《ومن أوفى بما عاهد عليهُ الله فسيؤتيه أجراً عظيماً》         الآية ١٠ من سورة الفتح

《قال أرأيتَ إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيهُ إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً 》  الآية ٦٣ من سورة الكهف

لقد حاول المُتشكّكون والطاعنون في القرآن الكريم إختلاق العديد من الإشكاليات والأسباب الواهية لصنع حالة من الريبة في النفوس الجاهلة ، ظناً منهم النَيل من صحة وسلامة القرآن الكريم من أي عيب أو نقص ، من شأنه أن يُقلل من قيمة مكانته وعظيم أثره لدى نفوس المؤمنين به.

تلك المطاعن التي وجهّها الطاعنون ضد القرآن إن كانت عن جهل غير مقصود يخلو من أي تدّبر أو وعي ، أو كانت عن علم مقصده استقطاب الغافلين أو زحف المستضعفين ، إلا أن تلك المساعي - وإن لم تكن حثيثة - الرامية على أرض الواقع تبوء بالفشل . وذلك لأن للقرآن رجالاً حملوا لواء الدفاع عنه مُلمّين بضوابط وطبيعة الزمان والمكان ، أسلحتهم في تلك المعركة التَدّبر والتَفقّه والتخلُّق بالليَن وعدم الفظاظة والغلظة في الردّ على تلك الشُبهّات ، وذلك مصداقاً لقول الله :《 فبما رحمة من الله لِنتَ لهم ولوكنتَ فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك 》١٥٩من سورة آل عمران

لقد استُهل ذلك المقال بآيتين من مُحكم آيات القرآن الكريم ، هاتان الآيتان يتضمنان إشكاليتان ألا وهما : لفظ (عليهُ ) في الآية الأولى ، ولفظ ( أنسَانِيهُ ) في الآية الثانية .

* لفظ عليهُ في الآية الأولى: 

لقد كان طعن المتشككين في تلك الآية من حيث الضمة الموجودة فوق هاء الضمير في لفظ عليهُ ، وقد جاءت مزاعمهم أن (عليهُ) جار ومجرور ، والأصح من الضم هو الكسر .إلا أن ذلك الطعن واهي ويعتريه الزيف والبهتان.

إن تلك القراءة هي لغة قريش وهي تتبع بناء هاء الضمير على الضم دائماً ، لأن الأصل هو بناء الضمير على الضم وليس الكسر ، تماماً مثل لفظ (لهُ) و(منهُ) و(بهُ) .

وقد كانت تلك القراءة في رواية حفص عن عاصم ،  ووردت قراءة ضم الهاء وبنائها على الضم مرتين فقط في القرآن الكريم .

إن سبب إختيار تلك القراءة في رواية حفص استناداً إلى رأي الدكتور فاضل السامرائي إلى أمرين :

- أولاً : إن السبب الأول في اختيار تلك اللغة ، لأن الضمة أثقل من الكسرة ، كما أن الفتحة أخف الحركات ، ولما كان من ثِقل وعِظم ذلك العهد من بيعة المسلمين لنبيهم علي رفع راية الحق وإعلاء لوائه في بيعة الرضوان ، الأمر الذي كان له عظيم الأثر في صُلح الحديبية ومن ثم فتح مكة فيما بعده .

- أما السبب الآخر في اختيار تلك اللغة ، لأن الضمة تناسبت مع لفظ الجلالة ( الله ) التي من شأنها تعكس أجواء تفخيم العهد والمبايعة وإيثار نُصرة الحق وإزهاق الباطل على أرواح المؤمنين ، التي ما هي إلا ثمناً بخساً بالنسبة لهم أمام الإيمان ، إلا أنها عند الله عزيزة ومُقدّرة .

* لفظ أنسانيهُ في الآية الثانية:  

إذا كنا قد أشرنا في البرهان السابق على دحض مزاعم المتشككين سواء من حيث ثقل العهد أو تفخيم لفظ الجلالة ، فنجد هنا أن هؤلاء المدحضين يُخيّل إليهم من وهم إيمانهم أن تلك الآية بها من الخطأ ما يحقق مسعى زعمهم ، وذلك لخلو تلك الآية من أي عهد أو لفظ الجلالة.

إلا أن الردّ على تلك المزاعم يأتي من خلال شرح هَول الحدث الذي تم نسيانه . فكيف يتأتى الأمر بنسيان حُوت مطهي مأكول منه تدب فيه الحياة مرة أخرى  ويتخذ مساره وطريقه في البحر بسعي معلوم ، وذلك على مرأى ومشهد لابد وأنه يتسم بالدهشة والذهول ، إلا أن ذلك المشهد الذي رآه غلام موسى عليه السلام قد نسي أن يذكره لسيده أثناء حدوثه ، فكيف يستقيم هذا مع المألوف والصدق ؟؟؟

وبما أن ذلك الموقف يصعب نسيانه لصعوبة تصديقه ، لذا جاءت القراءة موائمة ومناسبة لحالة النسيان التي أصابت الغلام ، فهي من أندر حالات النسيان.

لذلك جاءت تلك القراءة بالضم بديلاً عن الكسر لثِقل الموقف وصعوبة تصديقه ونسيانه . لذا أرجع الغلام ونَسَبَ سبب النسيان إلى الشيطان ، حتى يكون العذر قوياً ومبرراً ومقبولاً .

وأخيراً نقول لهؤلاء الزاعمين ...........

عزائمكم لا تقوى على محاربة القرآن  ببيّنة وحُجة ، لذلك تحاولون توجية سهام الزيف والإفك في ثوب يصطبغ ظاهره بالقواعد اللغوية ، وباطنه الإحجاف والظلم ، غافلين متغافلين طبيعة اللغة القُرَشَيَة وغيرها من القبائل العربية ، والتي بها من الاعراف والإعتياد الكثير والكثير التي نزل بها حال لسان القرآن  .

بقلم / دكتورة فاتن ناظر