من يدلني على بيتي ؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

من يدلني على بيتي ؟

أكتب هذه الكلماتِ ربما بعد مٌضي وقت طويلٍ على حادثة الطفل عمران , لكنني لا أنفَكٌ أرى عمراناً فى كل صورةِ خرابٍ و دمارٍ أراها , فى كل مقطعٍ أتحاشى رؤيته حتى لا ينخرٌ العجز عظامي نخراً , فى كل مرةٍ ينعقد اللسان فيها و تذهب الكلمات الى فضاءٍ سحيقٍ لا رجعة منه ولا يبقى الا الصمتٌ و الانتظار فلا الصمت يٌبرؤ ولا الانتظار ينقضي ..

  نشر في 01 أكتوبر 2016 .

جَفً الزٌلال من بين عٌقلِ أصابعي حين ضغطت على زر المشاركة و من ثم قال لي الفيس بوك " قل شيئاً عن هذا .. " .. حينها لم أدرِ ماذا أقول و لِم كل ما أستطيع فعله هو أن أقول ؟ .. و كيف أٌوفي بالكتابة حقً ما رأيت ؟ .. لا تجرونني الى الكتابة جراً , أزرار لوحة المفاتيح أصبحت كالنصال العارمة لا أستطيع كبسها دون أن يتفصد الدم من ابهامي , دعوني أٌرفق مع المقطع صراخاً .. أو أحطم كل ما حولي , خذو بيدي الى ذلك الطفل أينما كان و ضعوها على رأسه .. دعوني أتحسس ذلك الدم الجاف على شعره و جبهته علًني لمرة واحدة فى حياتي أفعل شيئاً غير أن أقول .. جفت منابع القول و تحطبت الحٌلوق , توقفو عن وضع أصابعكم داخل حلقي فلن تجدو شيئاً , أٌفرغت الكلمات منذ أمدٍ بعيد .. أٌفرغت كالقئ ينسالٌ فيذوب فتبخره الشمس بعد ساعات .. أٌفرغت ككيس قمامةٍ قادحٍ تفوح منه رائحةٌ النتن .. كنا كثيراً ما نقول .. كنا لا نفعل شيئاً غير أننا كنا نقول , يغلي الدم فى رؤوسنا , يهرع عبر عيوننا و أجوافنا و صدورنا الى أصابعنا فنكتب و نكتب , نشجب و ندين و نسب و نلعن .. صفحاتنا كنا نظنها منابرَ شاهقةً تحت ظلها سوف تتراكم جثث السفاحين يعلو بعضها البعض شاخصةً أبصارهم نحو جحيمهم المنتَظر .. كنا نظن أن هناك من يسمع كنا نظن أننا بطريقةٍ ما لا يعلم كنهها الا الله سوف نشكل ضغطاً على أولئك القوم .. كنا نظن أن نشر المقاطع و الصور سوف يستميل القلوب ويستدر الدموع من العيون , ذهبت الكلمات سديً و تلاشت كشهاب حييٍ يسطع للحظةٍ قبل أن يختفي فلا ينتبه أحدٌ لظهوره .. كنا كثيراً ما نقول .. كنا لا نفعل شيئاً غير أننا كنا نقول .. 

كنا نرى حَمارَ الدماءِ يلمع تحت ضوء شمسِ الشام التى لطالما لمعت تحت ضوئها ثمار الكرز و العنب فتٌعاق عقولنا كأنما هُوي عليها بشومٍ صلدٍ فتوقفت عن العمل .. كيف لهذا الانسلاخِ أن يحدث ؟ كيف ينام انسانٌ فى احدى جنان الله فى أرضه ثم يصحو فاذا هي خاويةٌ على عروشها ؟ و بدون أسبابٍ مقنعة , جنونُ صار واقعاً و وجب عليك أن تتأقلم أو تموت أو تهاجر اذا كنت تملك رفاهية الهجرة .. 

لو كنتٌ رأيت صورة ذلك الطفلِ قبل خمسة أعوامٍ ربما كنت سأكتب فى خانة ال " قل شيئاً عن هذا " شيئاً يٌفطر القلب , أو ربما كنت سأسب أي شئٍ و كلً شئ حتى يراني البعض قد تماديت فى الأمر و أضعتُ وقاري أمام العامة , ربما كنت سأتمالك أعصابي و أوجه سيلاً من الأسئلةِ البريئة التى لا نفع منها ولا ضرر ك " لماذا يحدث هذا ؟ , و ما حكمة الله فى كل هذا ؟ , و لماذا يدفع الأطفال الثمن ؟ و متى النهاية ؟ " .. ربما كنت سأعلِق عجزي على رؤساء العرب و حكوماتهم و مؤيديهم فيخمَدٌ هياجي و يبرد اللهيب المضمر فى صدري وأنام مرتاح البال كأنما قد ضمنت عند الله رخصةً تعفيني من سؤاله .. أنام منتظراً جحيم الله المنتظَر الذي سيدرأ أولئك الطغاة عن عباده .. سنةً واثنتين وثلاثةً و أربع .. وجحيم الله لا يأتي 

الآن بعد خمس سنواتٍ من اللاشئ , بعد أن صار الجنون روتيناً و جفت الدموع فى أعين المنكوبين تحت غارات القصف فما عادت تنسال دموعهم و هم يستخرجون بقايا أطفالهم من تحت الركام ، الآن أكتب ؟ الآن أصرخ ؟ بعد أن كف الأطفال عن الصراخ و النحيب ، تندك منازلهم فيتهادون كالطيور المذبوحة الى حيثٌ رفاتِ غرفهم ، تمتد أياديهمٌ الصغيرة الناعمة تحت خشونةِ الحجارة ليبحثو عما تبقى من قصف تلك الأشباح التي يسمونها طائرات .. من يٌسيرها فى السماء لتقصفنا ؟ يقولون أنه الرئيس .. لماذا يقصف الرئيس غرفتي ؟ لماذا يقصف الرئيس دٌميتي فيمزقها حتى أكاد لا أتعرف على وجهها ؟ .. لماذا يقصف الرئيس كراستي و قلمي و كرتي ؟ .. اتركو أقلامكم و كفو الكتابة عني , أغلقو صفحاتكم و أحضرو لي دميتي و كراستي  و قلمي  و كرتي .. أحضرو لي بيتي , لا أريد شيئاً سوى بيتي .. من يدلني على بيتي ؟ من يحمل الي الورودَ , من يملأٌ أكواب البٌحور , يسكٌب فى صَوتي النجومَ , لقد أطفأو الأضواءَ بدًلو الشاراتَ هدمو الجسور أحرقو الأشجار .. من يدلني على بيتي ؟ .. 
أكتب هذه الكلماتِ ربما بعد مٌضي وقت طويلٍ على حادثة الطفل عمران , لكنني لا أنفَكٌ أرى عمراناً فى كل صورةِ خرابٍ و دمارٍ أراها , فى كل مقطعٍ أتحاشى رؤيته حتى لا ينخرٌ العجز عظامي نخراً , فى كل مرةٍ ينعقد اللسان فيها و تذهب الكلمات الى فضاءٍ سحيقٍ لا رجعة منه ولا يبقى الا الصمتٌ و الانتظار فلا الصمت يٌبرؤ ولا الانتظار ينقضي .. 


  • 2

   نشر في 01 أكتوبر 2016 .

التعليقات

شادي خضر منذ 8 سنة
عاش ياعثمان ،. هايل
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا