عُد إلى الجحيم .. ونعمَ المصير (2) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

عُد إلى الجحيم .. ونعمَ المصير (2)

  نشر في 24 فبراير 2016 .

_4_


الشيء الوحيد .. الذي برغم كل ما عاينتُه في الجحيم .. ما كان يغيبُ عن ذهني يومًا ..

طوال فترة جلوسي في الجحيم .. كنتُ أسأل الطيفَ مرة في اليوم على الأفل .. ترى كيف حالُ ذلك الطفل ؟

ترى كيف شكله الآن ؟

هل يكبر بصحة جيدة ؟

هل يتناول طعامًا جيدًا ؟

هل تقرأ له أمه يوميًا قصة قبل النوم ؟

هل يحتضنه والده لدى عودته من العمل ؟

هل لديه أصدقاء ؟

هل يذهب إلى المدرسة ؟

هل أصبح رائد فضاء كما كان يحلمُ منذ السادسة ؟

اللعبة التي وعدها بها والده .. هل جلبها له ؟

موعد الحديقة كل خميس .. هل لا زال محافظًا عليه ؟

والأقلام والألوان والألبسة .. وكل تفاصيل ذلك الطفل .. لم أستطع أن أنساها

وبكل أسف .. لم أستطع أن أراه .. ترى من سأسأل عنه اليوم ؟

ترى هل هناك من أحد يعرفه ؟ هل هناك من أحد يذكره ؟

هل هناك من أحد .. لا زال يعني له شيئًا ؟ ..

على كل الأحوال .. لا زال الطيفُ يرافقني .. سأسأله عنه .. أنا أثقُ به .. إنه الشيء الوحيد الذي أثق به.


_5_


مرت عليّ فترة تقاربُ الأسبوع .. أتمشى في الشوارع .. أتنقل بين المحالّ والباعة ..

ألتقي بأشخاص يُقال لهم عائلتي .. ألتقي بأشخاص جدد ..

حياة .. سعادة .. دراسة .. مستقبل .. عمل .. عطلة .. رحلة .. حفلة ..

باختصار .. لقد كان لديهم طوال الثلاثين عامًا .. عالمًا منفصلًا تمامًا عن الجحيم ..

ولماذا ؟ .. هل كانوا أفضل منا ؟ هل كانوا أصدق منا ؟ هل استحقوا الحياة أكثر منا ؟

هل لم نكن نعني لهم شيئًا ؟؟ لكي يتزوجوا وينجبوا ويحيون حياة كريمة في الوقت الذي كنا فيه نصارع الموت في السنة اثني عشر شهرًا

وفي الشهر ثلاثين يومًا

وفي اليوم أربعة وعشرين ساعة

وفي الساعة ستين دقيقة

وفي الدقيقة ستين ثانية .. وفي الثانية ملايين الأجزاء من الثانية !

ألم يكن منهم شخصٌ واحدٌ يفتقدنا .. يذكرنا .. يدافع عنّا .. ينادي باسمنا .. يصرخ لأجلنا !! يثورُ لأجلنا !!!! يموت لأجلنا !!!!!!

ولماذا ؟؟

لماذا يحيا في بلدٍ واحد .. وعلى أرضٍ واحدة .. مئاتُ الآلاف منّأ .. ومئات الآلاف منهم ؟

لماذا نحزن ويفرحون .. لماذا نمرض ويشفون

لماذا نُقتل ويولدون

لماذا نموت ويحيَون !

على أرض واحدة .. وتحت سماء واحدة .. نعيش نحن وهم .. لماذا ؟!

لقد كنتُ أظنّ أني باختطافي .. ومنذ ذلك اليوم .. انتهت دولتنا .. وانتهى كل شيء .. ومات الجميع

ليس من أجلي فحسب , بل من أجل مئات الآلاف ممّن عانوا معي .. ولأجل مئات الآلاف ممّن ماتوا معي ..

ولأجل مئات الآلاف ممّن قُتلوا معي .. كان على الجميع أن يحرّرنا .. أو أن يموت

أو .. وذلك الخَيار الأكثر منطقية


_6_


أن الدولة لم تخلق لنا .. ولا الشمس ولا القمر ..

ولا الهواء ولا الماء

ولا البحار ولا الجبال .. ولا حتى الغيوم

لا شيء منها لم يخلق لنا .. إنما خُلق لأجلهم هم

ولأجلكَ أنتَ ..

أمّا نحن .. فقد خُلق لنا الجحيم ..

ولأني اشتقتُ لموطني الذي خُلقتُ لأجله ..

ولأني سئمتُ الغربة في عالم ليس لي

ولأني كرهتُ نفاق سكانه .. ولأني علمتُ أني ومئات الآلاف لا شيء ..

سأعود إلى الجحيم

لكن هذه المرة .. سأعود بإرادتي لا مخطوفًا

سأعود في السابعة والثلاثين لا السابعة

سأعودُ حلمي الوحيد .. أن يحتضني الجحيم .. لا أن يحتضنني العالم بأحلام الطفولة

سأعود هاربًا إلى هناك لا من هناك ..

سأعود إلى المكان الوحيد .. الذي علمتُ أنني أنتمي إليه ..

خرجتُ إلى أحد الشوارع المزدحمة في العاصمة .. وصرختُ بأعلى صوتي "فليمت الرئيس" ..

لم تمرّ لحظاتٌ حتى لبّت الشياطين ندائي .. لم يتوانى شيطانٌ واحد عن رفسي وضربي وطعني ..

وأخذوني معهم .. لكن , ليس إلى الجحيم

أو لنقل .. لا أدري إلى أين ..

المكان هنا مختلف .. إنني لا أرى فيه سوى الأطياف ..

إنني أسألها .. وهي تجيب ..

هاهي أجابتني عن الطفل !

إنني أنظر إلى المرآة .. إنني أراه !

لقد عاد إليّ من جديد ! لقد نزعت الأطيافُ رداء العجوز ذو السابعة والثلاثين

إنني أضحك معهم ! إنني آكل معهم ! إنني أتكلم معهم !

إنني أحيا ! وأتشارك الحياة معهم !

إنني وللمرة الأولى ..


إنني سعيد.


_انتهى_


  • 1

   نشر في 24 فبراير 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا