كوردستان ومخاض الدولة بين تحديات اللعبة الاقتصادية الدولية والتوظيفات الايديولوجية الاقليمية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

كوردستان ومخاض الدولة بين تحديات اللعبة الاقتصادية الدولية والتوظيفات الايديولوجية الاقليمية

دراسة تحليلية استراتيجية للقضية الكوردية بقلم: المحلل السياسي سامي عبدالقادر ريكاني

  نشر في 04 غشت 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

القسم الاول

طبيعة العلاقات الدولية تحكمها صراع القوة وتوازناتها ولايوجد هناك قوة فوقية تستطيع اجبار الجميع للالتزام بالقوانين الدولية، خاصة اذا علمنا بان قوانينها ايضا تعبر عن مصالح الاطراف القوية المتحكمة بالنظام الدولي وبما يتماشا قواعدها مع مصالحهم، كما ان بنية تلك القواعد ايضا تنطلق من مسلمات بديهية تدعمها طبيعة الفلسفة البراكماتية الغربية او الامريكية والديالكتيكية الماركسية اضافة الى الفلسفة الوجودية الحديثة، التي تعتمد كلها على الجانب التجريبي العملي في بنيتها وبماتفرزها قواعدها العملية من منفعة محصلة للفرد والمجتمع ، بعيدا عن بنية وقواعد الافكار والفلسفات القائمة على القيم النظرية ومنها الدينية والميتافيزيقية التي لا تستطيع اثباتها عمليا.

ولكن وان كانت تلك الفلسفات الغربية تاخذ المصلحة البشرية سواء كفرد او مجتمع هدفا رئيسيا في مسعاها داخل مجتمعاتها، وان كانت ايضا تضع هذه القواعد وتضبطها بقوانين وعبر مؤسسات داخلية وبصورة ايجابية في مسعى لتحقيق العدالة داخل دولها وبين افرادها ، الا انها لاتاخذ بهذه المعايير الايجابية في علاقاتهم مع الدول الاخرى او مع بعضهم البعض على مستوى النظام الدولي الا نادرا وفقط عندما تتوافق مع مصالحهم، فهي بالعكس تماما تعمل في هذه البيئة من منطق سوفسطائي سلبي في التعامل مع الاخر ومع القيم ، ومن منطلق الصراع الصفري ووفق قاعدة البقاء للاقوى، وبان الانتخاب الطبيعي هو للاصلح ، وان الخير والشر والاخذ بالقيم تقاس بقدر مردودها النفعي على اهدافهم ومصالح دولهم دون غيرهم وتحت قاعدة الغاية تبرر الوسيلة، فكل شيء فيه منفعة لهم يعتبر خيرا حتى ولوجاءة بطرق ووسائل غير انسانية، والعكس صحيح ايضا ، كما لاقيمة عندهم لاي اعتبار ديني او قيمي او انساني مالم ياتي بمصلحة مادية مباشرة لهم ، وفي هذا العالم كل العلاقات والتحالفات والصداقات والعداوات والاتفاقات والقوانين وكل مايسمى بالسلم او الحرب او العقلانية او ماياخذ منها طابع القيم، ماهي الا اشكال سيولية من اشكال المناورة والمراوغة المصلحية بين الرغبة والرهبة التي تتحكم فيها طبيعة القوة وتوازناتها في هذا الصراع الصفري.

وفي هذا الصراع الدولي يعتبر مسعى الحصول على القواعد الاربع للتفوق ومنع الاخرين من الوصول اليه، هو الهدف الاسمى والرئيسي الضامن للتحكم في العلاقات الدولية والمسبب للصراعات في نفس الوقت، فقوة اي مجموعة بشرية تريد الوصول الى مرحلة تكوين الدولة المستقلة بها ، او اي دولة تريد الابقاء على وجودها او تفوقها او الوصول الى المشاركة في القيادة العالمية او التحكم فيها، انما يتوجب عليها تامين هذه النقاط الرئيسية حيث تقاس درجة قوة اي دولة بدرجة تحكمها او امتلاكها لمصادر القوة هذه والتي هي:

1- تامين المصادر الاقتصادية والابقاء على تدفقها باستمرار.

2- وكذلك الاستمرار في الحصول على التفوق العسكري.

3- الوصول الى الاستقرار السياسي الداخلي الامن.

4- مع تامين الحدود من التدخلات الخارجية.

وبما ان النقطة الاولى هي النقطة الضامنة لتحقيق النقطة الثانية ، وبما ان النقطتين الاخيرتين ايضا متوقفة على النقطة الثانية ، حينها ستعتبر النقطة الاولى (الهدف الاقتصادي) هو المحرك الاول الذي يتحكم بالعلاقات الدولية وهي التي تحدد استراتيجياتهم وتحركاتهم على المستوى الخارجي سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا،لذلك يعتبر الصراع الدولي صراعا اقتصاديا بالدرجة الاولى، يديرها ويتنافس عليها الدول الكبرى.

ولطبيعة الصراع الراسمالي الحالي بعد هزيمة الاشتراكية وانفرادها في القيادة فانها تستهدف بكل الوسائل الى احتكار مصادر القوة الاقتصادية عبر الشركات الراسمالية العالمية التي تعتبر الذراع الاستعماري الجديد الغير مباشر، والبديل للذراع العسكري المباشر القديم، والذي يستعمل الان للسيطرة على الاقتصادات العالمية وبالاخص على مصادر الطاقة ومنها الغاز بالدرجة الاولى بعد ان حل اخيرا مكان النفط في سد الحاجات العالمية وقلل من الاعتماد العالمي على النفط ، مما تتطلب على الدول اليوم لتحقيق ذلك ليس فقط الوصول الى مصادر الطاقة بل وجوب تهيئة الارضية الجغرافية والسياسية لها ايضا، وعلى طول خط نقلها الى الاسواق العالمية، وبذلك تضع كل الدول الرئيسية امكاناتها السياسية والاقتصادية والعسكرية خدمة لتحقيق تلك الاهداف.

ولما كان الشرق الاوسط واسيا الوسطى تعتبران من اغنى مناطق العالم بموارد الطاقة العالمية واكثر الاسواق رواجا لتقبل كل انواع الانتاج ، كان الصراع عليها ومن ثم السيطرة على مواردها تعتبر النقطة المهمة الفاصلة التي تحدد بموجبها بقاء او ابعاد اي قوة صغرت او كبرت محلية كانت او عالمية عن مستوى المنافسة او في الاستفادة او المشاركة او في القيادة العالمية.

ولطبيعة الصراع ايضا في الشرق الاوسط واسيا الوسطى المستهدفة دوليا يتحول ذلك الصراع الدولي الاقتصادي فيها دائما لتاخذ لها بعدا ايديولوجيا دينيا طائفيا وقوميا لتتلاقى وتندمج معها على المستوى الاقليمي محولة هذا الصراع الاقتصادي على الارض لتختفي خلف واجهتين: الاول واجهة الصراع القومي بين المثلث التركي الايراني العربي، والثاني واجهة الصراع الايديولوجي بين الحركات الاسلامية مع تنوع توجهاتها ومرجعياتها من سنية وشيعية، ومن متطرفة ووسطية ومسلحة، والتي جاءت اليوم لتختزل الثانية في الاولى خلف واجهة اخرى جديدة استطاعت فيما بعد ان تحول ذلك الصراع الدولي لتظهر اقليميا على صورة الصراع بين العربية الوهابية والايرانية الشيعية واخرها االصوف-اخوانية التركية القطرية.

ولما كان الكورد يمثلون الحلقة الاضعف في الاعتماد عليهم من قبل الدول الكبرى بعد انهيار الامبراطورية العثمانية وتوجه المنطقة الى تشكل دويلات ذات تقسيمات قومية وايديولوجية اعتمدت عليها طبيعة الصراع بين الاطراف الدولية على المنطقة وقامت بتقسيمها وفق مصالحها، وذلك لان الكورد في ميزان المصالح كانوا اقل جذبا لرغبة الدول الكبرى في الاعتماد عليهم باتخاذهم وكلاء او حلفاء رئيسيين لهم وذلك لكونهم كانوا اقل وزنا من الناحية القومية عدة وعددا اضافة الى افتقارهم الى الايديولوجية الدينية الخاصة بهم حتى يتصارعوا خلفها مع بقية القوميات التي كانت تقف خلف كل منها ايديولوجية خاصة بها تملك موروثا دينيا تبريريا امتازت منهجياتهم بالمرونة التي لطالما كانت تاتي دائما لتتوافق مع طموحاتهم القومية حيث ساعدتهم في كفاحهم لنيل اهدافهم في بناء دولهم او دولتهم القومية، وكان هذان العاملان من اكبر العوامل المثيرة والفعالة التي اعتمدت عليها الدول الكبرى للدخول في المنطقة والبقاء فيها.

وبالمقابل فان اسباب صعود اي حركة او حكومة او حزب قومي او ايديولوجي او سقوطها كانت دائما ترجع الى قوة او ضعف الجهة الدولية الخارجية المدعمة لها ولم تكن باي شكل من الاشكال مرتبطة بقوتها الذاتية فعلى الجانب القومي مثلا، نرى بانه ما كانت القومية الاتاتوركية لتظل في الحكم لولا حماية الغرب لها وذلك لحاجتهم اليها ولاهمية تركيا في مواجهة المد الروسي وبعدها السوفيتي، ولكونها ايضا ومع اسرائيل كانا تعتبران الركيزة الاساسية للراسمالية والعلمانية في المنطقة التي اعتمدت عليهم الغرب.

وماكانت لتفشل بالمقابل الحركات القومية اليسارية في المنطقة العربية ولتنجح الوهابية السعودية الا لكون الاولى كانت تقف خلفها السوفيت والثانية كانت مدعمة غربيا ومن ثم امريكيا، وماكانت لتبقى الحركات القومية اليمينية العربية الدكتاتورية الا بعد تحولهم الى الجبهة الراسمالية في عهد السادات بعد فشل الوحدة العربية بقيادة جمال عبدالناصر، وماكان ليبقى النظام القومي السوري في الحكم لو لا حماية السوفيت لها بعدم تنازلها عنها بخلاف المناطق العربية الاخرى التي لم تكن بتلك الاهمية لها في تلك المرحلة ولاسباب اخرى عدة لامجال لذكرها هنا.

وماصعدت الخمينية الى الحكم الابتمهيد امريكي، وماصعدت نجم الاخوانية الا بعد ان اصبحوا من عرابي الراسمالية الغربية بعد طفرة النفط وبعد تمكنهم من ايجاد مخرج شرعي لربط الاقتصاد الاسلامي بالراسمالية العالمية عبر بدعة البنوك الاسلامية التي استطاعة الراسمالية العالمية من خلال تلك البنوك النفوذ الى المنطقة والسيطرة على اموال الشعوب الاسلامية ومواردها الطبيعية واسواقها، والتي بالمقابل رسخت من سلطة الحكومات الدكتاتورية عبر قيامهم حسب قواعد الراسمالية بخصخصة املاك الدولة ونقلها الى حسابهم وحساب الطغمة العسكرية التي تحميهم، لذلك اصبح ملوك ورؤساء الدول الاسلامية وعوائلهم من اغنى اغنياء العالم واصبحوا هم والطبقة العسكرية والموالون لهم من يملكون الدولة وكل مافيها، وتحول المجتمع الى طبقتين طبقة اتباع النظام المرفهين وطبقة المهمشين الذين لايملكون اي شيء، فالقيادات العسكرية المصرية مثلا يعتبرون من اغنى اغنياء الدولة، وان سيطرة هؤلاء على كل مفاصل الدولة العميقة هي التي اسقطت الاخوانية وهي ثمرة دبابتهم الشرعية التي مهدت لربط الاقتصاد الاسلامي بالاقتصاد الغربي، التي جعلت من هذه الطغم الدكتاتورية حلفاء الراسمالية وحراس وشركاء شركاتهم العابرة والمتعددة للجنسيات التي تنهب ثروات شعوبهم.

وماكانت الاردوغانية التركية لتصل الى الحكم الابعد نجاحها في البداية من خداع الغرب بانها ستكون حليفة استراتيجية لهم وستحافظ على العلمانية وقواعد الراسمالية الاقتصادية كما ستكون حليفا لاسرائيل وقامت بحذف كل مصطلح اسلامي من برامج وشعارات حزبه الجديد بعد انشقاقه عن استاذه اربكان، وامور اخرى سناتي الى تفاصيلها في الحلقات القادمة، وبالمقابل ماكانت لتمتد نفوذ التشيع الايراني اخيرا الى هذه المرحلة ايضا لو لا دعم الروس لهم، وذلك لتمنع من خلالهم المشروع الغربي الاقتصادي عبر حليفهم التركي القطري الاخواني كما اننا نلاحظ بان الاستراتيجية الامريكية الحالية تريد العودة مرة اخرى الى المنطقة بالركوب على اكتاف الوهابية العربية عبر محور السعودية وحلفائها من الخليجيين اضافة الى مصر.

ولكن على الجانب الكوردي، فاننا نرى بان التحولات الدولية ومنذ سقوط الامبراطورية العثمانية وطوال الصراع بين الجبهتين الشرقية والغربية ولحد سقوط السوفيت لم تكن لصالح قضيتهم وذلك لصغر ثقلهم القومي مقارنة بالقوميات الاخرى في ميزان مصالح الدول المتصارعة وكما لم تكن معاناتهم وحقوقهم مكان اهتمام جدي لدى اصحاب تلك المصالح الا بقدر محدود ومؤقت مكانا وزمانا، بل كان الصراع الدولي والاقليمي مهددا لوجودهم بعد ان مزقت جغرافيتهم، وبقي الصراع الكوردي في تلك المرحلة تمر بمرحلة الدفاع عن الهوية والصراع من اجل البقاء ورفض الذوبان في القوميات الاخرى، واستطاع الكورد مع كل ذلك ان يسطروا على صفحات التاريخ احداث بطولية تعبر باوضح صورها على انهم شعب لايمكن تركيعهم، وانهم ماضون حتى نيل اخر حق من حقوقهم القومية المشروعة، ولم يتوقف ثوراتهم طوال هذا القرن وبقوا صامدين ينتظرون الفرصة الدولية السانحة لنقل نضالهم من سطوة العدمية الى اثبات الوجود واستمر اوضاع الكورد على هذا المنوال الى حين سقوط السوفيت بداية التسعينيات.

وتعتبر فترة التسعينيات النقطة التاريخية الفاصلة بالنسبة لمصير القومية الكوردية، حيث بدا بعدها تتسارع التحولات نحو تحقيق حلمهم بان يكون لهم دولتهم المستقلة، فمن مرحلة الصراع من اجل البقاء الى مرحلة تكوين اول منطقة معترف بها ومحمي من النظام الدولي في فترة التسعينيات، ومن ثم تحولها الى مرحلة حلم الفدرالية ومن ثم تحقيقها قانونيا ودستوريا معترفا بها دوليا، ومن ثم مرورهم بمرحلة الخروج من الفدرالية والبحث عن الهوية الجديدة بعد الطفرة التي رمت بقضيتهم الى مرحلة الدولة المستقلة بعد الاحداث الدولية والاقليمية والعراقية التي رافقت احداث الربيع العربي ، ومنها الانسحاب الامريكي من العراق وتركها لمصيرهم المجهول، والتي تسببت بعدها بسيطرة ايران على زمام الامور في بغداد بتمهيد من المالكي، وسيطرة بعدها النفوذ التركي والعربي على المناطق السنية ومن ثم تصعيد المواجهة بينهم مما مهدت الطريق اخيرا لدخول داعش الى العراق واعلان دولتها. كل هذه العوامل دفعت باقليم كوردستان لتنفرد بادارة مناطقها وحمايتها والناي بنفسها قدر الامكان من الانجرار الى متون الصراع الطائفي، وببذل الجهود للتكيف مع الواقع المستجد ومحاولة العيش كدولة مستقلة، اصبح لها جيشها المستقل ، واقتصادها المستقل، وعلاقاتها الخارجية المستقلة، وكلها اثبتت انهاء واقعها الفدرالي خاصة بعد ان اصبحت هويتها الجديدة المستقلة حقيقة واقعة اعترفت بها المجتمع الدولي والاقليمي ضمنيا من خلال تعاملهم معها على كونها دولة فرضت نفسها بامر الواقع بعيدة عن بغداد وان لم تعترف بها قانونا.

واليوم يمر شعب اقليم كوردستان بمرحلة مخاض الدولة المستقلة القانونية وتريد ان توصل رسالتها الى العالم بانه من الغباء ان يقف العالم معارضا لهذا التحول ويتذرعوا بوحدة العراق الذي هم انفسهم لايؤمنون بها بعد ان تسببوا بتمزيقها والذي هم على يقين بان تلك الدولة من المحال ان تعود الى سابق عهدها في خضم هذا الكم الهائل من الخلافات الخارجية والداخلية على مستقبلها الاقتصادي والسياسي والايديولوجي.



   نشر في 04 غشت 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا