أكبر دليل على أن التنظيمات العالمية "الأصولية المتشددة" كداعش ومن قبلها القاعدة هي مجرد اصطناع، هو ذوبان ذكرها في سيرورة السرد التاريخي والإعلامي للأحداث بعد التخلص منها ، أبسط متابع يستطيع أن يتبين أن هذه التنظيمات تظهر فجأة بشكل شاذ بعيدا عن أي سياق ملائم، تنمو كفقاعة بين سيرورة الأخبار ثم تنطفئ مرة واحدة كأنها لم تكن، فينعدم ذكرها في كل التحليلات اللاحقة ويتم تجاهلها سواء عمدا أو عن غير قصد، لكنها أبدا لا تشكل نسقا في التتابع الزمني المعهود الذي يمكن أن يكون لأي كيان فاعل عادي ..
في 2004 كانت المقاومة العراقية تبلي بلاء حسنا في الأشهر الأولى من الاحتلال الامريكي، لنُفاجأ دون سابق إنذار بوثائقي على إحدى القنوات العربية يوثق أكبر قفزة "جهادية" في التاريخ تحت عنوان "الزرقاوي من هيرات إلى بغداد" ..القفزة التي سحقت فصائل المقاومة العراقية وأنهتها على عجل ..ثم كُتب بالبنط العريض تحت صورة فتوشوبية " مقتل الزرقاوي".
حتى أفريل 2013 لم يكن أحد يسمع بشيء اسمه الدولة الاسلامية في العراق ..باعتباره امتدادا للتنظيم " الجهنمي" الذي قاده الزرقاوي ضد العالم أجمع، ولم يكن له أي نشاط نهائيا إلى حين انفجر كبركان وحمل أرتاله على غفلة من التاريخ إلى سوريا أين كانت المعارضة تكاد تجهز على فلول النظام، وكانت داعش حصان طروادة بامتياز وأدت مهمتها في تشتيت المعارضة على أكمل وجه، والآن تتم تصفيتها كأي ورقة خريف تتخلص منها أمها على عجل ..
من جهة أخرى، التهافت الإعلامي حول شخصيات التنظيمات هو بدوره يفضح زيفها، وأبسط مثال على ذلك الظواهري الذي كان رأسه يزن 25 مليون دولارا ، ثم ما لبث أن أصبحت تسجيلاته تُصنف في خانة اللا حدث بعد نبوغ نجم داعش ..
لا أحد الآن يتحدث عن بن لادن ولا عن الظواهري ولا سيف العدل المكاوي ولا أبو مصعب الزرقاوي وأبو قتادة و ابو حمزة المصري وابي محمد المقدسي وقد كانوا من قبل شيوخا وقادة ومنظرين لهم ثقلهم الإعلامي والتنظيري في التيار السلفي الجهادي ..حتى حذيفة نجل الشهيد عبد الله عزام الذي كان نجما على قناة العربية لفترة مرت لم نعد نسمع تنظيراته منذ ذاك الزمن البعيد ..
من تابع تطورات الأوضاع أيام القاعدة وذاك التهويل الإعلامي الذي صاحبها بجيليها الأول والثاني يستحيل عليه أن يسلم بأمر انتهائها بسذاجة مسرحية سمكة القرش، ولا يمكنه بحال استيعاب الانتقال المفاجئ نحو تنظيم آخر أكثر غموضا وأكثر همجية، لأن المنطق يقضي بأن كيانات مسلحة بهذه القوة وهذا الحجم لا يمكن أن تنخمد بين ليلة وضحاها، و لأن التاريخ يشهد بأن التنظيمات القوية تترهل عبر أجيال وليس بين شهر أو شهرين، ولأن العقل لا يسلم إلا بتراكمية الأحداث وتراتبيتها، فكل تنظيم بمثل قوة داعش والقاعدة المزعومة لا بد على الأقل أن يترك بصماته وآثاره على منعرجات الأحداث ويترتب عن معطيات أخرى حتى بعد اندثاره ..
لكنه الوهم لعن الله صانعيه وأعان ضحاياه..
-
فاطمة بولعناناليوم حرف وغدا حتف
التعليقات
خلاصة القول أنه صحيح أن هناك دول كثيرة متورطة في تمويل الإرهاب لكن يجب أن نعلم أن بذرة الإرهاب موجودة عندنا نحن في التفسيرات الخاطئة لتعليمات الدين و أيضا في الفساد و الظلم و الجهل الذي يجعل الناس ترتمي في أحضان الإرهاب .
_وكم تمنيت لو انك اطلتي ولو قليلاً حديثك حول تاريخ داعش_ " في صدر المقال"
أوافقك الرأي في أن داعش من الصعب أن تنتهي في شهر او شهرين ، أيضاً أشكرك على جعلي أبحث أكثر ،واغوص معك في عوالمك التي تكتبين عنها، كوني لا اكتفي بالمقال فأبحث عن الموضوع واقرأ لأكون نظرة شخصية عن كل مقال لكِ خصوصاً السياسة والتقنية . مبدعه ورائعه كعادتك.