لا يختلف إثنان على بشاعة حمل أُم عجوز و السير بها نحو دار العجزة لعدم تفرغ أحد أبنائها من أجل الإعتناء بها, ظاهرة أصبحت شائعة و إن لم يتقبلها المجتمع بعد, بل و يستنكرها أشد استنكار, فأن ترمي بمن حملتك تسعة أشهر ببطنها و سهرت ليالي طوال وجاعت لتأكل و عطشت لترتوي أنت و تعبت طوال عمرها إلى أن بلغتَ أشدك ليس بالأمر الهين, و لا من شيمنا. لن أتحدث عن هذه القلة القليلة من الأبناء الذين نُزعت الرحمة و الحب من قلوبهم وتخلوا عن جناتهم في الدنيا و الآخرة. بل ما دفعني للكتابة هي دار عجزة عصرية وخاصة, ليست دار العجزة الحكومية و التطوعية التي يزدحم فيها النساء و الرجال المعمرين بمن فيهم المتشردون كبار السن لسبب من الأسباب, بل أتحدث عن حين يقرر الأبناء أن يَجلبوا سيدة كي تعتني بتلك الأم أو الأب الذي أخذ الزمان قواهم و جمالهم و قوتهم و أصبحوا ممددين يتحركون بصعوبة و كل أمنياتهم أن يروا أبنائهم بجانبهم .
لا أرى أي فرق في أن تأخذ أمك أو أباك لدار العجزة أو كما يسميها البعض لمزيد من اللباقة, دار رعاية المسنين. وبين أن تجلب مساعدة تعتني بها طوال الوقت ببيت لوحدها, المكان مختلف ربما و لكن الهدف واحد و السبب واحد, فالأمر أراه سيان وإن اختلفت المعايير .
يعز علي أن أرى دموع الجدات تنهمر دون إدراك منهن على خدودهن المتجدعة متحسرات على ماضيهن ,وعلى تفريط أبنائهن, أراهن يتساءلن في صمت عن أي ذنب اقترفن في تربية فلذات أكبادهن, هل أخطئن وهن يضربهن صغارا لمصلحتهم؟ أي ذنب هذا الذي يجازين عليه هكذا؟ ألم يشفع لهن سهر الليالي خوفا من ارتفاع درجة حرارة أطفالهن؟ أم أن هذا هو الصواب بعد أن أصبحن مجرد جسد هزيل لا يريد الحراك و لا الموت؟
كم يقشعر بدني و أنا أسمع من يتمنى الموت لأباه أو أمه فقط لأنه ملّ من طلباتهما البسيطة التي لا تتعدى حاجياتهما اليومية الضرورية و الأدنى, و أتساءل كيف تغيرت مكانتهم بالبيت بعد أن كان للجد و الجدة قيمة و بركة كبيرة .
-
Mahassineأحب القراءة و البحث .. أعشق البرمجة .. متتبعة لأخبار التقنية و السياسة