الحقيقة الثالثة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الحقيقة الثالثة

  نشر في 14 أكتوبر 2019 .

يحدث يوما أن يصل حزنك للمنتهى..و تسبح غيمة سوداء على عينيك فترى العالم من حولك قاتما كشريط قديم طواه الزمن ..

رغم طول المباني و اتساعها تشعر كأنها علب شاي..و تأبى أن تدخل غرفتك ليس لسبب معلوم سوى لذلك الشعور المنفر الذي يجعلك تخاف شيئا تجهل ماهيته تماما.. ربما تخاف أن يبتلعك السواد و تقدم على إسقاط أفكاره السوداوية من أرض الأفكار إلى أرض الواقع..فتصبح في مأزق و تصير على ما فعلت نادما..

إنها تلك اللحظات حيث يصبح الطعام بلا طعم و الأماكن سيان و الكراسي كأن بها الأشواك..

تذكرت مقولة رائعة كانت مكتوبة على أحد أسوار الجامعة تصب في هذا الصدد تقول : " إن أعادوا لك المقاهي فمن يعيد لك الرفاق "

في ذلك الوقت كنت أقرأها بلساني فقط ..لكن الآن عرفت ما بين سطورها و عشت الإحساس و عرفت قدرها.. فأحسست بندم على المقولات التي لا زالت على الرف يقرأها المرء فقط بلسانه و يكمل طريقه غير عابئ بمعانيها ..

هنا تظهر الحقيقة المرة و هي أن الكتابة و لو كانت بمجلدات لن تعبر عن إحساس أبدا أبدا..

الكثير منا تمر أمام عينيه أحداث و سيناريوهات يراها بسيطة و غير مهمة و لا يكلف نفسه عناء التدقيق فيها و معرفة الدرس القيم الذي تحمله في طياتها..

لكي لا تهرب مني يا قارئ هذه السطور إليك المثال..

لقد كنت في ذلك المكان مغتربا أبيت الليلة مع أناس غرباء عني..حيث الجو حار و مشمس نهارا و بارد ليلا..باختصار إنه الجو الصحراوي..

لقد نام معظم الرفاق في رحلتنا العبثية و خرجت للساحة الكبيرة كعادتي القديمة..فأنا أحب هواء الليل و كل ما يتعلق به..

لقد كانت الساحة مظلمة إلا من ضوء غرفة الحارس..

أنرت بواسطة هاتفي لكي أجد مكانا أجلس فيه ..فتفاجأت بصوت شيئ يتحرك في الظلام.. لم يكن سوى كلبا أسود صغير..

الغريب هو أني حاولت صرفه عدة مرات و لكن لم يهرب مني..

فاستسلمت و تركته لأجلس و بيني و بينه أمتار قليلة..

عندما جلست عاد لمكانه و قد كان يعرج برجله قليلا..لا بد و أنه أصيب ..

عاد و انبطح فوق وسادة مهترئة كانت مرمية في الساحة و احتضنها..

ربما ليست الوسادة ملكه و لكن البرد يشرعن كل شيئ..

لم يكن هناك فرق بيننا في تلك اللحظة سوى جسد فاني.. فنحن نشترك في برودة الجو و برودة داخلية تشتهي دفئ الأحباب و الأقارب و لو للحظة عابرة..

كنا على متن مركب لا نملك لنهاية مشواره علما..

غريب أمر هذه الدنيا..فالدّجاجة لا تعرف مصير

بيضتها هل سَتفقِس كَتكُوتا ام سَتُفقَس بمقلاة في عجة مسائية..

و الخروف لا يدري نهايته، ربَّما يُشوى كاملا على السَّيخ.. او ربما يُفرَم و يُوزَّع.

حتَّى الأَسد لَا يَتنبَّأ بمصيره.. رُبّما يكون ملك الأدغال حَقّا أو ينتهي به الأمر كمُهَرّج في سيرك،

أو حديقة..

حتى أنا لم أسلم من هذه المعادلة ..فلا أعرف ماذا تخبئ الأيام القادمة..

بدأت بالتثاؤب فعرفت أن ساعة النوم حانت و لكن سمعت صوت الباب و قد ظهر شخص كان معنا لم أكن أعرفه جيدا..لقد كان يكبرني بسنين.. ألقى التحية و جلس بجانبي..تعارفنا و تحدثنا قليلا..

عند إنهاء المحادثة و رغبتي في الذهاب كان يماطل في الكلام ..

أحسست بمدى الفراغ الذي يعيشه و كم يرغب في الحديث لشخص ما و الهروب من الوحدة ربما..فلدي ذلك الحس العالي و حدس قوي..

حتى أنا كنت وحيد في تلك اللحظة لا أنكر و لكن هنالك فرق..

فلدي عالم خاص صنعته لي..لي في العزلة حياة..

كأني طويت سبعين عاما في سن العشرينات ..

كنت أسبقه بأميال..مروضا وحوش الوحدة لتصير حيوانات أليفة ليس إلا..

لكن لا أنكر أن بعضها يتمرد للحظات فيخدش سباتي و يذوب بعض قطع الجليد..

لكن الغلبة لا تنفك تكون من نصيب الجليد الساقع و سوط المروض..

لقد كسرت عتبة الألم و نثرتها في شكل كلمات كالآتي :

" الألم يعني أننا على قيد الحياة..و زواله يعني الموت على قيد الحياة ".

إن هذا الموت شبيه بتبلد الأحاسيس و شذوذها..

فضحك في وقت حزن و تبلد في الفرح ..

امتثلت و جلست معه وقتا إضافيا.. فجأة أمسك بحجر و ضرب به الكلب فور انتباهه لوجوده..

فنهرته و سألته عن السبب ..فرد علي بأنه مجرد كلب..

لحظتها عرفت سبب بؤسه .. لم ترحمه الحياة و بدوره لا يرحم أحدا و هكذا تدور في حلقة مفرغة.. من لا يرحم لا ينتظر أبدا رحمة أو عناية..

اعتذرت عندها و غادرت لأغط في نوم عساه يكون عميقا يسحبني من هذه الحقيقة الثالثة..

لا تعرفون ما هي الحقيقة الثالثة ؟؟

لا بأس سأحدثكم عنها قليلا..

هناك الحقيقة الثانية و هي التي يضعها البشر في أدمغتهم.. فيها أمانيهم و أحلامهم و ما يخططون و يتصورون فيها حياتهم كيف ستكون .. طبعا في حدود المعقول..

هذه الحقيقة الثانية يستنبطها البشر من الحقيقة الأولى و هي المثالية و الكمال بمعانيه كلها..

لكن ما يتحقق فقط من الحقيقة الثانية و ما يحدث فعلا هو الحقيقة الثالثة و بمعنى آخر هو الواقع..

كلمة الواقع، تأملها جيدا أيها القارئ.. فلها وقع و حضور قويين فور نطقها..

معظم البشر يهربون من هذه الكلمة و يختبئون في حقيقة ثانية وأولى يصنعونها بأنفسهم و التي لولاها لما استطاع المرء الاستراحة من شقاء الواقع و العودة بنفس جديد ليحارب..

تمت



   نشر في 14 أكتوبر 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا