الدعاء وكن فيكون - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الدعاء وكن فيكون

مفهوم الدعاء في القرآن الكريم

  نشر في 14 أبريل 2023 .

من أجمل العبادات بين العبد وربه، هي عبادة الدعاء، ويكفي من فضل الدعاء أن الله تعالى ذكر أن الدعاء هو العبادة ، كما قال الرسول محمد ﷺ : إن الدعاء هو العبادة، ثم تلى قوله تعالى : ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِیۤ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِی سَیَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِینَ﴾ [غافر ٦٠]

لكن في الحقيقة هنالك الكثير ممن أساؤوا فهمهم للدعاء، وكأنه بالنسبة اليهم المصباح السحري الذي سيحقق لهم كل ما يتمنون، خاصة في رمضان، وبالذات في العشر الأواخر منه.

ولو ألقينا نظرة دقيقة على آيات الدعاء في القرآن الكريم، فإن فهمنا للدعاء سيختلف عما هو شائع، فلو بحثنا عن معنى كلمة أجاب في المعاجم، فإنها تأتي بمعاني عدة، منها : رد، سمع، قضى، لبى

أجابه: تجاوب معه، حصل بينهما تجاوب وانسجام وتوافق

ومن مرادفات أجاب : أذعن ، أطاع، انقاد

ومن أضداد أجاب : أبى، أعرض، استكبر ، تجبر، تعظم.

من خلال هذه النبذة اللغوية ومن الدقة في وضع المفردات في القرآن الكريم، نفهم أن الإجابة لا تعني تنفيذ الطلب حصراً، فلم يقل تعالى ادعوني واطلبوا ما شئتم وسأنفذ طلباتكم، وأنقاد لكم.

والدعاء في اللغة النداء، وكأن العبد حينما يدعو ربه كأن ينادي أحد فلاناً فيجيبه نعم، ولله المثل الأعلى، فمعنى أجيب دعوة الداعي إذا دعان أسمعه وأتفاعل معه، وهذا أهم ما في الحث على الدعاء في القرآن، يعني أن الله تعالى موجود وقريب، وآيات عدة تدل على هذا المعنى دلالة واضحة:

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌۖ أُجِیبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡیَسۡتَجِیبُوا۟ لِی وَلۡیُؤۡمِنُوا۟ بِی لَعَلَّهُمۡ یَرۡشُدُونَ﴾ [البقرة ١٨٦]

﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُۥۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَیۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِیدِ﴾ [ق ١٦]

ومن اللطيف أن ضد كلمة أجاب استكبر، ففي الآية هذه : ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِیۤ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِی سَیَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِینَ﴾

[غافر ٦٠]

نجد التناسب بين ( أستجب لكم ) و (يستكبرون)

 فمن لا يدعو الله تعالى يستكبر، والله تعالى لا يستكبر إذا دعوناه بل هو مجيب.

ودخول السين على الفعل (أستجب) للمبالغة، ويعني كثرة الاجابة.

وقد يأتي أحد ويقول : ولكن الله تعالى قادر وهو القائل في كتابه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، فهو قادر على أن يفعل المستحيل ولا يعجزه شيء.

في الحقيقة نحن مقيدون بالمنهج الرباني الذي نزله الله تعالى إلينا بالوحي، ومن خلاله عرفنا الكثير من صفات الله تعالى، فأن نأتي بافتراضات من عندنا ونعلقها بشماعة قدرة الله تعالى، فهذا تألٍ عليه تعالى ومن الاعتداء في الدعاء :

﴿ٱدۡعُوا۟ رَبَّكُمۡ تَضَرُّعࣰا وَخُفۡیَةًۚ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِینَ﴾ [الأعراف ٥٥]

ولو تتبعنا جملة (كن فيكون) في القرآن الكريم لوجدناها جاءت في سياق الحديث عن آيات خلق السماوات والأرض وآيات القدرة الالهية من إحياء الموتى والمعجزات الكبرى، ولم تأت آية واحدة في القرآن تعدنا نحن أمة محمد بالاستجابة الخارقة للقوانين، ولم تأت آية واحدة من آيات الدعاء مقترنة بـ (كن فيكون)

 بل حتى إذا استجاب الله تعالى لنا في لحظة الدعاء بـ (كن فيكون) (فإن اللحظة الآنية عند الله تعالى غير اللحظة في زمننا*)، فحينما قال للكون كن استغرق ملايين السنين حتى كان، لحظة خلق الكون عند الله تعالى هي المدة الزمنية عندنا منذ بداية نشأة الكون، وبقوانين دقيقة يخوض علماء الفلك والفيزياء معادلات وحسابات رياضية معقدة حتى يفهموا بعضاً منها، فلو استجاب الله تعالى لدعائنا في نفس اللحظة التي دعونا بها، فلا نعلم كم من المدة الزمنية التي ستتطابق بها قوانين الكون مع طلبنا حتى يتحقق، دعاؤنا لا يستجاب بطريقة عشوائية،

والنبي محمد ﷺ وهو نبي، لم يتجرأ في دعائه ويطلب من الله طلباً خارقاً لقوانين الكون، فمجمل أدعيته كانت طلب المغفرة والعفو والرحمة، والاستعاذة من الشرور، وطلب الخير ..الخ

وحتى إن شمل معنى (أستجب) قضاء حاجة العبد، فلابد وأن تكون الاستجابة ضمن قوانين الكون التي خلقها الله تعالى، كأن يلهمنا أن نسير في طريق، ومن خلال سيرنا وسعينا ذاك تترتب القوانين لصالحنا وتحصل الاجابة، إذن في كل الأحوال لابد لنا من سعي حتى نحقق مرادنا بالدعاء، وبهذا نفهم معنى أن الله تعالى قادر ويجيب المضطر إذا دعاه.

 الخلاصة نحتاج أن نصحح مفهومنا عن الدعاء، والدعاء هو أن يكون لنا علاقة مع الله تعالى، نبدؤها بالدعاء وهو يتفاعل معنا بالإجابة أي بالرد والاستماع إلينا، وليس من اللائق بنا كعباد محبين لله تعالى وصالحين أن يكون دعاؤنا اختباراً لقدرته تعالى، فهذا من الاعتداء في الدعاء.


* العبارة مستوحاة من كتاب ليطمئن عقلي



  • 4

   نشر في 14 أبريل 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا