رسالة أخرى لن تصلها - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

رسالة أخرى لن تصلها

  نشر في 24 نونبر 2022  وآخر تعديل بتاريخ 25 نونبر 2022 .

الحادية عشر و دقائق عدة مرت من صباح يوم بارد جدا ..

كما لم يعودنا من قبل تشرين هته المرة قارس، غاضب و متجهم الملامح .

الرياح لاتكف عن جلد الأشجار و تعريتها من الأوراق دون أن تستحي،بعنف تهزها و تتركها بالنهاية للصقيع و البرد تماما مثلما فعل فراقك معي، و تركني للوحدة تنخر روحي المتعبة ببطء.

أمام شاشة التلفاز أترقب بداية مباراة كرة القدم لفريق لا يعنيني، و لكنه يعنيك أنت.

أعرف أنك تشاركيني دقائق الإنتظار القصيرة التي تسبق المباراة، و التشويق و الحماس نفسه و الخوف من الخسارة أيضا .

لقد مر الكثير من الوقت و السنوات على آخر حديث لنا، على آخر شيء تشاركناه معا على آخر مقطع من فيلم او مسلسل أغريتني بمشاهدته.

مضى الكثير أيتها الشقية ..

ربما أعزي نفسي هذا الصباح بفكرة أننا و بعد غياب طويل نتشارك الشاشة نفسها

أنت تشاهدين نفس المشهد

لأول مرة و بعد غياب طويل يمنحني القدر فرصة لأراك رغما عنك ..

أتخيلك و أنت تقفزين أو تصرخين من ضياع فرصة لتسجيل الهدف الأول ..

تسعدين مثلما أسعد هنا ..

أتدرين ؟

أنا الآن آخذ دور المدافع تارة و المهاجم أخرى بين الكثيرين ممن برمجهم الإعلام اللعين و جعل منهم آلات مشحونة بالكره إتجاه أوطان عربية شقيقة لم تفعل لهم شيئا.

أوطان لا دخل لها بسياسة و ألاعيب الحكومات العفنة .

أصارحك القول:

البعض هنا يتمنون لمنتخبكم الوطني الخسارة، إلا أنا أدافع عن وطنك بشراسة و كأنه وطني، أدافع عنه باستماتة.

أنت أول ما يخطر ببالي عند ذكر المغرب.

أنت دون غيرك، لوحدك تغطين عن كل تلك المساحة الشاسعة، أنت الشمال و الجنوب، أنت مراكش و كازا و فاس و الدار البيضاء و كل شبر أنت .

تتسللين عنوة بداخلي دون إذن، تخلطين أوراقي كل مرة .

بكل جموحك و كبريائك تتوغلين بعقلي و قلبي و تخترقين أبواب ذاكرة لا أريد فتحها،بل أصارع نفسي لسد كل الثقوب و الثغرات في وجه رياح الذكرى ..

أشاهد المباراة مستمتعا بكل لحظة و كأنك بجنبي و أتفاعل مع كل لقطة.

ما أوقنه بهته اللحظة، هو أنك تنظرين إلى نفس المشهد، أي حظ هذا الذي نصرني و أنصفني بهذا اليوم ..

ليأتي بك بعد كل محاولات الهرب و التلصلص الخفية.

أنت هنا اليوم مرغمة على البقاء برفقتي لساعتين أو أكثر ..

كنت تنتظرين بداية المبارة بفارغ الصبر

أما أنا فكنت كمن يجهز نفسه لحضور موعد مهم.

كنتِ صاحبة الدعوة و كانت الشاشة طاولتنا المشتركة .

أنظر إليك من خلال شاشة التلفاز في لهفة، شاشة الزمن الذي أنتقل عبرها إليك راكضا

مُرغَمة أنتِ على التصفيق

مرغمة على القفز بكل عفويتك اليوم

أراك تضحكين، أراك تغضبين من أحد اللاعبين على إضاعة الفرص .

أتساءل في حيرة مني:

يا ترى أمازال صوتك مرهفا يحمل في بحته أوطانا عدة، أمازال كمراكش دافئا ،لافتا، صاخبا و مميزا .

ما زلت تسرعين الحديث أم تتمهلين في غيابي ؟

إنتهى الشوط الأول بالتعادل ..

لا أحد استطاع الضفر بهدف في شباك الآخر، عكسك تماما، أنت التي سددت بشباكي كراتك و ضرباتك كلها، دون أن تبالي أو تتساءلي

كيف و ماذا سيحدث لي بعد نهاية المباراة؟

لقد فُزتِ بكل المباريات معي و تركتني لأجمع كل الخسائر بنهاية المشوار .

أنا اليوم سلسلة الهزائم، أنا كل الكرات الضائعة التي أخطات المرمى، أنا صافرة النهاية، و الخاسر بكل جولة ..

و أنتِ من استحق كل الكؤوس في النهاية .

إنتهى الشوط الثاني أيضا ..

ست دقائق من الوقت بدل الضائع من الشوط الثاني، هذا ما قالته تلك اللافتة المضيئة.

ست دقائق قبل نهاية الموعد..

مر الوقت بسرعة ..

سوف ترحلين مجددا .

و أضل أنا أنتظر بكل صبر و تجلد قدوم يوم آخر ..

أنتظر مباراة أخرى ..

لا أدري متى سأكف عن هذا الإنتظار اللعين، أم سأمضي حياتي هكذا في إنتظار الراحلين ؟

في حيرة ممزوجة بالحزن و قبل الدقائق الأخيرة من نهاية المباراة.

أسألني:

يا ترى هل أنا الوحيد الذي أتذكرك؟ أم هي ذاكرتي القوية تحتفظ بكل ما يؤرقني .

لا أدري.

يقول أحدهم متأسفا على عدم تلقي منتخبك أي هدف .

و أصرخ في وجهه منتفضا، لماذا تقول هكذا؟

لآخر لحظة مازلت أدافع عنك و عن أوطان هي وطني و سأضل.

تعرفينني جيدا، أنا الذي لا أملك حدودا بخرائطي.

هذا ما قلته لك ذات يوم و هذا ما أحاول أن أذكر به الجميع .

أحمل كوب القهوة ببطء .

ارتشف قليلا منه و أعيده فوق الصينية الحديدية و أواصل مشاهدة الثواني الأخيرة من المباراة بحب و أنا موقن أنك تحملين بين أصابعك الرقيقة كوب شاي ساخن

تستمتعين بارتشافه ببطء و ربما تفكرين بي أيضا .

لا أعتقد ذلك..

أنا المجنون الوحيد بك

ست دقائق إضافية، مرت بسرعة دون أن أحس بها .

و ها أنت تغادرين الطاولة و تغلقين الشاشة بوجهي

إنتهى الموعد و أنت سعيدة جدا

سعيد لأجلك و حزين لأجلي كثيرا.

أسألني للمرة الألف:

لماذا افترقتا؟

بعدما حفظتُ كل تفاصيلك، بعدما تشاركنا نفس الدروس و ارتدنا المدرسة ذاتنا

لم تكن الأسباب كافية للدفع بقصتنا تحت سكة الفراق .

إطلاقا لا .

كيف فَعلتُها؟

و كيف فَعلتِها أيضا ؟

مازلت أحبك، و مازلتِ تفعلين أيضا

أعرف ، فكلنا نرهق أنفسنا بمحاولات فاشلة للنسيان و التناسي و الإنكار .

دون جدوى.

إلى لقاء لن يكون .

رسالة أخرى لن تصلها

13:25

#موساوي عبد الغني 


  • 1

  • Abdelghani moussaoui
    أنا الذي لم يتعلم بعد الوقوف مجددا، واقع في خيبتي
   نشر في 24 نونبر 2022  وآخر تعديل بتاريخ 25 نونبر 2022 .

التعليقات

ابداعك شيق وجميل ، ولغتك ماتعة ، وسردياتك عميقة .. دمت متألقا كعادتك .
1
Abdelghani moussaoui
جمال ذوقك أستاذنا القدير، أشكر دعمك و تشجيعك الدائم ، مودتي و تقديري♡

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا