشاكلهم الى حديث عن نهائي اليورو و كأن حلول مشاكل الجزائريين و سعادتهم تتلخص في خسارة فرنسا لنهائي اليورو.
هل لهذا الحد صرنا وصار بعض مثقفينا مثل الشخص العاري دون ملابس الذي طلب خاتما بدلا من ملابس يستر بها عورته. هل لهذا الحد صرنا و صار مثقفونا يستهلكون الثقافة المعلبة و الثقافة الموجهة و الثقافة المدورة و الثقافة التي من دون تمحيص أو تدقيق تقود دون شك الى سفوح الخسارة و كهوف الفشل.
هل فرح الجزائريون لخسارة فرنسا لأنها الدولة التي استعمرتنا؟ نعم اعتقد أن الجواب سيكون دون شك نعم!!! نعم مرة أخرى استعملت صورة المستعمر السيئة و جرائمه للتأثير على عقول و عواطف العامة بطريقة سيئة. هل كجزائريين نكره الاستعمار كفكرة و نكره الظلم و "الحقرة " كما ندعي؟ أم أننا نكره مستعمر الأمس و فقط ؟
للأسف لم نعط صورة جيدة عن كرهنا للاستعمار و جرائمه و مساوئه، لان البرتغال على غرار فرنسا دولة استعمارية كغيرها من الاستعماريين، سلطت سيوفها على رقاب مثل رقابنا في قارة افريقيا و امريكا الجنوبية و أسيا. فاذا كنا ننبذ الاستعمار فانه يجب علينا أن ننبذه كفكرة و ليس فقط الاستعمار الذي تسلط علينا و أقترف جرائم في حقنا... لأنه لا يمكن ان يكون مستعمرنا شيطانا و مستعمر الاخرين ملاكا... الاستعمار ليس له الا ملة واحدة.
أعرف أن البعض سيجد في كلامي هذا دفاعا عن فرنسا و ربما المنتخب الفرنسي! و لكني متأكد أن هناك من يعلمون أني كبرت رياضيا على حب منتخبي الارجنتين و ايطاليا. ولكني متأكد أيضا أن هناك من سيقرؤون كلماتي وفقا لمعناها الذي قصد دون أن يحملوها وزر الفهم السيئ و متأكد أيضا أن هناك من يقاسمونني أفكاري لأنها ولدت من رحم حب بلدنا و ايماني أن بناءه يتم بإصلاحه و تصحيح أخطائه و ليس بالتصفيق لانهزام الغير. لأنني أؤمن أيضا أن الفهم الجيد للواقع و القراءة الواقعية للمواقف والاحداث لا يعني اني ادافع عن فرنسا أو غيرها او أني أحاول ان ابيض ماضيها.
فرنسا انهزمت في نهائي اليورو، لكن الذين يحكموننا سيواصلون التقرب منها، ويتكلمون لغتها دون لغتنا، و يستشفون في مستشفياتها دون مستشفياتنا و يدرس أبناءهم في جامعاتها العريقة و تشتري بناتهم شققا في أحياءها الراقية، و يحمل الكثير منهم جنسيتها، فماذا جنينا نحن من ذلك، الا همزهم غذا في أذان الفرنسيس أننا بربر لا تحكمنا الا العصا و أن سواد اللاديمقراطية يليق بنا.
فرنسا انهزمت في نهائي اليورو، لكنها تبقى فرنسا، موليير و فولتير و باستور و ايميل زولا و فيكتور هيجو و جون بول سارتر و مونتسيكيو و اللوفر و ايفل و السوربون و جان دارك و البير كامي و بلاتيني و زيدان، فماذا جنينا بالفرح لانهزامها، و هل تحسنت بعدها أسهم تخلفنا.
البرتغاليون لن يساندوننا غذا ضد الكاميرون و نيجيريا في تصفيات كأس العالم، و الجزائريون الذين تكونوا في المدارس الكروية الفرنسية قد يشرفون الجزائر في تلك التصفيات و ...
أنا لا أدعو لحب فرنسا و انما الاستفادة من الماضي الاليم الذي جمعنا بها، كما نستفيد من سيارة "الرونو" و حقنة البنسيلين و ورقة "اليورو"، ومن قربنا الجغرافي منها، لأننا اذ كنا تحملنا مساوئ الجانب المظلم الاليم دون غيرنا فاننا يجب ان نستأثر بمحاسن الجانب المضيئ.
نعم أعتقد أنه يجب ان نخرج من الخطاب الغوغائي الى الخطاب الاستراتيجي، يجب أن نبحث عن بعد استراتيجي في تعاملاتنا و خططنا حتى لا يحق فينا الى الابد المثل العربي القائل "أشبعتهم سبا و راحوا بالابل"، يجب أن يتغير خطابنا السياسي من خطاب على المستعمر و خطابنا الديني من خطاب على هلاك الكافر الى خطاب الى انفسنا كي نحسن رمي القمامة فننظف امام بيوتنا و ننظف افكارنا لتنظف و تتقدم أوطاننا ، لان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .