حين لا نكون شيئاً ذي قيمة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حين لا نكون شيئاً ذي قيمة

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 25 يوليوز 2018 .

حين لا نكون شيئا ذي قيمة

ويكونون هم كل شيء

هيام فؤاد ضمرة

عندما لا تملك قاعدة حقيقية لتاريخ يخصك ويخص قومك تلجأ إلى تزييف الحقائق حتى لو اضطررت إلى سرقة تراث الشعوب الأصيلة وتاريخهم المجيد، هذه طبيعة استعمارية ليست جديدة في هذا الكون الذي يشكل فيه الإنسان محور التمرد والاغتصاب بين شعوب ثقافتها الاستعمار والهيمنة والتقاوي، ويتمركز هذا التوجه في فئة دينية يهودية اعتادت أن تعيش ضمن حلقة مغلقة، مُغلّفة بغلاف سميك من الأكاذيب والأحلام الشوفينية المبالغة بالكذب والتزييف والاحتيال.

فلسطين الحبيبة اختطفت كعروس جميلة طاهرة الذيل كانت تعد نفسها لاستقبال مرحلة حياة جديدة تكون فيها سيدة نفسها ومُدَبِرة عالمها، في توقيت عصيب استغل فيها عدو البشرية اليهودي ومعه البريطاني المتآمر الذين من عادتهما مقابلة المعروف بالغدر، كما هو ديدن يهودي بامتياز على طول تاريخهم، مستغلين مرحلة تغيير في الظروف السياسية في المنطقة، وهزيمة معسكر دول المحور الذي انضمت إليه تركيا في وقت متقدم، واضطرار تركيا الانسحاب من أنحاء امبراطوريتها العربية أمام لعبة المكائد الأوروبية الغادرة، بعد أن تكالب عليها الأعداء الأوربيين الخارجيين وانقلاب العرب الداخليين، أولئك المتلاعب بهم بالخديعة والاستخفاف والوعود بمنح دول وحكم، ليمزقوا البلاد التمزيق العميق ويتقاسموها تقاسم كعكة العيد بين جملة المستفيدين على مائدة الاحتفال من كلا الطرفين.

وهذا النوع من استغلال الطامعين في القفز فوق مقاعد الحكم كثيراً ما تمارسه الدول المستعمرة على العرب، ليحدثوا النخر العميق الذي يساعد على تسارع انهيار دول العرب ،الانهيار الذي يكسر السيقان تماما بحيث لا يعود لهم قوة على النهوض بعدها، فإذا كان اليهود اشتهروا بالاستغلال والغدر، فالعرب من العربان باتوا معروفين بالخيانة دون أن يهتز لهم عرق مقابل الحصول على مقعد حكم حتى لو كان ذلك على مجرد بضع كيلوات من الأمتار المربعة وسط صحراء قاحلة .

هذا هو بؤس العرب الوطنيين الذين يكتشفون الغادرين بعد فوات الأوان، وبعد أن يصبحوا عبيداً في جيب العدو يؤدون له الطاعة والولاء محنيي الظهر ملوثي الكرامة، وبعد أن يصبح العدو مغتصباً أغلى ما يملكون الشرف العربي والأوطان وشهادة التاريخ، ويجد العربي نفسه أمام سد مغلق في وجهه لا يمكن القفز عليه إلا بنضال مضني يدفع فيه الثمن الأغلى، قدر العرب أن يكون منهم الخائن المستسلم والبائع اللئيم الذي يفرد للعدو سجاد الاستقبال الأحمر، وفي الجانب الآخر الوطني الحر الشريف الشامخ الذي يجعل من حياة العدو المغتصب جحيماً لا يطاق.

هكذا بكل بساطة سقطت فلسطين الجميلة المتحضرة تحت نير الاستعمار الصهيوني المدعوم من أعظم قوة مستعمرة على سطح الكرة الأرضية آنذاك، ودعمها لم يكن ظاهرياً وإنما قدرة الأصابع الصهيونية التي كانت تعمل ضمن تخطيط وتدبير محكمين مستخدمة كافة الإمكانيات المؤثرة بقوة على اختراق المؤسسات البريطانية، ومن ثم وريثتها الأمريكية المهمة، الذي يجعل من مسألة دعمها توجها رئيساً لا يغيره تغيير الأشخاص فوق المقاعد الأكثر تأثيرا، مما يؤكد أن ما من قانون يسن في تكريس اليهودية إلا وراءه جهات عظمى داعمة بتحيز واضح، وعلى هذا أبدى الرئيس الروسي إعجابه بقوة إرادة نتياهو في إصراره على نيل أحلامه، وتحقيق وجود قومية يهودية في فلسطين، وهذا بحد ذاته يؤكد موافقته على هذا رغم كونه من قوى اليسار.

لست أخفي هنا إعجابي في الطريقة والأسلوب التي عمل عليها عدونا اللدود المحتل لوطن الفلسطينيين، ليحول نفسه في غضون وقت قصيرمن جماعات دينية مغلقة على نفسها مكروهة إلى حد تعرضها للاضطهاد بكل مكونها الاجتماعي الغريب الأطوار، إلى فئة قادرة على أن تستعطف مشاعر الأوروبيين وعلى رأسهم بريطانيا وأهم دول القارة الأمريكية للنظر بعين العطف إلى كونها فئة لا تملك لها وطنا يحفظ عليها حقوقها القومية.. من المؤكد أن استغلالها لفئة الأذكياء من قومها جعلها تسجل النجاح تلو النجاح، والتدبير في إثر التدبير، والمخطط تابع المخطط، هي سلسلة متراكبة ومتتالية محبوكة بقوة وبفنية عالية تتخذ قرارها بقوة دون أن تأخذ بالاً لانتقاد الغرب، وطبعا غير مهتمة لأن تأخذ بالاً للعرب.

على العكس تماما بدا العرب مستمرون على تفككهم وتباعدهم واستغراقهم في الشكوى وحسب، دون أن يؤدوا أي عمل ايجابي يُذكر، واتهامهم لبعض بالرجعية والخيانة، همهم التخلص من العقول الذكية والمفكرين العباقرة وطمس تأثيرهم السياسي والفكري للحفاظ على المقاعد والمناصب ومنبع الذهب والفائدة المالية المتدفق، والجاه المُشرِّع لهم أبواب صالات استقبال الشخصيات الرسمية في دول الغرب، ربما هذا سبب رئيسي في اختيار السجاد الأحمر لاستقبال حكام العالم الرسميين، ربما لأنه يثير فيهم مشاعر الإثارة والقوة الكامنة كما الثيران تماماً.

قدر العرب أن يجابههم عدو يشتغل على العمق النفسي والفكري فينتج قوة وتأثيراً وتمكين، وعرب يتسطح فكرهم وتتضاءل عقولهم ويتهاوى فيهم الاحساس، فيغدرون ببعضهم ويمكرون بمفكريهم ليبقوا على ما هم عليه من جمود، وعلى ما هم فيه من تغيب، لتمر كافة التيارات الفكرية من حولهم فلا تترك أثرها فيهم.

توسعت دولة الاحتلال على ذات منهج الاحتلال على ظهر الخيبات العربية نفسها، فهي بهذا محظوظة وكانت تظن نفسها لن تستطيع البقاء في فلسطين والدم العربي الثائر سيحرقها في أقرب فرصة، وأنها على وشك أن تصبح غذاءا لأسماك البحر الأبيض المتوسط على ما كان المعلق المصري في إذاعة صوت العرب يتبجح بتهديده بإلقاء المحتل اليهودي في البحر، هي طريقة عربية تتقن استعراض الخطابة وتصفيط الكلام وتفشل في الفعل الحقيقي، قبل أن تكتشف دولة الاحتلال حجم الهشاشة العربية الضاربة في العظام والتي تغطيها بالجعجعات والخطابات الرنانة التي توهم الشعوب بأن قياداتها تعد العدة بالشكل الصحيح لمواجهة عدوها وهي على أهبة الاستعداد الفعلي، ويملكون القوة الكافية والعقل المخطط، وما هم على ذلك قادرين للأسف والألم الموجع.

دولة الاحتلال درست أمورها وأمور العرب جيدا على ما يبدو، وأدركت أنها تعيش عصرها الذهبي حيث بامكانها فعل ما تريد وبتأييد دولي غربي هو في الأصل شريك الخيانة العظمى في احتلال اليهود لأرض فلسطين، لذلك ما عادت تلقى بالاً لردود فعل العرب وراحت تتخذ القرار تلو القرارمن تلك القرارات التي كانت لا تجرؤ على اتخاذها في الماضي، وهي أيضاً مدركة أن أصوات العرب الرافضين لقراراتها لن تجد لها صدى يذكر لأن القضية مرتب لها من قبل الدول العظمى والحليفة التي تترأسها دولة أمريكا المنحازة كلياً لدولة الاحتلال ومثلها الحلفاء، وتضع مالها وسلاحها وخدماتها اللوجستية تحت إمرة حكومة الاحتلال دون أن تلقى بالا هي الأخرى لردود فعل العرب.. وهذا كافي لأن نعلن إننا نتعرض لحملة انتهاكات عنيفة، وإرهاب حقيقي يطال كرامتنا وحقوقنا وإنسانيتنا وهويتنا الثقافية في المعتقد الديني، ولا نملك أدنى قوة لقول عبارة الإعتراض، فهذا عصر انهيارنا الذليل وذوباننا الموشك على النهايات.

سبعة ملايين عربي داخل فلسطين يتم تجاهل وجودهم وكأنهم لا ينتمون لهذا الوطن الذي هو وطنهم وحقهم، فيما يسنون قانونا يمنحون دولتهم قومية يهودية لصالح جماعة الشتات الغربي الغريبة المحتلة لوطن الفلسطينيين، علماً أن تعداد اليهود رغم كل محاولات اغراء وجذب اليهود للهجرة إلى فلسطين منذ سبعين عاما حتى هذه اللحظة لم تستطع رفع تعدادهم إلى رقم مساوٍ لتعداد الفلسطينيين العرب، ورغم محاولات العدو الصهيوني تسريب الأدوية المؤثرة على الانجاب في مياه الشرب للفلسطينيين لتحد من عمليات الانجاب، واتخاذ كل وسائل الإفقار للعرب ليضطروا اللجوء إلى تحديد النسل عنوة والتأثير على الديموغرافية السكانية لفلسطين.. فظل اليهود أقل تعداداً من العرب في فلسطين ولا يشكلون الأغلبية، ومع ذلك سارعت دولة الاحتلال لإعلان القومية اليهودية بحركة جنونية سابقة لأوانها.

والوقائع التي أيدتها المعطيات في الآونة الأخيرة أن ما نسبته 35% من اليهود غادروا اسرائيل بلا عودة متخلين عن وطن لن تهدأ فيه الأمور ولن يتمتعوا فيه بالأمن والعدالة، وأن قانوناً مثل هذا لن يجذب من يهود الشتات الغربي أكثر مما جذب خلال سبعين عاماً ماضية، فليُوفروا مواد اغراءاتهم وليداروا عنصريتهم البغيضة، فسن قانون يكرس اليهودية القومية لن يظهرهم إلا بمظهر اليمين المتطرف الذي يترأسه بنيامين نتنياهو بكل ما أوتي من عزيمة التطرف والهيمنة الكيدية ذي السمات الفاشية

رفض دولة الاحتلال اتخاذ موقف التوازن بين مبدأي يهودية الدولة وديمقراطيتها هو تشدد يدخلها في دائرة العنصرية، والتحيز ضد مصالح المواطنين العرب أصحاب الأرض، متنصلة بذلك من مسألة محافظة الدولة على ثقافة المواطنين العرب فوق أراضيهم وحفظ حقوقهم تاركة بتلك المهمة للعرب أنفسهم وهي تتمنى في قرارة نفسها ذوبانهم الكلي والاندماج المجتمعي.


  • 3

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 25 يوليوز 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا