في خضم كل هذه الأحداث التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط، 25 شتنبر 2017 هو يوم آخر ينضاف إلى قائمة تواريخ تغير المصير لشعوب الشرق، إذ أن الأكراد أقدموا على استفتاء تاريخي على استقلالهم عن العراق بعدما ذاقوا مرارة العيش داخل أسواره المفتوحة لكل حامل للبندقية و الدبابة و الرشاش.
ترجع بداية الأزمات و انعدام الأمن في بلاد الرافدين إلى سنة 2003 فيما يُعرف بالغزو الأمريكي للعراق، فاقتحمت قوات جورج بوش الابن أبواب البلد و دمرت نظام الدولة و الاقتصاد و جهاز الأمن و العسكر و حولوها إلى خراب و أطلال، وهم يزعمون أمام العالم أن صدام حسين يصنع و يخفي أسلحة دمار شامل و لا يخضع للقرارات الدولية، غير أنهم لم يجدوا ذلك السلاح كي يقدموه في مؤدبة على شرف هذه الجرأة لأنه نابع من الخدعة و الزيف، و أقدمو على ذلك فقط قصد الوصول إلى مصالحهم الاستراتيجية الاقتصادية و العسكرية في الشرق سائرين على درب مكيافلي، أي أن الأهم هو الوصول إلى غايتهم التي يُخفونها همها بلغوا من التدمير و التخريب و الإخضاع. و الغريب أن العالم لازال يُؤمن بعبارة ‘’ ديمقراطية الغرب ‘’ في حين ضرورة استبدالها بـعبارة ‘’الغرب و لعب الأدوار لبلوغ المصالح ‘’. فصارت النتيجة هي العراق الذي نراه اليوم، ألا و هو بؤرة الموت و عش الإرهاب.
أ وليس مبكيا لهم رؤية أراضيهم و مدنهم و قُراهم التي تروي كل حجرة فيها عبقا من التاريخ و الحضارة و هي تُدمر؟ تلك الأراضي التي وطأتها أقدام ملوك و سلاطين الكرد و الترك و الفرس و العرب، و تلك الدماء المتدفقة على التراب، و الأرحام التي خرج منها عماد الدين زنكي و نور الدين محمود و صلاح الدين الأيوبي، فارتعبت منهم ملوك الإفرنج و فرسان الهيكل من قلب روما و باريس بلغراد حينئذ.
بعد كل هذا و ذاك، حملوا البنادق، كثيرات هن النساء اللواتي تجندن قبل الكثير من الرجال، فأخدت أوشحتهم تداعب جمال ابتسامتهن و خدودهن، فتدربوا جميعا في آفاق جبالهم و امتداد سهولهم، بأرواح ترويها شجاعتهم و رقي دمائهم عبر العصور و تفانيهم في وجه الظلم و الهوان.
ها هم يستفتون اليوم على مصيرهم بنسبة إقبال بلغت 72 في المئة من الشعب الكردي في العراق، راغبين في تضميد جراحهم و صون عرقهم داخل أسوار دولة اسمها كردستان، هذا الوطن الذي يُعد حلما تاريخيا لهم، يحلو فيه رغد العيش و الهناء و الازدهار، عسى ذلك يشفي القليل من ويلات الحروب التي عاشوها.
الغريب في الأمر أن أبناء جلدة الأكراد المنتمين إلى سوريا و تركيا و إيران و أرمينيا لم يحركوا ساكنا بعد، فظلت نواياهم علامة استفهام للمتتبعين للحركة السياسية في العالم و الشرق الأوسط، فيبقى السؤال المطروح حول ردة فعلهم حول مصيرهم و إمكانية طلب اقتطاع أراضيهم الممتدة في هذه البلدان و الرغبة في ضمها إلى دولة مسعود برزاني، مما قد يفتح جبهات مواجهة جيو سياسية جديدة على تلك المنطقة التي تعاني من مرض الحرب المزمن.
-
رشيد أُسكوشاب مغربي من مواليد سنة 1994، طالب.