يحكى أن مدهوش ابن دهشان عضته أنياب المجاعة، وطحنته أضراسها حتى عاد كالعرجون القديم. فهام على وجهه في الصحراء الموغلة في فراغ الجفاف لعشر سنوات عله يتعثر بما يسد أوده وينقذه من أنياب المجاعة وأضراسها. وكان أن التقى في أحد الأيام المنسية بفأر يقضم جذرا من مخلفات السنوات العجاف. ولأول مرة منذ أمد تحرك اللعاب اليابس في فم مدهوش، وطلب من الفأر قضمة. فصرخ فيه الفأر مكشرا عن أنيابه: “على جثتي وجثث عشائر ميكي ماوس في جميع أنحاء المعمورة!”. فما كان من مدهوش إلا البكاء بلا دموع استجداءً، فرد عليه الفأر محتقراً: “لو كان في جسمك ما هو أقل جفافا من هذا الجذر لقطعتك إرباً”. لم يجد مدهوش بداً من الدخول في صراع مرير دامٍ مع الفأر للحصول على قضمة الحياة. وبين كر وفر، وإقبال وإدبار، وتحيزا لقتال إختفى الفأر فجأة. لم يعلم مدهوش كيف وأين اختفى الفأر؛ هل دفن بين رمال الصحراء أثنــــاء العراك، أم قفز إلى فمه واستقر في بيداء معدته؟ للحقيقة هو لا يعلم. على كل حال انتهت المعركة وإنفض غبارها عن بقايا الجذر الجاف، فلم يصدق مدهوش ما يرى. اجتاحته نوبة فرح هستيرية أخذ على إثرها يرقص ويغني، ويغني ويرقص، واستمر على هذا المنوال بين هرج ومرج، ورقص وغناء أياماً وليالٍ حتى سقط ميتا بجوار بقايا الجذر الجاف.
للحكاية بقية: آخر الأخبار العاجلة من عالم الأرواح تقول إن مجمع الأرواح قد ضاق ذرعا بروح دهشان التي ما زالت ترقص وتغنى بشكل هستيري، ولقد قرر المجلس نفيها إلى عالم الأحياء المجانين...
-
إيمان مصطفي محمودبإختصار : كاتبة أدبية وصحفية ناشئة -في جريدة شباب مصر الإلكترونية وصحيفة الحوار المتمدن ومنصة هواء للكتابة الإبداعية وأنتلجنسيا للثقافة والفكر الحر وعضو ناشئ في جمعية تونس الفتاة بتونس