ـــــــ زوجة رجل مشغول جدًّا ـــــــ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ـــــــ زوجة رجل مشغول جدًّا ـــــــ

بقلم : لمـــياء ن ـ ب

  نشر في 05 فبراير 2017 .


ليلتها...

كانت عيناه على الشاشة، ولكنه كان غائبا تماما مغرقا في الحيرة والتفكير... كانت البرامج باهتة كما هو الحال منذ مدة طويلة، فكل ما كان يلتهم تفكيره صار بلا جديد وبلا معنى، ظل يسرح النظر حوله فيرى كم هو وحيد، وكم هي باردة تلك الأريكة التي كانت تجلس إليها بالقرب منه في صمت وصبر ،.. فجأة أحس بالغربة في بيته وهول المسافة بينهما ، وراح يسأل " ما الذي فعلته بنفسي ؟ما الذي فعلته بنا؟ كيف أهملتها ثم قدمت لها ما يبعدها ويشغلها عني؟ هل ألومها أم أوجه اللوم إلى نفسي؟ ألم تصبر طويلا ؟ألم تنتظر كثيرا ؟ماذا أفعل الآن ، هل ينفع أن أمنع عنها ما اخترته طائعا لها ؟"

.قام مغموما متثاقلا وأغلق التلفاز ثم أطفأ نور الصالون الفسيح ..ومرّ بمكتبها ،فوجدها غارقة في عالمها وأوراقها .. نظر إليها وقال :" تصبحين على خير .. أحب أن أنام الليلة في غرفة الضيوف ." وأدار ظهره وهمّ بالانصراف . انتفضت فجأة كالممسوسة وجرت خلفه مذعورة وأمسكت به تستوقفه ."مستحيل ، لن يفرقنا إلا الموت ،أبعد كل هذه السنين؟ " ، ثم جرته من يده وأجلسته على كرسي وجثت على ركبتيها ورفعت نحوه عينيها بهلع وقالت:"يجب أن نتحدث ، لن يطلع علينا صبح وينبلج يوم جديد إلا وقد تحدثنا ووضعنا النقاط على الحروف وأعدنا الأمور إلى نصابها" ...

منذ أشهر ..

قدمت له طبق السهرة المدلل ككل مرة ، حافلا بالفواكه الجافة والطرية ،تفوح من كأسَيْ الشاي الأخضر رائحة النعناع المنعشة ، وتعمدت التباطؤ والتلكؤ وهي تفرغ المحتويات الشهية وتمنع عنه عمدا رؤية الشاشة حتى ينتبه لها ولتسريحتها أو روبها أو ملامح وجهها اللائمة والمنتظرة .. لكن هباء كانت تحاول ، فقد كان يحرك رأسه يمنة ويسرة متابعا بشغف كبير ذلك الشوط الحاسم والمقابلة الحامية الوطيس، أمسك بيدها آليا وطبع قبلة شاكرا فضل خدماتها الكريمة وتبجيلها له وعيناه لا تملان ملاحقة تلك الكرة المجنونة التي تتقاذفها الأرجل بلا هوادة ، لتتابع فيما بعد نقاشا سياسيا فمحطات إخبارية من هنا وهناك مقتفيا أخبار كل العالم ، ناسيا أخبار عالمه الصغير .

.فتجلس كالمعتاد قريبة منه تحاول أن تشاركه الفرجة أو تتجاذب معه أطراف الحديث ، فيسكتها معتذرا بكل لطف .مقدما لها ذلك الوعد الذي لا يملّ :"نعم ... أوكي ...حسنا ، سنتحدث في الامر غدا ، أعدك بذلك عزيزتي ..."

ـــــ ذات ليلة ..

دخل البيت متحمسا ، ناداها بلطف وأنشأ يقول وهو يمسك بصندوق : "أحب قبل كل شيء أن اعتذر لك عن انشغالي عنك وتقصيري، أنت تعلمين كم أنت مهمة في حياتي ، وأني لولاك ولولا ما توفرينه لي من سبل الراحة البدنية والنفسية لما نجحت للتفرغ لعملي وكل ما يشغفني ، وإني لأقدر مللك وقلة سبل الترفيه عندك .. ولقد وجدت لك الحل ، ـ وأشار إلى الصندوق يفتحه ويقول : "انظري لقد أقتنيت لك حاسوبا متطورا وهاتفا شديد الذكاء ، تفرغي لكل ما تحبين يا عزيزتي ،اقرئي ما تشائين وطوري معارفك وهواياتك وابحثي عن أثر أصدقائك الذين باعدت بينكم السنين .. لعلي بهديتي هذه أكفر عن كل الوقت الذي يسرقني ."...

ــــــ على مر الأيام والأسابيع التالية ..

شغفت بالنت ووجدت فيه ضالتها . كانت تتابع تفاصيل الأحداث والأخبار تطالع الكتب الرقمية وتحرص على متابعة بعض الأفلام العالمية القيمة الذائعة الصيت والتي لم تتوفر لها فرصة مشاهدتها ، دون أن تنسى نصيب برامج الطبخ والفن وتلك الهوايات الأخرى الصغيرة التي تحبها ، وبفضل تلك التكنولوجيا تعرفت إلى أشخاص رائعين وعثرت على أصدقاء قدامى وتبادلت معهم الأحاديث والآراء والدردشة... وشيئا فشيئا صار هو يتنقل من مكتبه إلى تلفازه إلى شاشة حاسوبه وهاتفه ، في زاويته المعتادة ، و صارت هي تقدم له الطبق مدللا كعادته بكاس شاي واحدة لتسارع بالعودة إلى مكتبها وعالمها ، تقرأ وتكتب وتسمع وتشبك ...ولم تعد تشعر بالفراغ والحاجة إلى تجاذب أطراف الحديث معه ...

ـــــ في مكتبها،

تحدثا طويلا وهي عند ركبتيه ممسكة بيديه وقد بعثت فيهما الحرارة من جديد ، وأفرغ كل منهما جعبته بقلب مفتوح ... تحسرا على لياليهما القديمة وحديثهما البسيط المشحون .. واتفقا على أن عالمهما الحقيقي هو الخير والأجمل والأصدق والأبقى ، وأن الحضارة بإغرائها وسحرها تسرق أكثر مما تمنح ..ولم يزالا كذلك حتى عادت الروح إليه تدب دبيبا ، فمد يده بحنو يمسح على شعرها فهنيهة قبل أن يصيح سعيدا بما اكتشف فجأة : "قصصت شعرك؟ قصصت شعرك صغيرتي ؟" . فرحتها بعودة انتباهه إليها كانت أهم من أن تلومه وتخبره بأنها قد فعلت ذلك من أجله منذ مدة طويلة واكتفت بأن همست وهي تحدق فيه بكل حب : "..لأن من أحبه ، يحبه قصيرا .".


  • 1

   نشر في 05 فبراير 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا