القصة الروسية من القيصر( إيفان ) وحتى القيصر( بوتن ) ( 3 ) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

القصة الروسية من القيصر( إيفان ) وحتى القيصر( بوتن ) ( 3 )

بحث في السياسة الخارجية الروسية

  نشر في 08 فبراير 2016 .

أسئلة العام الحاسم على مستوى العالم والاقليم


" التساؤل هو بداية الوصول للمعرفة " أرسطو


هذا هو الجزء الثالث من مقالي البحثي عن السياسة الخارجية الروسية منذ النشأة وحتى اليوم. وكنت تحدثت في الجزء الماضي عن أن الاتحاد السوفيتي قد خطا خطوتان مهمتان في الشرق الاوسط الاولى / قرار تزويد مصر الناصرية بالسلاح فيما عرف وقتها بصفقة الأسلحة التشيكية .

وأما الخطوة الثانية وهى / الإنذار السوفيتي لقوى العدوان الثلاثي ( بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ) على مصر في عام 1956 وهذا الحدث هو ما سوف نقدمه في هذا الجزء ولكنى قبل أن أبدأ في سرد بقية البحث أستأذن في عرض رؤيتي للساحة الدولية والإقليمية على الأقل في هذه السنة الجديدة.

( 1 )


لعل هذا العام و بحق يجب أن يقال عنه ( العام الحاسم ) فنظرة واحدة على العالم نجد أن أهم الدول في هذا العالم والاقليم تواجه أسئلة حاسمة واختبارات قاطعة.

( فروسيا ) لديها أسئلة كبيرة في عدد هام من الموضوعات و منها مثلاً / كيفية إنهاء الازمة السورية ؟ وبأية تكاليف ؟ وخصوصاً لو تعقدت الأمور على الجيش السوري وحلفاؤه ( إيران وحزب الله ) واضطرت روسيا الى الهبوط من القذف الجوي إلى الحرب على الأرض بقوات مشاة ؟ وهو ما تُراهن عليه الولايات المتحدة الأمريكية وتتمناه اليوم قبل الغد ( أي إعادة السيناريو الأفغاني من جديد ) .

هذا إلى جانب الأزمة في القرم وكيفية التصرف معها ؟ وكيف ستتصرف روسيا مع امتداد الدرع الصاروخي الأمريكي الذى أمتد إلى الخاصرة الروسية ؟ ويزيد على كل ذلك كيف سيتصرف صانع السياسة الروسية في هبوط سعر النفط وتأثُر الإقتصاد الروسي الحاد بذلك وهو حتماً سينعكس إرتداته على الداخل الروسي ؟  


كيف سيتصرف قيصر روسيا ( فلاديمير بوتن ) في أزماته ؟ وكيف سيجيب على أسئلته الصعبة هذا العام ؟


و ( الولايات المتحدة الأمريكية ) لديها هي الاخرى أسئلتها وهى أسئلة من النوع الصعب والمعقد معاً ! / فهناك أسئلة عن الوضع الإقتصادي الأمريكي الصعب وكيف سيتعامل معه الرئيس القادم ( سواء أكان جمهورياً أم ديموقراطياً ) ؟ وهناك أزمات بطول العالم وعرضه مطلوب من الولايات المتحدة حلها أو على أقل تقدير المشاركة في حلها بما يخدم مصالحها . أزمات تمتد من الشرق الأوسط حتى بحر البلطيق. 

هذا الى جانب إدارة الصراعات الإستراتيجية مع كلاً من ( الصين وروسيا ) ولعل الولايات المتحدة اليوم تشبه ( عملاق كبير ساورته الشكوك في مدى قوته ومدى قدرته على إستخدام تلك القوة ) .

فالبلد ( الذى يراه الجميع يتسلح بكل وسائل القوة أصبح في داخله مصابا بالوساوس وعرضة في كثير من الأوقات لأزمات الشك في الذات ) . وتلك قضية مركبة فيها جوانب مرئية وفيها جوانب مخفية .فيها الجانب الإقتصادي وفيها الجانب السياسي وفيها الجانب الإجتماعي وفيها الجانب الثقافي وفيها وقبل كل شيء الجانب النفسي وتلك معضلة حتى على أعتى خبراء علم النفس من ( سيجموند فرويد الى كارل يونج ) وعلى أهم خبراء علم الاجتماع من ( بن خلدون وحتى اميل دوركايم ) وعلى أعظم الفلاسفة من ( أرسطو حتى مكيافيلى ) !!. 


كيف سيجيب سيد البيت الابيض ( باراك أوباما ) على أسئلته هذا العام


و ( ايران ) لديها أسئلة كبرى من العيار الثقيل منها / السوأل الصعب الذى لم تجد إيران حلاً له بعد وهو من سيخلف المرشد الأعلى ( على خامنئي ) في حال رحيلة أو عدم قدرته على ممارسة مهامه بسبب المرض ( وهو مصاب بسرطان البروستاتا ) ؟ ومنصب المرشد هو أهم منصب في الدولة على الإطلاق وإستبدال مرشد بمرشد أمر في غاية الصعوبة في دولة ترفع دائماً شعار ( ولاية الفقيه ) .


المرشد ( على خامنئي ) خلافته سوأل صعب للغاية أصبح مطروحاً على النظام في ايران بعد مرضه ( بسرطان البروستاتا )

 وأيضاً كيف سيستطيع الرئيس الإيراني ( حسن روحاني ) تنفيذ بقية برنامجه السياسي ؟ خاصة فيما يتعلق بالإفراج عن المعتقلين السياسيين ورفع الإقامة الجبرية عن ( مير حسين موسوي وزوجته )  و       ( مهدى كروبي ) وتخفيف القيود المفروضة على نشاط الرئيس الأسبق ( محمد خاتمي ) الذى مازالت قوى المحافظين داخل النظام الإيراني تتهمه بدعم ما يسمى ب ( تيار الفتنة ) وتلك أمور صعب تنفيذها في ظل سيطرة المحافظين على المشهد ويأتي في مقدمة هذا الفريق ( الحرس الثوري ) الذى يصفه البعض بدولة داخل الدولة


الرئيس ( حسن روحاني ) وأسئلته الصعبة التي حتماً يجب أن يجد الاجابة عليها 

 

هذا إلى جانب كيفية التصرف من قبل صانع السياسة الإيرانية في أزمة الإحتقان الداخلي التي ظهرت بوضوح في أعقاب الإعلان عن نتائج الإنتخابات الرئاسية عام 2009 وما سببته من تصدعات أصبحت تتزايد رغم كل المحاولات من قبل السلطة الحاكمة في ايران وعلى رأسها ( الحرس الثوري ) التغطية عليها ؟

يضاف إلى ذلك سوأل عن كيفية التصرف في أزمة الاقليات داخل ايران والتي أصبحت تنتج مزيد من التوتر المرتد حتماً على الداخل الإيراني ؟.

وعلى الصعيد الخارجي فحدث ولا حرج عن الاسئلة الصعبة التي سيضطر إضطراراً صانع السياسة الإيرانية إلى الإجابة عليها مثل كيفية مواجهة خطر التنظيمات الإرهابية ( داعش ) مثلاً بعد أن إقتربت من إيران كثير بتواجدها في كلا من العراق وأفغانستان أخيراً ؟

وكيف سيواجه الإيرانيين تصاعد الحرب في سوريا وهم طرف أصيل فيها ؟ والى أي مدى تستطيع إيران تحمل الخسائر( البشرية والمالية ) على الجبهة السورية ؟ وكيف سيدير صانع السياسة الإيرانية علاقاته مع معظم بلدان دول مجلس التعان الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ؟ .

وكيف سيكمل الإيراني بقية تنفيذ بنود الاتفاق النووي مع مجموعة ( 5 + 1 ) ؟ علماً بأن واشنطن رغم رفعها العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي عادت لتبدأ في فرض عقوبات جديدة ولكن السبب هذه المرة هو برنامجها لإنتاج الصواريخ !. ( مع الوضع في الإعتبار بأن هناك داخل إيران تحفز لنتائج ذلك الاتفاق رغم تمريره بموافقة المرشد الأعلى (على خامنئي ) وخلفه الحرس الثوري العين الحارسة على ثورة الملالى الذى قامت مؤسسة الرئاسة الايرانية بقيادة الرئيس (حسن روحاني) بالضغط على الحرس الثوري من خلال تهديده بأنه في حالة عدم موافقته على الإتفاق النووي والمساعدة على تمريره فأن الرئاسة سوف تطالبه بضرائب متأخرة عليه وعلى أنشطته الاقتصادية تقدر ب 10 مليار       دولار ) .

هذا الى جانب الازمة في اليمن وإيران داعم رئيسي وأساسي لطرف من أطراف الازمة ( الحوثيين ) .

بالإضافة إلى الأزمة الإقتصادية التي ستزداد تفاقماً في ظل هبوط سعر النفط الذى يعد المصدر الأول ل إيران وذلك حتماً سيحدث ارتدادات داخلية ستؤثر على المجتمع الإيراني وإستقراره .


وأما ( تركيا ) ف الاسئلة الصعبة أصبحت حولها من كل جانب مثل / كيف ستعيد ترتيب خياراتها بعد خسارتها رهاناتها على الاسلاميين في العالم العربي ( تونس ومصر وليبيا ) ؟ علماً بأن رؤيتها للربيع العربي ( أن تصبح هي الوكيل الحصري للإسلام المستنير في الشرق الأوسط أمام الغرب وبهذا تنفتح أمامها أبواب الإتحاد الأوروبي المغلقة في وجهها منذ سنين وتصبح هي المطلوبة بعد أن كانت طالبة          ( وتلك كانت رؤية الخليفة الإسلامي العلماني مولانا رجب طيب أردوغان ! )

وكيف سيدير صانع السياسة التركية خسائره في معادلة الصراع الإقليمي الراهن بعد صدامه غير المحسوب مع روسيا ؟ وكيف سيعيد صانع السياسة التركية إعادة تموضع علاقاته بإسرائيل دون أن تتضرر صورته الدعائية أمام جمهوره ومؤيديه وهو الذى يقدم نفسه بالمناصر للقضية الفلسطينية ؟

وكيف للسياسة التركية أن تعوض خسائرها على الساحة السورية ؟ فالنظام البعثي في دمشق وعلى رأسه ( بشار الأسد ) لم يسقط رغم كل محاولات العثمانيين الجدد بقيادة الخليفة الجديد ( أردوغان ) وأمنياته أن يصلى في الجامع الأموي لم تتحقق رغم مرور كل تلك السنوات . و خطته فرض منطقة حظر جوى داخل سوريا ذهبت أدراج الرياح بدخول ( الدب ) الروسي إلى ساحة الصراع السوري بشكل علني . وكابوس أردوغان من الأكراد بدأ يتحقق .

فماذا سيفعل هؤلاء الحالمين في إستنبول بإعادة عقارب الساعة الى الوراء وإعادة المجد العثماني

الغابر ؟ 

الرئيس التركي ( أردوغان ) والاسئلة الصعبة في العام الجديد


وكيف سيقوم صانع السياسة التركية بإدارة الأزمة الإقتصادية التي أصابته بعد العقوبات الروسية

عليه ؟ .

وكيف يمكن إستعادة الزخم لحزب العدالة و التنمية مرة أخرى داخل المجتمع التركي ؟ وكيف سيواجه سادة البسفور موجة التفجيرات الإرهابية التي إجتاحت تركيا مؤخراً ؟

وأخيراً وليس أخراً كيف يمكن لصانع السياسة التركي  الإجابة على السوأل المعضلة وهو كيف سيتم حل مشكلة الأكراد في تركيا علماً بأن الازمة لها إمتداتها الإقليمية في سوريا والعراق مثلاً ؟.


وفى ( المملكة السعودية ) هناك أسئلة تم ترحيلها سنوات وسنوات وهى الآن غير قابلة للترحيل مثل / تغيير قاعدة وراثة العرش وكيف يمكن تقبل ذلك في أسرة تعداد الذكور فيها أكثر من سبعة الاف فرد لكل منهم طموحاته ورؤاه ؟. ومثل كيف ستستطيع المملكة التكيف مع الوضع الاقتصادي الجديد في ظل إنخفاض عائدات النفط وهو المصدر الأول للدخل السعودي ؟.

وكيف ستستطيع المملكة إحتواء الطائفة الشيعية بداخلها وخصوصاً بعد إعدام رجل الدين الشيعي      ( نمر النمر ) ؟ وكيف سيقوم صانع السياسة بإدارة صراعه مع إيران علماً بأن إيران صارت مطوقة المملكة من جهة اليمن ومن قبل العراق وهى متواجدة في لبنان منذ أمد طويل من خلال ( حزب الله ) أي أن الهلال يكاد أن يكتمل بدراً ( كما قال احد أبرز قيادات الحرس الثوري ) . وإلى أي مدى ستستطيع السعودية وحلفائها الإستمرار في ساحة الصراع السورية وخصوصاً بعد التدخل الروسي وفى ظل تراجع عائدات النفط ؟

وكيف يمكن للسعودية قائدة عاصفة الحزم الخروج من المستنقع اليمنى هذا اذا إستطاعوا الدخول من الاصل و الأساس ؟!

فهل ستستطيع المملكة السعودية أن تُجيب على أسئلتها الصعبة أم أن عواصف الخليج سوف تقتلع الخيمة السعودية من دروب الصحراء ؟


الملك السعودي ( سالمان بن عبد العزيز ) والاسئلة التي لم يعد من الممكن ترحيلها


الامير ( محمد بن سلمان ) وسوأل الخلافة الحائر في السعودية




وفى مصر مجلدات من الاسئلة تنتظر الإجابة عليها . أسئلة كثيرة وكبيرة وعويصة عن الماضي والحاضر والمستقبل . أسئلة تنطلق في كل الاتجاهات سياسية وإقتصادية وإجتماعية. و الخلاصة في الوضع المصري/

- إما أن يستطيع الرئيس ( عبد الفتاح السيسي ) أن (يحافظ) على مدى ( التماسك ) الذى حققه في الفترة الماضية في ( بنية ) المجتمع المصري وأن ( يزيد عليه ) مستخدماً في ذلك كل الوسائل بداءً من           ( القبضة الحريرية المخملية ) ( الإعلام ) يحاول به ( تغييب العقول وترقيق القلوب على الرجل الذى تحمل مسئولية البلاد في فترة عصيبة ومهما كان من أخطاء يقع فيها الرئيس فيكفيه أنه أبعد الشيطان المرتدي لعباءة الاسلام !) .

وانتهاءً ب ( القبضة الحديدية ) إستخدام وسائل (القمع والقسر) إلى أخر المدى في ( تركيع كلاً من الإسلاميين التكفيريين وقطاع من الشباب الذى يرى أن الثورة لم تحقق أهدافها التي قامت من أجلها ) .

ولكن المشكلة أن هذا الخيار مثلما له ( إيجابياته ) له أيضاً (سلبياته) لأن ذلك الخيار مع التوسع فيه كما نرى اليوم ( يمكن أن يُعجل بإنفجار الجماهير وخاصة الشباب منهم وإظهار(غضبهم ) الذى يتراكم بداخلهم منذ أن إعتلى المجلس العسكري بقيادة المشير (طنطاوي) الحكم وحتى اليوم ) .

فهناك قطاع كبير من الشباب يشعر بأنه قد ( خُدع وظُلم في الوقت ذاته ) . وهذا القطاع من الشباب يرى أنه قد تم ( تشويه دوره وشيطنة صورته عن عمد مع سبق الاصرار والترصد ) من قبل النظام الحاكم اليوم بواسطة أدواته الاعلامية . 

ناهيك عن أزمة إجتماعية وإقتصادية تأخذ بخناق الجميع وذلك كله يتفاعل مع مشكلة فساد لم يعد له حل فيما يبدو فى الأفق مما نتج عنه حالة إحباط لقطاع عريض من الشعب رغم كل المسكنات الإعلامية.


الرئيس ( السيسي ) هل ينجح في الحفاظ على تماسك المجتمع المصري ؟


- أو أن ( يعود المجتمع المصري إلى حالة السيولة التي كان عليها بعد ثورة يناير ) وحينها يتبقى خطوة تتخذها الجماهير وهى ( الخروج للمطالبة بالتغيير من جديد ) لكن (المشكلة) أن تلك الخطوة ليست عليها ( إجماع أو حتى شبه إجماع ) وطني.

مشهد من ثورة 25 يناير  .. هل يتكرر من جديد فى عهد السيسى ؟


- ففريق يراها / ( وصفة مؤكدة للوصول لكارثة محققة ) أو في أفضل الأحوال ( قفزة إلى المجهول أكثر مما هي إصلاح من أجل العبور ) !! .

- وفريق أخر يراها / الإصلاح الذى تأخر كثيراً عن موعده وإسترداد للثورة المخطوفة من الاخوان تارة والعسكر تارة أخرى من جديد بمنطق أنه ( الآن .. الآن وليس غداً .. أجراس الثورة فلتقرع ) !!.

وبعد كل هذا العرض في الحالة المصرية يجب أن يثار سوأل ما الذى فعلناه بأنفسنا وما الذى فعلته       ( النخب المُزيفة ) بنا حتى نجد أنفسنا واقعين بين إختيارين أحلاهما مُر. و هو أن نجد أنفسنا محاصرين بين المطرقة والسندان ؟ ف إما :

( الرضوخ للأمر الواقع تحت مبرر الحفاظ على الاستقرار ) . وإما

• ( الذهاب الى الفوضى التي ستقضى على الأخضر واليابس تحت يافطة إستعادة الثورة من جديد ) .

ولقد كان شاعر العرب الأكبر ( أبا طيب المتنبي ) هو الذى أبدع في وصف ما نعيشه اليوم حين قال :

نزلنا بنجد وسألنا ونحن أدرى أطويل طريقنا أم يطول

وكثير من السوأل جواب وكثير من رده تعليل .

وفى النهاية قد يقول قائل وله كل الحق بأنك لم تقدم رؤية بل طرحت مجموعة تساؤلات . أي ( أنك سألت بدلاً من أن تُجيب ؟ ) .

وأرد على ذلك بالتذكير بمقولة ( أرسطو ) : ( بأن التساؤل هو بداية الوصول للمعرفة ).


( 2 )


" ها قد أقبل المستعمرون "

نيكتا خرشوف للسفير البريطاني


الزعيم جمال عبد الناصر وسط الجماهير في سيارة مكشوفة عقب قراره تأميم قناة السويس

 

كان الإتحاد السوفيتي منذ أن بدأت أزمة تأميم قناة السويس سنة 1956 يعطى إشارات مشجعة ولكنه لم يلزم نفسه بشيء محدد على الاطلاق وكانت اشارته المشجعة تتخذ في العادة شكل تصريحات أو مشاهد لها تأثير إعلامي أو سياسي بغير إقتراب عملي من ميادين الحوادث . وربما كانت أكثر مرة ظهرت فيها نوايا التأييد السوفيتي لمصر بعد تأميم قناة السويس وبعد أن زادت حدة التهديدات الموجهة لمصر هي تصريحات الزعيم السوفيتي ( نيكيتا خروشوف ) في السفارة الرومانية في موسكو يوم 8 أغسطس .

فقد حضر (خروشوف) حفل استقبال فيها وكان بين الضيوف فيه السيد ( وليام هايتر ) السفير البريطاني في موسكو والسفير المصري السيد ( محمد القوني ) وما أن لمح ( خروشوف ) السفير البريطاني في أحد صالونات السفارة الرومانية حتى صاح في وجهة "ها قد أقبل المستعمرون " ) ثم سأله ( كيف تحلمون بإعادة فرض السيطرة على شعب مكافح مثل الشعب المصري ؟ )

ورد عليه السير ( وليام ) قائلاً ( إننا لا نريد أن نفرض سيطرة ولكننا نحاول أن نصون حقوقنا ).


نيكتا خروشوف 



 " إنكم قطعتم ذيل الأسد البريطاني بتأميم القناة وإذا تجرأ وهاجمكم بالقوة فأنا واثق أنكم سوف تستطيعون تكسير أسنانه "  

خرشوف للسفير المصري في موسكو


وصاح فيه ( خروشوف ) ( وماذا عن حقوق ومصالح المصريين ؟ ) ثم استطرد قائلاً ( ولنفرض أن لكم مصالح فهل تحتاجون إلى تعبئة الجيوش وتهديد الآخرين بالحرب لتحقيقها ؟ لا تنسوا أنه اذا بدأت الحرب نتيجة لسواء تصرفاتكم فإن كل مشاعرنا سوف تكون مع المصريين . واذا خاضت مصر الحرب ضدكم فأننا سوف نعتبرها حرباً مقدسة واذا جاء إبنى وطلب أن يتطوع في الحرب ضد الإنجليز فسوف أشجعه على التطوع ) .

والتفت ( خرشوف ) فلمح السفير ( محمد القوني ) فناداه وقال له : ( إنكم قطعتم ذيل الأسد البريطاني بتأميم القناة وإذا تجرأ وهاجمكم بالقوة فأنا واثق أنكم سوف تستطيعون تكسير أسنانه ) .

وكان سفير باكستان ( أخطار حسين ) واقفا وراء السفير المصري ولم يتركه ( خرشوف ) وإنما توجه ناحيته وقال : ( لقد كنا قبل قليل نوجه كلامنا للمستعمرين والآن جاء الدور على ( توابعهم ).

ودهش (أخطار حسين) وقال ل (خرشوف) ( سيدى الرئيس أنا لا أعرف عن أي مستعمرين تتكلم ؟ ) .

ورد (خرشوف) قائلاً : ( ألا تستطيعون أن تكونوا أمناء مع أنفسكم مرة واحدة وتعترفوا بالحقيقة ؟ ) .

وحاول (أخطار حسين) أن يتخلص من الحرج فقال (لخرشوف) : ( سيدى الرئيس ما هي الحقيقة ؟ الحقيقة شيء نسبى وكلنا نبحث عنها ولكننا نحتاج إلى المعرفة لكى نتوصل لها فهل لي أن أدعوك لشرب نخب المعرفة التي توصلنا للحقيقة ؟ ) .

ولم يسكت (خروشوف) وإنما رد قائلاً : ( لا إننى لن أشرب نخباً معك فأن عندنا مثلاً روسياً يقول " إن الرجل الذى يفقد ثروته يستطيع تعويضها أما الرجل الذى يفقد شرفه فقد أضاعه الى الأبد " ).

وتدخل رئيس الوزراء (بولجانين) في الحوار لتهدئة الجو فقال : ( سوف أقترح حلاً وسطاً فلنشرب نخب شعب باكستان ).

ورد (خروشوف) قائلاُ : ( إذا كان النخب في صحة شعب باكستان فإني أرفع كأسى وأشرب نصفه فقط وأما نصفه الآخر فسوف أحتفظ به حتى يتمكن شعب باكستان من أن يثور في وجه الأحلاف ويثور ضد الإستعمار كما فعل الشعب المصري ) .

وخرج السفير المصري من المقابلة ليكتب تقريراً بما حدث للزعيم (جمال عبد الناصر) الذى قرأ تقرير السفير المصري وأحس فيه بحرارة التأييد ولكنه على المستوى العملي لم يكن كافياً .

وفى الأيام الثلاثة الأولى لحرب السويس كانت الأخبار من موسكو غير مشجعة على الاطلاق فعندما بدأت محادثات الرئيس السوري (شكري القوتلي) مع القادة السوفييت كان أول بند على جدول الأعمال هو العدوان على مصر.

وقال  ( شكري القوتلي) : ( إن شعوب العالم العربي تنتظر المساندة الفورية والعملية من صديقها الكبير الاتحاد السوفيتي ) .

ورد عليه (خروشوف) : ( إننا أصدرنا بيانات قوية نشجب فيها العدوان ) ورد (شكري القوتلي) : ( بأن البيانات بليغة ولكنها لا توقف الجيوش ) .

وكان رد (خرشوف) : ( هل تريدنا أن نشعل نار حرب عالمية نووية ؟ )

ورد (شكري القوتلي) بأن ( لا أحد يفكر في إشعال نار حرب نووية ولكنه لا بد وأن تكون هناك وسيلة تساعدون بها مصر عملياً ) .


الرئيس السوري ( شكري القوتلي ) 

وكان المارشال (جوكوف) وزير الدفاع السوفيتي أحد المشاركين في المحادثات وتدخل لأول مرة في المناقشات وفتح خريطة فردها على المائدة وقال ل (القوتلي) : ( هذه هي خريطة الشرق الأوسط فقل لي كيف نستطيع أن نصل بقوتنا الى مصر ؟ سوف يكون علينا أن ندخل إيران ثم العراق ثم الأردن ثم إسرائيل لكى نصل الى منطقة قناة السويس ) .


المارشال جوكوف


وانفجر (شكري القوتلي) بالضيق وصاح في المارشال (جوكوف) وقال : ( أنت تعرض الخريطة أمامي لتعجيزي وأنا لن أنظر اليها ولا أتصور أن المارشال "جوكوف " بطل الحرب العالمية الثانية يجئ الى مدنى ضعيف الحيلة مثلى ويطلب اليه أن يشير عليه برأي عسكري ).

وخرج (شكري القوتلي) من الاجتماع واستدعى السفير المصري (محمد القوني) ليطلب اليه إبلاغ الرئيس (عبد الناصر) فوراً ( بأن لا يعتمد في خططه على مساعدة عملية من " الجماعة " هنا ) .

وفى يوم 4 نوفمبر أتيحت للسفير (القوني) فرصة لحديث مع (خرشوف) أثناء حفل عشاء أقيم تكريماً للرئيس (القوتلي) في الكرملين .

وقال السفير (القوني) ل (خرشوف) : ( إن مصر في هذه الساعات العصيبة تعتمد على أصدقائها ) .

ورد عليه (خرشوف) هامساً في أذنه ( لا تعتمدوا على غير أنفسكم ونحن واثقون أنكم قادرون على تحقيق النصر) .


صورة لمجموعة من المقاومة المصرية في بورسعيد



( 3 )


مساء يوم 5 نوفمبر 1956 دُعي السفير المصري (القوني) الى مقابلة مع وزير الخارجية ( ديمتري شبيلوف) وذهب الى وزارة الخارجية السوفيتية يُسائل نفسه عن سبب إستدعائه المفاجئ لمقابلة (شبيلوف) ولقيه في الردهة المؤدية لمكتب الوزير رئيس قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية السوفيتية وهو السفير (تساتييسيف) الذى غمز له بطرف عينيه قائلاً ( إنك سوف تسمع أشياء تسُرك ) ودخل (القوني) إلى مكتب (شبيلوف) لكى يسلمه نسخة من الإنذار السوفيتي الموجه لبريطانيا وفرنسا ونسخة من الانذار الموجه الى اسرائيل.

 كان الانذار الموجه الى كل من بريطانيا وفرنسا ( يطالب بوقف العمليات العسكرية فورا وبانسحاب القوات المعتدية دون إبطاء ) ويشير بوضوح إلى ( أن لندن وباريس ليستا بعيدتين عن مدى الصواريخ النووية ) .

وأما الانذار الموجه الى إسرائيل فقد إتهمها بأنها ( تتصرف إذعاناً لإرادة أجنبية ووفقاً لأوامر من الخارج وأن حكومة إسرائيل تعبث على نحو إجرامي غير مسئول بمصير العالم وبمصير شعبها وتبذر بذور الكراهية لدولة إسرائيل فيما بين الشعوب الشرقية وهو أمر لابد أن يترك أثاره على مستقبل إسرائيل ويشكك في وجود إسرائيل ذاته كدولة ) .

وبعث السفير المصري بنصوص الانذارات إلى القاهرة وقرأها الرئيس ( جمال عبد الناصر ) قبل دقائق من إذاعاتها رسمياً من موسكو ليعرف بها العالم كله.


الزعيم جمال عبد الناصر


وقد أضاف السفير (القوني) تحليلاً سريعاً إلى معنى صدور هذه الانذارات الآن فقال في برقيته : ( إن السوفييت يتخذون مواقفهم الحازمة في القضايا المبدئية عامة بعد أن تتوافر لها شروط ثلاثة :

1- أن يُثبت أصحاب أي قضية وطنية صلابتهم في الدفاع عن قضيتهم وأن يتحملوا مسئولياتهم قبل أن يطلبوا من الآخرين مساعدتهم وأن يؤكدوا قدرتهم على الصمود المستقل.

2- أن ينجح أصحاب هذه القضية في خلق رأى عام قوى في مناطقهم وأن يخلقوا تياراً قوياً متعاطفاً معهم في العالم كله .

3- أن يظهر بجلاء من وقائع سير الصراع أن القوة المعادية قد تورطت في عدوانها إلى درجة تجعل إداناتها أمراً مؤكداً والتصدي لها شيئاً مطلوباً على نطاق وطني وإقليمي وعالمي.

وعندما تتوافر هذه الشروط الثلاثة فإن الاتحاد السوفيتي في العادة يقرر موقفه بحزم وحسم ).

وأشار السفير (القوني) في ختام تقريره : ( أنه واثق من أن الإتحاد السوفيتي يعنى ما يقول وأن الازمة من هذه الساعة أخذت منعطفاً جديدا ).


" على الذين تصرفوا منفردين دون الموافقة الصريحة للولايات المتحدة أن يتحملوا عواقب تصرفهم "

 كبير مساعدي إيزنهاور ل إيدن


عندما وصل الانذار الى ( لندن) كان له وقع الصاعقة وحاول رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت         ( أنتوني إيدن ) أن يتصل بالرئيس الأمريكي ( إيزنهاور ) ولكن (إيزنهاور) لم يشأ أن يقبل المكالمة .

وطلب رئيس الوزراء البريطاني أن تحول المكالمة الى (تشيرمان آدامز) كبير المساعدين السياسيين للرئيس الأمريكي  وكان صوت (آدامز) بارداً كالثلج – وفق تعبير (إيدن) نفسه.

فعندما سأله (إيدن) عما إذا كان الرئيس قد إضطلع على الانذار السوفيتي وما هو رأيه فيه ؟

كان رد (تشيرمان آدامز) أن ( الرئيس اطلع على الانذار ولا يعتبره موجهاً إلى الولايات المتحدة وعلى الذين تصرفوا منفردين دون الموافقة الصريحة للولايات المتحدة أن يتحملوا عواقب تصرفهم ).

ووضع (إيدن) سماعة الهاتف وإستدعى مجلس وزرائه لاجتماع عاجل ولم يكن هناك خلاف بين الوزراء على أن ( الانذار السوفيتي بعد تفجير خط أنابيب التابلين للبترول وإنهيار الجنية الإسترليني وتعثر عمليات الغزو المسلح في مصر لا يترك لأحد فرصة ).

رئيس الوزراء البريطاني ( أنتوني ايدن )

 

وبدأ الوزراء يخرجون من القاعة و (إيدن) باق في مكانه مسمر في مقعده وكأنما هو قد تجمد فيه وكانت يداه ترتعشان وأقبل عليه أحد مساعديه مواسياً له ونظر اليه (إيدن) نظرة يأس وقال بصوت متحشرج : ( بعد أن يتوقف القتال وتنسحب القوات أعتقد أنه لم يعد يبقى أمامي غير أن أذهب ( يقصد الخروج من رئاسة الوزارة ) ورد عليه مساعده بصراحة قائلاً ( أنتوني ... أظن أن إستنتاجك صحيح ). 

وخرج وتركه وحده في قاعة إجتماع مجلس الوزراء الفسيحة والمغطاة جدرانها بصور رؤساء الوزارات البريطانية السابقين . وقد أصبح محققاً أن صورة أخرى سوف تضاف في القريب الى متحف الماضي البريطاني.

أما في ( باريس ) كان رد الفعل الأول للإنذار هو التحدي واتصل وزير الخارجية الفرنسي ( كريستيان بينو ) ب وزير الخارجية البريطاني ( سلوين لويد ) يقول له إن : ( الروس يهوشون )

ورد عليه :( سلوين لويد ) بأنه ( كان يتمنى لو كان في استطاعته أن يجارى زميله الفرنسي في تفاؤله ) ثم أضاف ( لقد إنتهى الآن إجتماع لمجلس الوزراء وتقرر فيه إيقاف إطلاق النار ) .

وصرخ فيه ( كريستيان بينو ) قائلاً : ( لا يعقل أن نتوقف في وسط العملية ).

ورد ( سلوين لويد ) بأن ( ما هو ضروري يجب أن يسبق ما هو معقول ).

وطلب ( كريستيان بينو ) : ( أن يعمل على إقناع "ايدن" بمواصلة القتال يوماً أو يومين ).

 وقال (لويد) إن ( ذلك فوق طاقته ) .

ولم تمضى دقائق حتى كان ( جي موليه) على التليفون مع ( إيدن ) وكان ( إيدن ) وحده في قاعة مجلس الوزراء وكما جرب (بينو) مع ( لويد) – جرب (موليه) مع ( إيدن ) وكرر على (إيدن) أن ( إيزنهاور رفض تلقى مكالمته ) .

ورد (موليه) بأن ( هذا ليس وقت مكالمات تليفونية واقترح أن يبعث الى "إيزنهاور" ببرقية يطلب فيها موعداً فورياً له ول (إيدن) .

ووافق (إيدن) على الاقتراح وقال ( انه مستعد للسفر في هذه اللحظة الى واشنطن ).

وأبرق (موليه) إلى ( إيزنهاور ) يطلب موعداً له و ل ( ايدن ) وبعد ساعة جاء السفير الأمريكي في باريس    ( ديللون ) لمقابلة ( موليه ) وليقول له : ( إن الرئيس يأسف لأنه لا يستطيع أن يقابله لا هو ولا إيدن قبل قبول وقف إطلاق النار وإلا كان معنى ذلك أن الولايات المتحدة شريكة في مغامرة الهجوم على مصر بينما هي في الواقع لا شأن لها بالموضوع كله فقد رُتب من وراء ظهرها وأخفيت تفاصيله عنها عمداً وليس يحق لأطرافه أن يلقوا عليها الآن بالمسئوليات المترتبة عليه ) .

وقبل أن يخرج السفير الأمريكي من مكتب ( موليه ) قال له بشكل عام أنه ( لا يتصور أ، هجوماً سوفيتياً بالصواريخ على بريطانيا وفرنسا مسألة سهلة فالسوفييت سوف يحسبون حساباً لرد الفعل الأمريكي لكن المسألة معقدة بأكثر مما يبدو على سطحها ) .

وأعلنت الحكومة البريطانية – وبعدها بدقائق أعلنت الحكومة الفرنسية – قبولهما لوقف اطلاق النار ولسحب قواتهما من مصر !.

( 4 )


" إن السوفييت يعتزمون تسوية إسرائيل بالأرض في اليوم التالي " 

 جزء من تقرير السفير الأمريكي في موسكو


وفى إسرائيل كان ( دافيد بن جوريون ) مشغولاً ساعة صدور الإنذار السوفيتي فقد كان يستعد لإلقاء خطبة النصر في الكنيست بعد أن توقفت المعارك في سيناء . وفى هذه الخطبة أعلن ( بن جوريون ) تحديه للدنيا كلها على النحو التالي :

1- ( أعلن أن إتفاقية الهدنة مع مصر قد ماتت ودفنت وليس في الوسع إعادتها للحياة.

2- وبناء على ذلك لم يعد لحدود الهدنة بين إسرائيل ومصر أي احترام .

3- وتأسيساً على ذلك فإن السيادة المصرية على سيناء سقطت وأصبح شبه الجزيرة جزءا لا يتجزأ من إسرائيل.

4- ثم قال ( إننا مستعدون للدخول في مفاوضات تهدف إلى سلام مستقر وتعاون وعلاقات جوار طيبة مع مصر بشرط أن تكون المفاوضات مباشرة ودون شروط مسبقة ودون ضغط من أي مصدر أياً كان .

5- وأستدرك قائلاً ( وإذا لم تكن مصر مستعدة للسلام الآن فسوف تحترم إسرائيل الخطوط الجديدة للهدنة طالما فعلت مصر نفس الشيء .

6- ثم ختم ( بن جوريون ) خطابة قائلاً : ( تلك هي مبادئ سياستنا في هذه الأوقات العاصفة وليس هناك تراجع عنها ) . (1)


رئيس الوزراء الإسرائيلي ( دافيد بن جوريون )


 وفرغ (بن جوريون) من خطابه ليجد أمامه نص الانذار السوفيتي وعقد إجتماعاً لكبار مستشاريه يتدارس معهم هذا التطور الجديد وتقرر في الساعة الواحدة صباحاً أن يسافر على الفور وفد إسرائيلى مُشكل من ( جولدا مائير ) و ( موشية ديان ) و ( شيمون بيريز ) إلى باريس لإستطلاع وجهة نظر الحكومة الفرنسية . 


جولدا مائير 



موشى ديان



شيمون بيريز


وفى الصباح الباكر كان الوفد الإسرائيلي يشترك في إجتماع عاجل مع( كريستيان بينو ) وزير الخارجية و ( برجيس مانورى ) وزير الدفاع .

ويروى ( حمامة السلام لدى بعض العرب ) ( شيمون بيريز ) تفاصيل اللقاء مع الوزيرين فيقول :           ( وجدنا الفرنسيين منقسمين في الرأي حول مغزى التهديد السوفيتي ولم يكن أي منها مطمئناً وقد دافع ( بينو ) عن موقفهم على النحو التالي " إن فرنسا على استعداد لأن تشارككم في كل ما عندها ولكنها لا تستطيع إعطائكم أكثر فسنكون بلا حول أو قوة أمام الصواريخ حتى لو هرعنا لمساعداتكم بكل قوتنا ).

لقد بدا الوزير الفرنسي شديد القلق ونظر إلى التهديد السوفيتي بجدية واضحة وقال لنا ( أُشير عليكم بأن لا تستخفوا بالإنذار ) .

ثم روى وزير الخارجية الفرنسية الواقعة التالية : ( عندما وصل الانذار السوفيتي كان المستشار الألماني    ( إديناور ) مجتمعاً مع ( جي موليه ) في مكتبة وأطلعه على الانذار فور أن فرغ من قراءته وعلق                ( إديناور ) عليه بقوله لرئيس الوزراء الفرنسي ( الأفضل الا تكون لديكم أي أوهام فهؤلاء الأمريكيون لن يهرعوا إلى مساعدتكم على الرغم من حلف الأطلنطي ).

وقد أقلقت عبارات المستشار الألماني رئيس الوزراء الفرنسي وعلى الفور أبرق إلى سفير فرنسا في واشنطن أن يستطلع الموقف في العاصمة الأمريكية دون إبطاء .

وتوجه السفير الفرنسي في واشنطن ( هيرفيه الفان ) إلى البيت الأبيض بغير موعد وقال إنه لن يغادره إلا إذا رأى الرئيس ولو دقيقة واحدة .

واستقبله ( إيزنهاور) واقفاً وكان – وفقاً لبرقية من السفير الفرنسي في واشنطن وصلت قبل دقائق – شاحب الوجه وعصبياً وكرر له المرة بعد المرة قوله :( يجب ليكم وقف هذه الخرب .. يجب عليكم الانسحاب من مصر .. إن موقفنا يطابق موقف الأمم المتحدة ).

وعلى حين غرة التفت الرئيس إلى السفير غاضباً وقال له : ( دعني أقل لك هذا يا سيدى أن الحياة لا تعدو أن تكون سلماً يصل أعلاه إلى السماء . وإنني شديد القرب من الطرف العلوى للسلم ... وأريد أن أقدم نفسى لخالقى بيدين نظيفتين لم تلوثهما حرب نووية ).(2)


الرئيس الأمريكي ( داويت إيزنهاور )


ويمضى حمامة السلام !! ( شيمون بيريز ) في شهادته فيقول : ( بعد ساعة من مقابلتنا للفرنسيين إتصل بي في الفندق ( برجيس مانورى ) ليقول لي ( إننى في حقيقة الأمر لا أملك دليلا موثقاً على ما أقوله لك الآن فمن رأيي أن التهديد السوفيتي تهويش لأنهم لن يثيروا حرباً عالمية ثالثة ، ولكن هذا رأى شخصي ليس إلا ).

ويصف ( ديان ) رد فعل ( بن جوريون ) إزاء الانذار السوفيتي بقوله في يومياته : ( لم يخف بن جوريون قلقه العميق تجاه الانذار السوفيتي ولم يتجاهل الخطر الكامن فيه . ولكن ركبتيه لم ترتعشان ولم يستولى عليه الذعر . وكان أكثر ما أثار حفيظته هو إختلاف الرسالة الموجهة إلى بريطانيا وفرنسا عن الرسالة الموجهة إلى إسرائيل وحدها . فالرسالة الموجهة إلينا صيغت بأسلوب الاحتقار والازدراء وحوت تهديداً للوجود الفعلي لدولة إسرائيل ). (3)

وتكهرب الموقف في مجلس الوزراء الإسرائيلي أكثر بعد ظهر يوم 7 نوفمبر عندما وصلت تقارير الوفد الإسرائيلي في باريس كاملة ومعها إضافة جديدة تتمثل في نسخة من تقرير كتبه ( بوهلن ) السفير الأمريكي في موسكو وقال فيه ( إن السوفييت يعتزمون " تسوية إسرائيل بالأرض " في اليوم التالي ). وحصل الفرنسيون على نسخة من التقرير وأعطوها للوفد الإسرائيلي في باريس.

كان مجلس الوزراء الإسرائيلي في حالة إجتماع مستمر ثم وصلته أنباء عن إسقاط طائرة بريطانية من طراز ( كانبيرا ) فوق الأراضي السورية وساد الظن بأنه لابد أن تكون هناك في سوريا محطة رادار بدأ السوفييت في تشغيلها . وبعثت وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى مجلس الوزراء المنعقد مجموعة برقيات تضيف نذراً أخرى فقد أعلن الأتراك : (إن طائرات سوفتيه تخترق مجالهم الجوي على ارتفاع عال وأن السوفييت طلبوا من الحكومة التركية إذناً بدخول خمس قطع بحرية عبر المضايق التركية للبحر

الأبيض ).

وإحتدت المناقشات في مجلس الوزراء الإسرائيلي وارتفعت الأصوات وتبودلت الاتهامات وأجهش بعض الوزراء في البكاء وإضطر رئيس الدولة ( بن زفاي ) إلى التوجه عند الفجر إلى إجتماع مجلس الوزراء يطلب سرعة إتخاذ قرار لأن الموقف لا يحتمل الانتظار ، وأبلغه ( دافيد بن جوريون ) : ( أن مجلس الوزراء قرر قبول وقف إطلاق النار وقبول مبدأ الانسحاب من سيناء !! ) .


إنتهى الجزء الثالث


المراجع

1- محاضر الكنيست الإسرائيلي .

2- شهادة شيمون بيريز في تقرير الدكتور مايكل بريشر.

3- يوميات موشيه ديان .

4- ملفات السويس – محمد حسنين هيكل.

5- Getty images


  • 1

   نشر في 08 فبراير 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا