جدلية الصلاح والإصلاح
خواطر حول شروط الإصلاح
نشر في 13 فبراير 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
ما أحوج شعوبنا إلى مصلحين حقيقيين، يرابطون في الثغر الأعظم، ثغر رتق الفتق، و تقويم الاعوجاج، و سد الخلل، وإعادة البناء، و مقاومة المفسدين.
إنه ليس كل من ارتدى لبوس الصلاح بقادر على النهوض بالمهمة، والاضطلاع بالعبء الثقيل، وما تكفي العزائم وحدها، ولا تشخيص الأعطاب.
إن الإصلاح كالنحت في صخر طال عليه الأمد، و عملت فيه يد التخريب زمنا غير يسير، فالمنتهض للإصلاح كالساعي إلى نقض الحجارة، وإعادة بعثها خلقا جديداً، لا مسخاً من الرقع.
وما يستقيم الإصلاح إذاً إلا بدراية دقيقة بمسارب الفساد، و طرق التهذيب، وصبر وأناة طويلة تسندها رؤية بعيدة لا يضيرها استعجال المستعجلين، و حكمة عالية كحكمة الطبيب الذي لا يهوله الداء، ولا يصده صرخات المريض.
وتلك سنة الله في الذين خلوا من قبل: ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا، وكانوا بآياتنا يوقنون).
إنه اليقين الذي لا يزعزعه استخفاف الجاهلين، وبطء الأثر، وقلة التابع، وتظاهر الخصوم. وإنه الصبر على مشقة الإصلاح، و فزع المفسدين.
من أجل ذلك لا يتوهم الصالح في نفسه، الخائف من الناس، الوجل من معالجتهم، والضائق صدرا بما يصدر عنهم. لا يتوهم أنه سيخلف أثراً، أو يصنع حدثاً.
لا يطيق الإصلاح مستخْفٍ وراء مكتبه، متوارٍ في بيته، فإنه لا شيء يعدل مخالطة المجتمع، والصبر على أذاه.
فكيف إذا كان يواري فساده، ويبيت ما لا يقول، ويعلن ما لا يضمر، ثم يزعم ملء فيه أنه ما خرج، ولا كتب، ولا تظاهر إلا قصْد الإصلاح.
وأسوأ منه من ضل سعيه، و تلبست به الأوهام، فالمصلحة عنده هي ما وافق هواه، وجر عليه نفعا، والمفسدة ما خالف تلك المصلحة.
ومن هؤلاء أيضا قوم تنكروا لدينهم، و سارعوا في هوى خصوم هويتهم، وهم لا يألونهم خبالا بالآراء التي تدعو إلى مخالفة الشريعة، و هتك لباس العفاف.
( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) .
ألم يتبجح فرعون بأنه على نهج الإصلاح، وأن موسى ما ظهر ولا تظاهر إلا ليفسد في الأرض، ويهدم الثوابت، وينقض الأمجاد؟ !
كذلك سيوجد في كل زمن من يرفع شعار الإصلاح، وهو كاذب في مسعاه، واهم في ظنونه.
وهنا نقطة لا بد من إثارتها: إن بعض الإصلاحات الجزئية قد تظهر على يد قوم مفسدين، بفضل مواهبهم وكفاءاتهم، وما ينكر ذلك أحد، ولكنهم بتهتكهم وفسادهم يغرون من تحتهم، فيضرونهم من حيث يتوهمون أنهم ينفعونهم.
إن الإصلاح خطة عامة، ورؤية مجتمعية، فإذا غلب الإصلاح، والتف الناس حول دعاته، غمر نفعه، و لم يضره فساد جزئي مبثوت هنا وهناك، كما لا يضير المصلحين حينئذ الاستعانة بخبرات بعض الفاسدين، والإفادة من مواهبهم، واستثمار قوتهم( وإن الله لينصر الإسلام بالرجل الفاجر).
وهذا كما أن الصالح في نفسه، العديم الخبرة، إذا استعمل في مرفق عام قد يكون وبالا وشراً، ولا ينفعه إخلاصه ولا حماسته.
و عبارة ( القوي الأمين) تشرح هذه المفارقة، وتبين أن الإصلاح لا يتأسس بدون قوة واقتدار، ومواهب عالية، و جرأة على الاختراق، وأمانة تستجيش حس المسؤولية التاريخية في رتق الصدع، و الرقي بالمجتمع في مدارج الصلاح.
أعسو المصطفى
باحث بسلك الدكتوراه بجامعة ابن زهر بأكادير.