حكم المرتد في الإسلام. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حكم المرتد في الإسلام.

  نشر في 04 أبريل 2016 .

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتّبع هداه.

أما بعد، فإنه من الفساد الكبير والشر العظيم أن يكتم المرء الحق ولا يصدع به، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) [البقرة: 159]، وقال تعالى: (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 42]، وقال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون) [آل عمران: 71]، وللأسف يوجد كثير من الناس ممن ينتسبون إلى العلم يكتمون الحق وهم يعلمون، ويلبسون الحق بالباطل ليرضوا أعداء الله سبحانه و تعالى، والله جل شأنه يقول: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) [البقرة: 120]. ومما يكتمه هؤلاء من الحق حد المرتد في الإسلام، فتجدهم ينكرون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعال الصحابة الكرام، وإجماع علماء الأمة، فاتصفوا بفعلهم هذا بأهل الكتاب من الذين يكتمون الحق وهم يعلمون، فقد روي عن نافع أن عبد الله ابن عمر أخبره: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بيهودي ويهودية قد زنيا، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء يهود فقال لهم: ما تجدون في التوراة على من زنى. قالوا نسود وجوههما ونحملهما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما، قال فاتوا بالتوراة إن كنتم صادقين، فجاءوا بها فقرءوها حتى إذا مروا بآية الرّجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم وقرأ ما بينها وما وراءها، فقال له عبد الله بن سلام وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليرفع يده فرفعها فإذا تحتها آية الرّجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، قال عبد الله بن عمر كنت فيمن رجمهما فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه" ، وهكذا سار هؤلاء المتعالمون على درب أسيادهم من أهل الكتاب، فيحاولون إخفاء الحكم الثابت من الكتاب والسنة، وأرادوا أن يضلوا عباد الله عن الحق والله عز وجل يقول: (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ) [النحل: 25].

الرّدة في اللّغة فهي الرّجوع عن الشيء إلى غيره، قال الله تعالى: (وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ) [المائدة: 21)، وأما الرّدة في الشرع: فهي الرجوع عن الإسلام إلى الكفر ، وليُعلم أن الرّدة تكون، بالإعتقاد وبالقول وبالفعل وبالترك هذه أربعة أنواع للرّدة، بالإعتقاد كأن يعتقد ما يقضي الكفر وظاهره الإسلام مثل حال المنافقين، وتكون بالقول كالإستهزاء بالله عز وجل والقدح فيه أو في دينه أو ما أشبه ذلك وتكون بالفعل كالسّجود للصّنم وتكون بالترك كترك الصلاة مثلا، وترك الحكم بما أنزل الله رغبة عنه أو كراهة ما أنزل الله فهي بالإعتقاد لأنها داخلة في عمل القلب ، قال الشيخ بكر أبو زيد : هذه تعريفات فقهاء المذاهب المشهور لمعنى (الرّدة) شرعا وهي تتفق في الغاية وهي: كفر من أتى ما يوجب رجوعه وردّته عن دين الإسلام وتختلف من حيث الشمول لما يتصور وقوعه من المكلف، من قول أو فعل أو اعتقاد أو شك.

إنّ الردة عن الإسلام خطر عظيم على صاحبه سواء في الدنيا أو في الآخرة، فالمرتد في الدنيا له حكم القتل ولا شك في ذلك إذ أن العلماء أجمعوا على قتل المرتد والفتك به، وله يوم القيامة عذاب عظيم، قال الله تعالى: (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة :217] وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) [النساء: 137] و قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة: 54] وقال تعالى:( مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النحل: 106] وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ) [محمد: 25] وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ) [محمد: 32] يقول الإمام ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى عمن كفر وصدّ عن سبيل الله وخالف الرّسول وشاقّه وارتدّ عن الإيمان من بعد ما تبين له الهدى أنه لن يضر الله شيئا وإنما يضر نفسه ويخسرها يوم معادها وسيحبط الله عمله فلا يثيبه على سالف من عمله الذي عقبه بردته مثقال بعوضة من خير بل يحبطه ويمحقه بالكلية كما أن الحسنات يذهبن السيئات فيكون يوم القيامة من المعذبين في النار خالدا فيها مخلدا أبدا ولن يقبل الله منه أي عمل قام به لأن الردة تحبط الأعمال. هذا يسحدث للمرتد في الآخرة، وأما في الدنيا فيجب إقامة الحد عليه وهو القتل إذ أنه لما "ثبت خطر الرّدة بكتاب الله تعالى، فهي موجبة للقتل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم و اجماع صحابته رضي الله عنه ، قال الله تعالى: (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) [التوبة: 74]، جاء في تفسير الجلالين "يعذبهم عذابا أليما في الدنيا بالقتل و الآخرة بالنار" ، وقال ابن كثير رحمه الله: يعذبهم عذابا في الدنيا أي بالقتل والهم والغم، والآخرة: أي بالعذاب والنكال والهوان والصغار ، وبنفس القول قال الإمام الطبري والقرطبي فراجع تفسيريهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه ، وقال عليه الصلاة والسلام: لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة ، قال ابن دقيق العيد: الردة سبب لإباحة دم المسلم بالإجماع في الرجال، وأما المرأة ففيها خلاف. و قد استدل بهذا الحديث الجمهور في أن حكمها حكم الرجل لاستواء حكمهما في الزنا ،وقال الإمام الماوردي: وهذا كما قال يستوي في القتل بالردة الحر والعبد والرجل والمرأة، وتقتل كما يقتل المرتد. به قال من الصّحابة أبو بكر وعليّ ومن التابعين الحسن والزهري ، وقال الإمام النووي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم و التارك لدينه المفارق للجماعة فهو عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت فيجب قتله ان لم يرجع إلى الإسلام ، فشرح الآية الكريمة وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم واحد عند أهل العلم قاطبة وأي قول خالف قولهم فلا يعتد به.

و إنه من الأدلة المضافة إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إجماع الصحابة الكرام على قتل المرتدين كما حدث في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما قاتل المرتدين وأقره الصحابة على فعله، وكما حدث في زمن عليّ رضي الله عنه لما حرّق الرّوافض المرتدون، وكما فعل الصحابة رضي الله عنهم بمن ارتد عن الإسلام، وسنسوق بعض الأحاديث الدالة على ذلك.

عن عكرمة قال: أوتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه ، فقد اختلف ابن عباس رضي الله عنه مع علي ابن أبي طالب حول كيفية القتل إذ أن ابن عباس لا يرى بالحرق للحديث النبوي السابق ولكن أقره على فعله بالقتل وقال ولقتلتهم...الحديث، وروي في صحيح البخاري أن أبا بكر رضي الله عنه قال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق ، فقتل أبو بكر الصديق المرتدين عن الإسلام وكان معه الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وروى عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: اذهب إلى اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة قال:انزل، فإذا رجل عنده موثق، قال: من هذا؟ قال: كان يهوديا فأسلم ثم تهوّد. قال: اجلس. قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله (ثلاث مرات) فأمر به فقتل ، وعن أبي عمرو الشيباني: أن المسور العجلي تنصر بعد إسلامه فبعث بع عتبة بن أبي وقاص إلى علي فاستتابه فلم يتب، فقتله، فسأله النصارى جيفته بثلاثين ألفا، فأبى علي وأحرقه .

من خلال كل هذه الأدلة يتضح للقاريء الكريم أن حكم المرتد واضح وضوح الشمس للناضرين، فلا ينكره إلا ضال مضل أو جاهل حائر وكلا الفريقين لا يلتفت إلى قولهم، ويجب أن ينكر عليهم، ويبين لهم خطأهم وضلالهم وجهلهم، (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم) [يونس: 25].

وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه الطاهرين.

كتبه الشيخ أبو ذر القصراوي.



  • أبو ذر
    طالب جامعي سنة أولى ماستر هندسة معمارية و عمران أحب كتابة مقالات خاصة في مجال السياسة و الدين و قد درست الدين و اشتغلت إمام متطرع في عدة مساجد بالجزائر .
   نشر في 04 أبريل 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا