تركيا ترتشف قهوتها على شاطئ واتاب..
كنت في الطريق الى مسجد السلطان أحمد اتمشى مع صديقي فهمي الشيخو ، وقد دار بيننا حديث طويل تضمن وسع الحريات في تركيا ، و مدى انفتاح الفتيات التركيات ، وكان حديثنا قد ارتبط بفتيات منطقتنا و قال لي فهمي الشيخو.
كان بنيتي ان اكتب عن " حقوق الرجل " بدلا من حقوق المرأة المنتشرة عندنا ، وعرج قائلا : ان المرأة عندنا تقريبا مقدسة ، نبذل لها المال ، والمشاعر ، واحياننا نتحمل الاشياء الكثيرة بسببها وهي مصانه غالية . اما هنا فالبنت بلا قيمة وهي ارخص بكثير .
اثناء حديثنا كنت اربط ذهنيا دور الدولة في صناعة المجتمعات والتاثير الثقافي على بيئتها ، كان في ذهني _ كأي شاب مسلم عاطفي _ ان تركيا عاصمة للعهد الاسلامي الجديد و هي الدولة الناصرة التي سترفع الظلم عن المسلمين في كل مكان _ حتى الذين لا يفعلون شيئا _.
ومواقف وتصريحات رئيس الجمهورية الحالي تشد من ذلك الشعور كثيرا ، في تركيا الامر مختلف على الاقل حتى الان ، في وسط المساجد تجد المرأة مكشوفة الصدر والساق ، في وسط الطرقات تجد الممارسات الخاصة( 18+) ، وتجد المرأة المنقبة تصطحب بنتا سافرة ،وتجد المفاهيم المتناقضة ، تجد الاسلام وتجد الالحاد وتجد الالتزام وتجد الانحلال ، وكل شيء تجد ، في مكان واحد ، ووقت واحد.
وخلال هذه التراكمات من المفاهيم والوقائع عدت الى الفندق RAMADA ، راميا بجسدي المنهك على الفراش ، وبعد قرابة ساعة من ذلك كنت اتصفح القنوات التلفزيونية ، الى ان توقفت عند عاجل على قناة العراقية وكان نصه يشير. الى ان انقلابا حصل في تركيا .
فزعت على الفور وارتديت ملابسي ونزلت الى قاعة الاستراحة واذا بي جد جميع زملائي محتضني التلفاز يشاهدون وقائع الانقلاب ، منهم من كان مسرورا ومنهم من كان تعيسا حزيناً ، وكان كل شخص يقول للاخر غير الى القناة ، الى القناة الفلانية ، لانه واضح جدا ان لكل قناة توجهها الخاص ، ولكن الحقيقية كما قالت Hajar AlkuhtanyAlkuhtany بين الخبرين .
ثم فجأة جاء نداء من احدهم و هرع الجميع الى النافذة يشاهدون دبابات الانقلاب وقد قطعت الطريق ، وبدا البعض _ وانا منهم _ يصور تلك اللحظة التاريخية .
وعدنا لاحتضان التلفاز من جديد ومع كل تصريح في قناة كان هنالك تحليل و تصنيف ، لكن في البداية كان السائد ان الانقلاب قد تم ، حتى انا قلت لمن تواصلت معه ان كل شيء قد اكتمل ، و كان د.يامن المصري يقول : " يا گماعة انا شفت الفلم دا ابلي كدة " يعني الانقلاب في مصر .
واستمرت التحليلات مع كل خبر جديد ، وكان لظهور رئيس الجمهورية على سكايب ، ومطالبته الناس بالنزول الى الشارع تاكيدا آخر على اتمام الانقلاب .
بعد فترة سمعنا اصواتا عالية وهرعنا هذه المرة الى البلكونة لنشاهد الجسر الذي امامنا يمرر على ظهره مسيرا هاتفة ، ضد الانقلاب ، وكانت المساجدا قد علا صوت مآذنها تأييد لنداء رئيس الجمهورية وتنديدا بالانقلاب ، وكان الرئيس وقتها قد ارسل رسالة عبر الهاتف الى كل من يحمل شريحة الخط التركي ، وطالبه بالنزول الى الشارع.
عند هذه المرحلة ومع بدأ توافد الناس بجميع تناقضاتهم التي ذكرتها ، بدأت الاراء التي تقول ان الانقلاب سينجح _ ومنهم رأيي_ تقل نوعا ما.
الى الساعة ال٢ صباحا _ قبلها / بعدها بقليل_ قضي الامر وفشل الانقلاب والقي القبض على بعض المدبرين و تواجد رئيس الجمهورية في مطار اتتاتورك ، وانتهى كل شيء تقريبا وبدأت تصريحات الدول بالتهنئة _ حتى تلك التي كانت تبتهل لينجح الانقلاب _.
وبدأت جولة تحليلات اخرى عن اسباب فشل الانقلاب ، منهم من اوزعها الى ضعف معلومات وتوقعات الانقلاببين ووعيهم بالشارع الذي ظنوا انه قد غضب من سياسات الحزب الحاكم وتدخله في شؤون الدول الاخرى مما جاء بالحمى الى تركيا ، ومنهم من توقع انه ضعف في نمط الاسلوب لاقتصارهم على النمط القديم في الانقلابات وغير ذلك .
على اي حال ، فان الفوائد التي اكتسبتها الحكومة و الحزب الحاكم جعلت البعض يقول انها قضية مفبركة .
انا لست محللا سياسيا ولا افهم بدهاليز هذه اللعبة الا ما يفهمه اي شاب عربي وعى على ظروف قاسية و كان اينما حل يسمع الكل يتكلم في السياسة .
ولكني كنت افكر في انماط تفكير مجتمعاتنا ، وفي حركة المجتمعات وتغيير ثقافتها . ويمككني ان ألخص ما رأيت ودار في ذهني بنقاط:
• أننا شعوب عاطفية بإمتياز ، عاطفية الى الحد الذي يتجاوز الشعور بالاخر الى انعدام الحكمة والمنطق .
• أن مجتمعنا واقع في فخ التصنيف ، فلابد أن تكون اما مؤيد او معارض ، اذا لم تكن لديك معطيات واضحة لتصنيفك اذهب وقل ما يقوله اهلك واعلامك واصحابك ومن تقلدهم.
• أننا نعذر المتقاعس ونحمل المحسن .
•أن بعضنا ما زال يسبح في مستنقع الماضي ، ويفكر بعقلية حاكم للعالم ، وهو افضل واذكى وارقى _ والادهى ربط ذلك بالتاريخ الاسلامي _ و هو يعيش في أكثر البلاد فوضى وهمجية ووحشية وفسادا .
• أننا اضحينا أمة اقوال لا افعال _ كما يقول أحمد خيري العمري _ ويربط ذلك بالعصر الجاهلي و رواج الشعر عندهم ، ويبدوا لي أن العلاقة بين (كثرة الاقوال بلا فعل ) واسلام العرب عكسية .
* ان انتماءات النخب ان اخذت مساحة من انصافهم ومنطقهم وطرق تفكيرهم فهذا يعني ان الامور تسير الى مزيد من التدهور وهذا للاسف رأيناه جليا وواضحا اثناء وبعد الانقلاب
*ان القيادة التي تجمع الشعوب المتناقضة تحت فكرة الخدمة والتطور الحضاري قيادة ذكية وان لم ترق للبعض .
.
#محمود_اليعرب
-
محمود اليعرباكتب فقط لأنه لا يليق بالرجل البكاء . كاتب عراقي و طالب هندسة الكترون . كتابي ال21. حساباتي ع كل الوسائل : malyaarub