دروس اقتصادية من التاريخ الأمريكي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

دروس اقتصادية من التاريخ الأمريكي

  نشر في 13 غشت 2018 .

دروس اقتصادية من التاريخ الأمريكي
بقلم الدكتور: جون ستيل جوردون مؤلف كتاب”إمبراطورية الغنى: التاريخ الملحمي للقوة الاقتصادية الأمريكية”
ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

لا تزال أمريكا دولة فتية. إذ لا تفصلنا سوى 405 سنة عن أصولنا النهائية في جيمس تاون بفرجينيا بينما تبلغ بريطانيا وفرنسا 1000 عام والصين 3000 عام ومصر 5000 سنة. ولكن يا لها من 400 عام في التاريخ الاقتصادي لبني البشر


عندما ألقت سفن سوزان كونستانت وديسكفري وجودسبيد مراسيها في نهر جيمس في ربيع عام 1607 كان معظم البشر يحصلون معيشتهم بقوة عضلاتهم. كان متوسط العمر لدى الولادة حوالي 30 سنة وكانت الأوبئة تجتاح المدن وتكسح في طريقها الكبار والصغار بالآلاف. ينحو التاريخ عادة نحو الإسهاب عن نسبة صغيرة من السكان الذين يعيشون على رأس الكومة ولكن الأغلبية العامة من البشرية عاشت حياة بتعابير توماس هوبز “ قذرة وقصيرة ووحشية.”

نحيا اليوم في عالم لم يكن يتخيله من كان حياً عام 1607. وتتمتع أفقرعائلة في أمريكا اليوم بمستوى معيشة كان ليعتبر باذخاً قبل 400 سنة. وخلال معظم تلك الفترة كانت الولايات المتحدة متزعمة العالم نحو المستقبل سياسياً وإقتصادياً

يقدم هذا التحول الإقتصادي الرائع دروساً غنية فيما يجب عمله وما لا يجب عمله. وسوف أعرض لخمسة منها:

1-الحكومات أسوأ المستثمرين

عندما أعلنت شركة سوليندرا إفلاسها في الصيف الماضي تركت دافعي الضرائب على سنارة قرض بقيمة 535 مليون دولار قامت الحكومة بضمانه. وفي مثال على كيفية تبديد الحكومات لنصف مليار دولار بعد آخر وافقت الحكومة على تتبع الدين مع تردي مشاكل الشركة مما وضع دافعي الضرائب في نهاية الخط

إذا أعدنا النظر إلى الوراء نجد أن الدافع الحكومي لضمان القرض كان سياسياً: لرعاية الطاقة الخضراء وهي شغف اليسار. وتلك هي معضلة الإستثمارات الحكومية: يتخذ السياسيون قرارات سياسية ولا يتوجب عليهم قط إتخاذ قرارات اقتصادية فهم بالنهاية يتلاعبون بأموال الغير

يعج التاريخ بكوارث الإستثمار الحكومي. خذ على سبيل المثال مفاعل كلينش ريفر الذي أجيز عام 1971 بكلفة تقديرية آنذاك 400 مليون دولار. وصل المشروع إلى 8 مليار دولار قبل إغلاقه دون إكتمال عام 1983

وقبل ذلك بنصف قرن ظنت إدارة الرئيس وودرو ويلسون أنها قادرة على تصنيع صفائح تدريع لسفنها الحربية بسعر أدنى من من شركات الحديد

لم يتمكن المصنع الذي بنته الحكومة،بسعر فاق الميزانية المخصصة له بعدة ملايين الدولارات، من إنتاج أي صفيحة مدرعة بأقل من ضعف المبلغ الذي كانت تتقاضاه شركات الحديد. وصنع دفعة واحدة بيعت لاحقاً خردة وأقفل المصنع

وإذا عدنا إلى فجر الثورة الصناعية دعنا ننظر لسكة الحديد آري. وعد الحاكم دوايت كلينتون، في مسعى منه لنيل الدعم السياسي لقناة آري، مقاطعات نيويورك التي تحاذي بنسلفانيا(المعروفة بالصف الجنوبي) منفذاً خاصاً بها عند اكتمال بناء القناة. كانت القناة نجاحاً إقتصادياً باهراً ولكنها أثرت بشدة على سياسات الولاية. حيث سيطرت مجموعة من السياسيين عبر مسارها ، ما يسمى حلقة القناة، على حكومة الولاية. ولم يكونوا متحمسين لبناء ما هو منافس بالضرورة

فبناء قناة عبر التضاريس الجبلية للصف الجنوبي كان مستحيلاً وخلال 1830 كانت السكك الحديدية تقانة النقل الجديدة الأثيرة. وبصعوبة بالغة تمكن سياسيو الصف الجنوبي من إقناع المشرعين بتوقيع إتفاقية للسماح لخط السكك بالمرور من نهر هدسون إلى بحيرة آري عبر مقاطعاتها. وتضمنت الاتفاقية تقريباً الفشل الإقتصادي: إذ ألزمت السكك بالمرور حصراً في ولاية نيويورك ونتيجة لذلك لم تتمكن من الوصول إلى نهايتها الشرقية في نيوجيرسي مقابل نيويورك ولكن في مدينة بيرمونت على مبعدة 20 ميل نحو الشمال. ولم يسمح لها بالمرور في بوفالو عند مكان تلاقي قناة آري مع بحيرة آري وانتهت عند دنكيرك التي تبعد 20 ميل نحو الجنوب. ولذلك سارت 483 ميل بين بلدتين ليس لهما أي أهمية إقتصادية عبر أراض شبه خاوية — على عكس مشروع خط حديد كاليفورنيا المقترح العالي السرعة والتي ستمتد المرحلة الأولى منه بين فريسنو وبيكر فيفيلد وبتكلفة 9 مليار دولار


قدرت كلفة تشييد خط سكة آري ب 4726260 دولار وفترة تنفيذ تقدر بخمس سنوات. ولكنه كلف 23.5 مليون دولار واستغرق تنفيذه 17 سنة

ومع بداية الكساد عام 1837 اتضح أن المساعدة الحكومية الهائلة هي من سيمكن المشروع من الإنتهاء. ولذلك وافقت ولاية نيويورك على دفع 200000 دولار لكل 100000 دولار مجمعة عبر بيع السهم. ولكن ذلك لم يفي بالغرض وأصدرت هيئة السكك سندات رهن عاصفة أولى وثانية وضمنت السندات لجمع المال المطلوب. ساعد جبل الدين ذلك على إكمال المشروع عام 1851 ولكنه أضحى شبحاً رافقه طوال وجوده. وتعرضت السكك للإفلاس ستة مرات قبل اختفائها كشركة في بداية السبعينات من القرن الماضي

لماذا كانت قناة آري نجاحاً مبهراً- أنجزت بكلفة دون الميزانية وقبل الموعد — وحققت أرباحاً كبيرة منذ البداية بينما كانت سكك حديد آري فشلاً ذريعاً؟

نقول أن تقانة حفر القناة كانت مفهومة ومؤسسة مع بواكير القرن التاسع عشر, علاوة على ذلك كان مسار قناة آري هو المسار الوحيد الذي يمكن لقناة المرور عبره في جبال ابالاشيا ولذلك لم يكن لديها منافس. وكان المشروع من الضخامة بحيث تعجز أي شركة خاصة عن القيام به مما حدا بالحكومة لتولي المهمة

حدثت حالة مماثلة في خمسينات القرن الماضي. انضم نقيب في الجيش الأمريكي قبل ثلاثة عقود إلى بعثة أرسل فيها الجيش قافلة كبيرة من الشاحنات من واشنطن إلى سان فرانسيسكو لتعلم مشاق فعل ذلك. وكانت جمة بالتأكيد لإن شبكة الطرق الوطنية كادت بالكاد تستحق اسمها

ومع الخمسينات أصبح ذلك النقيب رئيساً للولايات المتحدة وتقنية بناء الطرق مفهومة على نطاق واسع. دفع دوايت أيزنهاور شبكة الطرق القومية ذات المنافذ المحدودة عبر الكونجرس وتمتعت البلاد منذ ذلك الوقت بشبكة الطرق السريعة

تعتبر قناة آري وشبكة الطرق السريعة نواقل هامدة للتجارة

يستطيع أي فرد استخدامها مقابل مبلغ وكثير من الطرق السريعة تمول من هيئة الطرق. ولكن السكك الحديدية لا تحقق ربحاً إلا إذا أولت إهتماماً خاصاً للحد الأدنى الذي تحكمه المنافسة. ومن المعلوم ان الحكومات تفشل بإدارة الأعمال لإن أعمالها تكون عادة احتكارية. وتذكر على سبيل المثال زيارتك الأخيرة لهيئة النقل

تستطيع الحكومات إضافة لبناء البنية التحتية مثل قناة آري وشبكة الطرق السريعة عبر الولايات القيام بالأبحاث الأساسية مثل تقانة الفضاء حيث تكون التكاليف خارج متناول أي مؤسسة خاصة. لم تقوى سوى موارد الحكومة من إيصال الرجال إلى القمر. ولكنني أشعر بالحماس لرؤية الجيل التالي من الصواريخ التي تطورها الشركات الخاصة وليس الناسا وستكون خطوة في الإتجاه الصحيح

ولكننا نتجه في الإتجاه المعاكس في الصناعة الطبية الأمريكية

2- للسياسيين مصالحهم الخاصة أيضاً

اكتشفت ولاية نيويورك عام 1992 أنها عاجزة بمبلغ 200 مليون دولار عن الوصول لميزانيتها التي يتطلبها دستور الولاية

كانت ميزانية الولاية الكلية 40 مليار دولار وكان من الممكن تفادي العجز باقتطاع نصف بالمائة من واحد بالمائة — أي ما يكافئ عائلة ذات دخل 100000 دولار تقتطع 50 دولار في الشهر

ولكن هل خفضت نيويورك ميزانيتها؟ كلا. بل قامت عوضاً عن ذلك بمنح إحدى وكالات الولاية ضمانات ب 200 مليون دولار لتستخدم المال لشراء سجن أتيكا من الولاية. اخذت الولاية 200 مليون دولار التي اقترضتها وكالتها وسمتها دخلاً ووزنت ميزانيتها. تستأجر نيويورك اليوم السجن من وكالتها بسعر يكفي لخدمة دين السندات

هل تستطيع أي شركة خاصة بيع مقرها الرئيسي لأحد فروعها المملوكة لها بالكامل وتسمي المال المتحصل دخلاً ؟ ربما لتدخل إدارتها السجن بسبب ذلك. ولكن لماذا لم يدخل حاكم نيويورك ماريو كومو ومراقب الولاية السجن بسبب ذلك التلاعب في المحاسبة؟

لأن الحكومات تستطيع الحفاظ على دفاتر حساباتها بالطريقة التي تروق لها

ولماذا يتوجب على الشركات اتباع ضوابط المحاسبة؟

وفي مثال جميل على يد ادم سميث الخفية كانت المصلحة الخاصة لمصر في وسماسرة وول ستريت هي من أنتج أعظم الأفكار في تاريخ الاقتصاد الأمريكي

في عام 1880 بدأت بنوك وول ستريت الكبرى بالظهور مثل ج ب مورجان وكون ليب مع سوق نيويورك للأسهم وحددت طريقتين للعمل: تسجيل الشركات ومن يرغب منها بجمع المال عبر البنوك يتوجب عليه الانصياع لقواعد المحاسبة العامة المعمول بها. وهناك العديد من الطرق للمحافظة على الدفاتر الصادقة — وبالطبع عدد غير محدود من للحفاظ على الدفاتر المخادعة — لذلك كان من المهم لكل الشركات المحافظة عليها بذات الطريقة للمقارنة ورؤية الصورة الحقيقية لصورة الشركة المالية

ثانياً: كان على تلك الشركات الإبقاء على دفاترها أمينة وتامة من خلال محاسبين مستقلين. وفي تلك الأثناء أصبح علم المحاسبة حرفة مستقلة ذات ضوابط ذاتية مثل الطب والقانون

كان ج ب مورجان أقوى مصرفي عاش في ذلك الوقت وكان من القوة بمكان بحيث ألزم الحكومات بالخضوع لقواعد المحاسبة العامة وتقديم دفاترها للتصديق المستقل. ولكن بما أنه كان من مصلحة السياسيين الشخصية”طبخ” الدفاتر — مثلما فعل مدراء الشركات إلى أن أرغمتهم وول ستريت على تغيير طرائقهم — فقد تابعوا ارتكاب الإحتيال المحاسبي على نطاق واسع. وهذا من بين الأسباب التي أوقعت حكومات الولايات والحكومة الفدرالية في ضوائق مالية اليوم

في عام 1976 أفلست مدينة نيويورك بفضل استدانة المال وتعمية الحقيقة بالاحتيال المحاسبي. ورفضت الولاية تقديم المساعدة إلا بشرطين: الإلتزام بقواعد المحاسبة العامة وتدقيق دفاترها من قبل محاسبين مستقلين. ويا له من مفهوم. ولكن الولاية لم تفرض مثل تلك القيود على ذاتها. واليوم وبعد مرور 36 سنة لا تزال المدينة بوضعية مالية جيدة بينما كانت ولاية نيويورك سلة مالية سيئة بقدر كاليفورنيا. ربما تقدم مدينة نيويورك المساعدة للولاية إذا وافقت على الإبقاء على دفاتر أمينة

3- الهجرة شيء جيد


كل من يعيش اليوم في الولايات المتحدة إما قدم بنفسه أو كان من أسلاف ودعوا كل الناس وكل شيء عرفوه طوال حياتهم وانتقل إلى أرض غريبة بحثاً عن حياة أفضل. ويتطلب ذلك الكثير من الشجاعة والذكاء وكليهما خصائص قابلة للتوريث

كانت الحكومة الفرنسية والإسبانية أكثر سلطوية من الحكومة الإنكليزية وأبدت حذراً شديداً في تحديد من يسمح له بالهجرة إلى مستعمراتها. لم ترغب بمسببي المشاكل والمعارضين والزنادقة. ولكن الحكومة البريطانية لم تعر بالاً لمن يذهب إلى مستعمراتها. وكانت النتيجة خليطاً مشاكساً من البشر

وسار الكثير منهم نحو السفن مع قرع أي طبل بعيد. ووصل الكثير منهم خطوة قبل الشريف والبعض قفز خلفه حيث نقلوا كمجرمين.

ولكن الأغلبية جاءت بملء إرادتها ولا تزال تأتي منذ ذلك الوقت على أمل العثور على حياة أفضل وأغنى. وحتى الواصلين كعبيد ولم يكن لهم خيار في ذلك عاشوا محنة تفوق الخيال الحديث ومرورا تلك القوة الهائلة لذراريهم

ورغم ان الهجرة هي من صنع هذه البلاد مر تاريخ طويل مناوئ للهجرة في أمريكا منذ بدايات 1840 مع تدفق الأيرلنديين الذين فروا من المجاعة إلى مدننا الشرقية المتنامية. وضغطت الولايات الغربية لاحقاً على الحكومة الفيدرالية لتحديد وحتى استثناء الهجرة من الصين واليابان. وفي عام 1920 قيدنا كل الهجرة في محاولة لصنع الخليط العرقي الذي كان قد أخذ مكانه الدائم

من المؤكد أننا بحاجة لضمان أمن حدودنا وعلى كل الحكومات السيادية تحديد من يدخل البلاد. ولكن من مصلحتنا السماح بدخول الراغبين بالعمل والنجاح الأمر الذي يثرينا جميعاً. وفي وقت أضحى فيه رأس المال البشري(وهو تعبير لم يتكون حتى أواسط القرن الثامن عشر) أثمن الموارد الإقتصادية فإن رفض من يملكونه أمر لا يعقل. تلزم التشريعات الحالية حاملي فيزا ه ا ب والفيز الممنوحة لطلاب الدراسات العليا في الجامعات الأمريكية بالعودة إلى بلدانهم بعد إنهاء دراستهم أو العمل الذي منحوا سمة الدخول بسببه. يرغب الكثير من هؤلاء الأفراد الرفيعي التعليم والمهارات بالبقاء وبدلاً من السماح لهم نرسلهم للعمل في اقتصاديات تتنافس معنا. وهذا محض هراء

4- تنتشر الأفكار الجيدة وتتلاشى السيئة

كان لدينا مورد مالي عشوائي خلال زمن المستعمرات. منعت بريطانيا تصدير النقد البريطاني وحافظ المستعمرون الأمريكيون على حساباتهم بالجنيه والشيلينج والبنس وكان النقد اليومي المتداول خليطاً من العملات الإسبانية والفرنسية والبرتغالية وبعض البريطانية وشهادات ضمان للتبغ وبعض السلع الأخرى وعملة ورقية طبعها المستعمرون- إلى أن منعت الحكومة البريطانية ذلك- وحتى الوامب وهي نوع العملة التي استخدمها الهنود

بعد الثورة أصبحت الحاجة لخلق نظام مالي وطني حاجة ملحة للدولة الجديدة. وكان السؤال المعقد أي عملة تستخدم لاعتياد المستعمرين على العديد من الوحدات وحتى غير القابلة للقياس منها

حاول روبرت موريس ،الذي قام بالكثير لتعويم الثورة مالياً، جسر الفروق من خلال إيجاد أدنى مقسم شائع للوحدات النقدية الموجودة في كل ولاية وتوصل إلى قيمة 1\1440 من الدولار الإسباني. واقترح ان تضرب هذه الوحدة ب 1000 لتجعل وحدة النقد الأمريكية الجديدة مساوية ل25\36 من الدولار الإسباني. ولكن توماس جيفرسون — الذي يعتبر مساهمته تلك المساهمة الإيجابية الوحيدة في النظام المالي للولايات المتحدة- ناصر استخدام الدولار

بعد اختيار الدولار كان من الطبيعي اعتماد النظام البريطاني لتقسيم الوحدة الرئيسية إلى 20 وحدة أصغر وتلك إلى 12 وحدة أصغر على طريقة التجار الأمريكان في إجراء حساباتهم. كان النظام الإسباني المستخدم في المستعمرات — الذي يقسم الدولارات إلى أنصاف و أرباع وأثمان تسمى قطع- قد يصبح فكرة طبيعية جيدة. ولكن جيفرسون شجع صنع الوحدات العشرية الأصغر للدولار محاججاً بأنه “في كل الحالات عندما يكون لدينا الحرية للاختيار بين طرق سهلة وصعبة للعمل من المنطقي إختيار الأسهل.”

مما جعل جيفرسون أول شخص في التاريخ يناصر نظاماً عشرياً للقطع المعدنية العشرية والولايات المتحدة أول دولة تتبناه. وكانت تلك فكرة رائعة وانتشرت بسرعة. واليوم تستخدم كل دولة في العالم النظام النقدي العشري


ولكن مفهوم جيفرسون النقدي العشري كان فكرة جيدة انتشرت بسرعة حول العالم وثمة فكرة أخرى طورت هنا في ذلك الوقت كانت مهلهلة: ما يسمى القاعدة الأمريكية حيث يدفع كل طرف في نزاع قضائي مدني تكاليف المحكمة بغض النظر عن العائد. وكان ذلك مختلفاً عن النظام الإنكليزي حيث يدفع الخاسر كلف المحكمة عن الطرفين

نتجت القاعدة الأمريكية لما يسمى عمل إسعافي كطوق نجاة. واشترطت معاهدة باريس(التي أنهت الثورة الأمريكية) أن للدائنين البريطانيين الحق في مقاضاة المحاكم الأمريكية من أجل جمع الديون التي يدين بها الأفراد الذين أصبحوا الآن مواطنين أمريكيين. ومن أجل تعقيد الأمور عليهم مرر مشرعوا الولاية القاعدة الأمريكية. وهنا وجد التاجر البريطاني نفسه يدفع تكاليف محاكمته مما أبعده عن الذهاب للمحكمة ما لم يكن الدين كبيراً

كانت القاعدة الأمريكية انحرافاً بسيطاً في نظامنا القضائي حتى أواسط القرن العشرين. ولكن أخلاقيات المحامين تغيرت منذ ذلك الوقت وأصبحوا أكثر نشاطاً في البحث عن القضايا وأصبحت القاعدة الأمريكية آلة للخصام

يتم رفع 300 دعوى خطأ الممارسة الطبية اليوم مقابل كل دعوى رفعت في عام 1960. وأصبحت القاعدة الأمريكية دعوى مفتوحة تقبل قانونياً للإبتزاز القانوني

“إما تدفع لنا 25000 دولار أو تنفق 250000 دولار للدفاع عن نفسك في المحكمة. الخيار خيارك.”

يدافع محامو الدفاع عن القاعدة الأمريكية بعنف. يقدمون مساهمات سياسية أكثر للديمقراطيين من أي مجموعة من المانحين باستثناء نقابات العمال. ويقولون أن تأييدهم للحالة الراهنة ينبع من رغبتهم دفع الأطباء والمصنعين والآخرين نحو حذر أكبر

تقوم القضايا الخاصة التي يحافظ عليها هؤلاء المحامين بحراسة السوق العام من خلال تتبع الأشرار عوضاً عن الحكومة- وهو تأكيد فضولي كون حراسة السوق كان منذ زمن طويل وظيفة حكومية جوهرية

عندما كانت الشرطة في أيادي القطاع الخاص كان لا بد من تعارض المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة. تحولت الجيوش الخاصة في العصور الوسطى إلى فرق من قطاع الطرق أو الثوار. وكانت سفن القراصنة التي ازدهرت ما بين القرن السادس عشر والثامن عشر مشكلة من مواطنين يبحثون عن منافع خاصة أثناء أداء خدمة عامة من خلال غزو تجارة الأعداء في وقت الحرب

وفي حرب عام 1812 مثلاً رفع القراصنة الأمريكان معدلات التأمين إلى 30% من قيمة السفينة والشحنة. وعند انتهاء الحرب تحول المجندين البحريين إلى قراصنة وبعد حرب عام 1812 إلى تجار عبيد


وكما هو متوقع لم تنتشر القاعدة الأمريكية منذ تكوينها في تلك الفترة التي شهدت ولادة نظام النقد العشري. ولم تستخدمها أي دولة في عالم القوانين العامة. وفي الواقع لا توجد دولة أخرى تستخدم نمطاً مماثلاً للقاعدة الأمريكية سوى اليابان حيث يجعل النظام القانوني المختلف تماماً من الصعب الوصول إلى المحكمة في المقام الأول.

يوجد في الولايات المتحدة عدد أكبر من المحامين والقضايا نسبة لعدد السكان أكثر من أي دولة أخرى في العالم. ولكن القضايا لا تخلق الغنى بل تنقله من طرف لآخر ويقتطع المحامون حصة كبيرة في الطريق. سيسهم إنهاء القاعدة الأمريكية في مساعدة الاقتصاد الأمريكي. قامت ولاية تكساس بإصلاح نظامها القضائي للجنح قبل عدة سنوات وكانت النتائج مذهلة

انتقل الأطباء إلى الولاية وليس خارجها وهبطت كلف تأمين خطأ الممارسة الطبية بمعدل 25% ولنتذكر أن الأفكار الجيدة تنتشر دائماً

5- تكره الأسواق الغموض

انتهى الكساد الكبير الذي بدأ خريف عام 1929 عملياً في بداية آذار عام 1933. وكانت سوق الأسهم التي تكون على الدوام مؤشر ريادي قد تهاوت في حزيران السابق إلى 90% من أعلى معدل لها في أيلول 1929. أصبح عام 1933 ثاني أفضل عام لمؤشر داو جونز خلال القرن العشرين منطلقاً من قاعدة شديدة الانخفاض

ولكن التعافي تم ببطء شديد. كان معدل البطالة 25% عام 1933 ووصل إلى 17% مع أواخر 1939. وبالفعل عندما توجه الإقتصاد فجأة نحو الجنوب عام 1937 حدثت مشكلة: ماذا سنسمي الإنخفاض. ظن الكثير أن البلاد لا تزال تمر بمرحلة كساد ولذلك لم يكن التعبير ملائماً. ولكن الاقتصاديين السعداء بوجود مشكلة يستطيعون حلها ابتكروا تعبير “الركود الاقتصادي” الذي سرى منذ ذلك الحين

عندما يحدث انخفاض حاد في النشاط الإقتصادي يكون التعافي حاداً أيضاً. وللوادي هيئة حر ف ف وهذا ما حصل في عام 1920 عندما حدث كساد حاد تلا الحرب ومن ثم تعافي قوي. إذاً لماذا كان التعافي بطيئاً في الثلاثينات؟

سبب وحيد بحسب عدد متزايد من مؤرخي الإقتصاد هو أن فرانكلين روزفلت كان يغير رأيه بسرعة. كان شديد الذكاء ولكنه لم يكن طالباً في الإقتصاد ولم يقرأ كتاباً في شبابه. ولذلك كانت معظم برامجه السياسة تنبض من عروقه. في البداية كانت ادارة التعافي الوطنية التي تحولت إلى تنظيم احتكار معظم الاقتصاد الأمريكي. وعندما لفظتها المحكمة العليا- بتصويت بالأغلبية- تحولت إلى علاجات أخرى ورفعت الضرائب على الأثرياء

ولكن الأسواق التي تعمل حتى أثناء الكوارث بفعالية منقطعة النظير تكره الغموض. عندما يكون الغموض المحيط بالمستقبل مرتفعاً تنحو نحو المشي في المياه

ونتيجة لذلك كان هناك ما يسمى “إضراب رأس المال” فبينما تمتلك الشركات أرصدة نقدية كبيرة –حققت شركة جنرال موتورز أرباحاً في كل سنة من سنوات الكساد الكبير- والبنوك الكثير من المال للإقراض لم تحدث الكثير من الإستثمارات ولم تمنح الكثير من القروض.كانت البنوك والشركات متحيرة عما ستقوم به الحكومة في المرحلة التالية

وهذا بالضبط ما يحدث اليوم. تمتلك الشركات والبنوك الكثير من المال. وتتربع شركة أبل على 100 مليار دولار من النقد. ومع ذلك فإن التعافي من صدمة عام 2008 كان فاتراً إلى حد بعيد

تحول الوادي إلى شكل حرف يو وهو بدون شك سبب كبير للتحير الذي أصاب البلاد منذ عام 2008. هل تستولي هيئة البريد على قطاع الرعاية الصحية — الذي يشكل سدس الاقتصاد الأمريكي-؟ وهل ستنتهي الاقتطاعات الضريبية التي أقرتها ادارة بوش أم تستمر؟ وهل سترتفع ضرائب الشركات أم تنخفض؟ وهل ستحصل الصناعة على صفقة ضريبية خاصة وتلزم فجأة بدفع “ نصيبها العادل”؟

من يعلم؟

لذلك تؤجل الشركات والبنوك الإستثمار لحين توضح الرؤية. ربما يحدث الإفصاح يوم 6 نوفمبر

المصدر:

مجلة “ في المقام الأول” الصادرة عن كلية هيلسديل في واشنطن

السنة 41

العدد 7/8

عام 2012



   نشر في 13 غشت 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا