![](/a/e4b24cfb2d5f1a6bc252452502d3303c/j7qgnwx9w/21.33.10-0d1656556a20bf73b91fb09718ec218f.jpeg)
تأليف كتاب هو صراعٌ رهيبٌ ومرهق، كما لو كان نوبةً طويلةً من مرضٍ مؤلم. -جورج اورويل.
قبل أيام حضرت ندوة بسيطة عن الكتابة، وكان المتحدث يردد، بين فقرة وأخرى: لماذا نكتب؟ ولماذا علينا أن نكتب؟
كان يحاول نبش الجواب من أعماقنا. ويؤكّد أن جوابنا عن (لماذا) سيجعلنا نُدرك السبب الحقيقي خلف الكتابة، وربما يكون جواب أعماق ذواتنا: (توقفوا عن الكتابة)!. الآن توقفوا، إن كنتم تسعون إلى الشهرة فقط.
انطلق الكاتب والملهم "سيمون سنيك" من هذا المبدأ وأخرج لنا كتابه الرائع (start with why)، وهذا السؤال لا يقتصر على الكتابة فقط أو الإدارة، بل اسأل نفسك دائماً وأبداً: (لماذا هذا الشيء؟) ولماذا ثم لماذا حتى تصل إلى جوهر الأشياء. وبعدها سيكون للشيء قيمةٌ لديك.
![](/a/e4b24cfb2d5f1a6bc252452502d3303c/j7qgnwx9w/14.00.34-59430f71877c75f5df71743320288513.jpeg)
وسؤال (لماذا نكتب) سؤال أزلي حاول الكثير من الكُتّاب الجواب عليه، وقد جمعت "ميريدث ماران" 20 مقال لـ20 كاتب؛ وهم يحاولون الجواب على هذا السؤال، وأخرجتها في كتاب أسمته (لماذا نكتب؟). ولكن أشهر من حاول الجواب عن هذا السؤال هو الكاتب الشهير "جورج أورويل" صاحب أشهر الكتب والروايات السياسية: (1984) و (مزرعة الحيوان).
إذن.. لماذا نكتب يا أورويل؟
1- حب الذَّات الصِّرف: الرغبة في أن تبدو ذكياً، أن يتم الحديث عنك، أن تُذكر بعد الموت، أن تنتقم من الكبار الذين وبَّخوك في طفولتك.. من الهراء التَّظاهر بأن هذا ليس بدافع، بل دافع قويّ.
2- الحماس الجماليّ: إدراك الجمال في العالم الخارجيّ، أو من ناحيةٍ أخرى في الكلمات وترتيبها الصَّحيح. البهجة من أثر صوتٍ واحدٍ على الآخر. الرَّغبة في مشاركة تجربة يشعر المرء أنَّها قيمةٌ ويتعيَّن عدم تفويتها.
3- الحافز التاريخي: الرَّغبة برؤية الأشياء كما هي، لاكتشاف حقائقَ صحيحة، وحفظها من أجل استخدام الأجيال القادمة.
4- الهدف السياسي: باستخدام كلمة (سياسي) بأشمل معنى ممكن، الرَّغبة في دفع العالم في اتجاهٍ معيَّن؛ لتغيير أفكار الآخرين حول نوع المجتمع الذي ينبغي عليهم السَّعيُّ نحوه. مرة أخرى لا يوجد كتابٌ يخلو من التحيُّز السياسي، الرأي القائلُ أنَّ الفنَّ ينبغي ألَّا يربطه شيءٌ بالسياسة هو بحدِّ ذاته موقفٌ سياسيّ.
هل تؤمنون مثلي؛ أن الأكثرية من الكُتّاب هم الصنفين الأولين؟ -إن أخذنا بتصنيف أورويل-.؟
في عالمنا العربي، نشأنا على الأدب والشعر؛ وقرأنا المعلقات وما قبلها ومازلنا نقرأ ما كان بعدها، إلى عصرنا الحالي.
وكان الحُكّام والخلفاء قديماً، يقربون أهل الشعر؛ يكرمونهم ويجلسونهم في مجالسهم الخاصة، لما يمتلكه الشاعر من مكانه، وأيضاً لسببٍ خفيٍّ ظاهراً للجميع -ربما-؛ وهو أن الشاعر يملك أعظم أمنية يتمناها الجميع، وهي أن يُكرّمك بـ"الخلود".!
لا عجب أن الإنسان يبحث عن الخلود في كل شيء، وليس ذلك بغريب أو مستنكر، "إنما هي خطيئة أبينا آدم فينا".. (البحث عن الخلود).!
فالشعراء خلّدوا لنا الكثير من الخلفاء والحكماء والكرماء وغيرهم ممن لم يستحق كل هذا الخلود. ولولا قصائد المتنبي لما عرفنا سيف الدولة الحمداني وغيره..
الرسالة:
كل الكُتّاب يملكون دوافع خفيّة، ظهرت لنا أو خُفيَت، المهم أن تبحث أنت دائما عن الـ(لماذا) الخاصة بك. في شؤون كتاباتك.. والأكيد؛ في شؤون كلِّ حياتك.
فالكُتّاب الخالدون؛ هم من أجابت أعماقهم على هذا السؤال، وسعوا إلى أرقى مكامِن الإنسانية، والبحث عن الحقيقة، وتكلموا بلسان الضمير، فخلّدتهم كتاباتهم.
-
محمد الشثريخرّيج إدارة .. وأرى التأمل أسلوب حياة .. والقراءة فرضُ عين! .. والكتابة سعي للبقاء .. وأحاول أن أعيش أكبر قدر ممكن من التجارب ..✨