حينَما تكون القِراءة نوعاً مِن الرّاحة والسّعادة، ورِحلةً تأخذكَ لاستِكشاف الكون، تَجلس فَوق بساط ريحٍ يَجول بِكَ حَول العالم، لِترى الحَياة مِن مَنظورٍ أدَبيّ، فتَفتح لكَ الكُتبَ ذِراعَيها، وفيها تَكون أسيرَ جَمال اللُّغة، حيثُ تأخُذكَ بِمُفرداتها إلى عالمٍ آخر غيرَ القابِعَ فيه، رِحلة عَبر الزّمن إلى الماضي والمُستَقبل، حيث الحَضارات والثّقافات الأُخرى، وتُهديكَ مَعلومات جمّة، هُنا تَرى أثر القِراءة على ذاتِكَ وعَقلكَ وسَير حَياتك.

فَإنَّ لِلقراءة أثرٌ في انحِسار الظّلام في عقُولنا وزِيادة الوَعي والخبرات، في إدراك الواقِع أكثر، في بِناء المُستَقبل، في تَحقيق الأحلام، في اكتِشاف عَوالِمَ وعصورَ خفيّة، في البَحث عَن مَكنونات الأرض والسّماء، في مَعرفة سِرّ الحَياة، في أنَّ قِصص الدُّنيا مُتشابِهة رُغمَ اختِلاف أزمِنتها ومُجريات أحداثها، في أنَّ الواقِع يُمكِن أن يَتغيّر والإنسان أوّل مَن يُحدّث هذا التغيّير حين يَبدأ بِذاته، في أنَّ لِلقِراءة أثرٌ في النّجاة مِن ساعات المَلل ومَلئ الفَراغ وزِيادة الحَصيلة اللّغويّة، وغير ذلِك الكَثير مِن الذي يُمكن لِلقراءة فِعلهُ على الأفراد والشُّعوب والمُجتَمع في انفِتاحه واتّساع آفاقه.

ومِن خِلال القِراءة نتَعلّم الصّبر والهدوء وتَقبُّل الواقِع والسّعي لِلأفضَل، نتَعلّم تَهذيب النّفس وانتِقاء العَلاقات، نتَعلّم كيفَ نَرتَقي بِأسلوبنا وحَديثنا وتَعامُلنا مَع الآخَرين، وتُساعِد في تَطوير الكِتابة وتُوسيع نِطاق الفِكر والخَيال وتَعديل المَفاهيم الخاطِئة وتَوضيح الحُرّيّة الفِكريّة بِمَفهومها الصّحيح.

ولِما لِلقِراءة مِن تأثير إيجابي كَبير، فقَد دَخلَت في العِلاج الطبّي مُنذ القِدَم، وذَلِك يُساعِد في العِلاج البَدني والنَّفسي والعَقلي، مِن خِلال إعطاء روشتّة قِراءة، تَكون بِها مُقتَرحات كُتب أو مَوادّ قِرائيّة مُختارة كوَسيلة عِلاجيّة، وتُوصَف لِلمَرضى الرّاقدين في المُستَشفَيات الّتي بِها مَكتبة طِبيّة، وكان هذا عِند المصريّين القُدماء واليونانيّين والإغريق وتَبعتهُم بَعد ذَلِك أمريكا و أوروبا، واعتِمادُها في المصحّات العَقليّة لِما لَها مِن دَورٍ مُهم في تَيسير الشِّفاء، وأوّل الكُتب الّتي كان يَنصَحُ بِها الأطبّاء المصريّون هوَ القُرآن الكَريم ومِن ثُمَّ كُتب سِيَر الأنبِياء، ومِن أنواع الكُتب أيضاً قِصص الخَيال العِلميّ، والشِّعر، والإرشاد الذّاتيّ وآداب السّلوك، وهذا العِلاج يُسمّى “عِلم البِبليوثيرابيا Bibliotherapy” أي العِلاج بِالقِراءة أو العِلاج بِالكُتب وهوَ مِن فروع عِلم المَكتَبات.

وفي النِهاية فإنَّ الاستِمرار في التّعلُّم مَهما بلَغ الإنسان مِن العُمر يَقي مِن الجهل، والقِراءة تَجعَل مِن الشّخص حَكيماً مُدرِكاً لِأُمور الدُّنيا، حيث أنَّ القِراءة كَشُرب الماء العَذب تَروي العَقل والرّوح، لِذلِك عَلينا أن نُدرِك أهميّة الكُتب والمُطالعة وأثرها الإيجابي.

يَقول وضّاح بِن هادي في كِتابه وَقت الكِتابة:

“لَن تَتحوّل القِراءة إلى أن تُصبح جُزءاً لا يَتجزّأ مِن جَدولتكَ اليَوميّة; ما لَم تُعايش الكُتب، وتُزيل كُلّ الأوهام والأعذار الّتي تَقِف حاجِزاً بَينكَ وبَينها، وحينَها ستَعيش المُتعة الحقّة، وتَلمِس الفَرق الكَبير الذي ستُحدثه القِراءة على مُستَوى تَفكيركَ، أو قَراراتكَ، أو حتّى نَظرتكَ لِنفسكَ ولِلحَياة مِنحَولك.”.

"رُوَند عَمريطي"