الإسلام حياة مصر
رؤية إصلاحية
نشر في 14 شتنبر 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
حينما من الله بالفتح الإسلامي على مصر في القرن السابع الميلادي ، وعمت أنوار التوحيد أرضها ، وأضاءت شمس الإيمان أرجاءها ، أعز الله المصريين بالإسلام ، وأعز الإسلام بهم .
نعم ، لمصر على مدار تاريخها رجالات وزعامات لهم في قلوب المصريين مكانة عظيمة ، لكن هناك في قلوب المصريين رجال آخرون ، لا تقارب محبتهم محبة ، ولا تداني مكانتهم مكانة ، هم الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
إن محاولات سلخ مصر من هويتها الإسلامية ، وتهميش دور الدين في المجتمع ، وإقصاء مظاهر التدين من مختلف مناحي الحياة ، واستبدال ذلك كله بالفكر العلماني ، والمناهج الغربية ، تحت دعاوي الحفاظ على الأمن القومي ، والسلم المجتمعي ، هو التهديد الأكبر للأمن القومي وللسلم المجتمعي .
إن الانحلال قرين التطرف ، والابتذال قرين التشدد ، ودعوات العلمنة والتحرر والتغريب من البديهي أن تؤدي إلى دعوات التعصب والإرهاب والتخريب ، وعلاج ذلك كله هو التمسك بالفكر الإسلامي الأصيل ، الفكر الوسطي السمح المعتدل ، حيث لا إفراط ولا تفريط .
لقد دار الزمان دورته على مصر ، فبعد أن كانت حصنا مانعا للإسلام والمسلمين أمام هجمات التتار والصليبيين والغزاة ، وأمام ضلالات الفكر المستورد والدخيل على العقيدة والفكر الإسلامي ، رأينا اليوم الرجل المسئول عن ثقافة المصريين وتوجهاتهم الفكرية يقول أن مصر علمانية بالفطرة ، وبعد أن كانت مصر مخزنا للغلال ، ومأوى للفقراء والمحتاجين من شتى الأنحاء ، صارت اليوم تتسول رزقها وقوت يومها ، بينما ينفق أحد المسئولين عن غذاء ومئونة شعبها على نفسه وعلى ملذاته في أيام معدودة ، ما يكفي غذاء ومئونة قرى بأكملها لشهور طويلة .
هل بعد كل ذلك الشذوذ الفكري والانحطاط الأخلاقي والفساد المالي من هؤلاء يُنتظر من المصريين الصبر والتقشف والرضا بالواقع المرير ؟
من أجل من يتقشف المصريون ؟ من أجل حفنة من الذين باعوا الدين بالدنيا ، وتنكروا لحضارتنا وتاريخ أمتنا وتراثها الفكري والأخلاقي ، أم من أجل حفنة فاسدة مفسدة ، استحلت أموال الشعب وتركته للفقر والجوع والمرض بينما ترتع هي في الرخاء والنعيم من أموال الشعب المسكين .
حتى لو كان هناك من يشعر بآلام الناس ، ويحمل همومهم ، ويبذل جهده لتغيير الأوضاع ، وتحسين الأحوال ، فإن هذا الجهد مهما بلغ ، لن يحرك ساكنا ، وسيذهب سدى ، طالما لم يأخذ خطوات جادة ، تتمثل في التخطيط السليم ، وإصلاح التعليم ، وتطبيق نظم تضمن العدل والمساواة وتحقيق العدالة ، والسعي الحثيث للقضاء على الفساد والمفسدين ، واتخاذ الأسباب العلمية للنجاح ، وقبل ذلك كله ، ولكي تصبح تلك الخطوات واقعا ملموسا ، لابد أولا من رد مصر إلى ربها مردا جميلا .
إن الإيمان بالله ، وما يستتبعه من الامتثال لأوامره ، واستحضار خشيته ، وابتغاء مرضاته ، هو أكبر المحفزات على طلب العلم ، والإخلاص في العمل ، وبذل الجهد ، والبعد عن أسباب الفساد ونهب الأموال ، واجتناب ضعف الهمة ودواعي الخمول والكسل .
إن أولى الخطوات في سبيل استرداد مصر لهويتها الإسلامية الخالصة ، واستعادة منظومة القيم والأخلاق فيها ، هي استعادة الأزهر الشريف لدوره التاريخي ، والذي يتمثل في تعليم العقيدة ، وتعظيم العبادة ، ورعاية الأخلاق ، والتصدي لمظاهر الانحلال والفساد وتهميش الدين .
إن ما يتميز به الأزهر من رسوخ علمي ، وتنوع فقهي ، وتفهم للتعدد والاختلاف المذهبي ، وما يملكه من تاريخ مديد ، وتلك الأعمدة النورانية التي أضاءت وجهات العالم الإسلامي على مر العصور ، يجعل منه مرجعا شرعيا لإنشاء منظومة من القيم والأخلاق المستمدة من العقيدة والشريعة الإسلامية ، تكون قادرة على توجيه البلاد نحو مستقبل مشرق ، مبني على الدين والعلم ، والنظام والخلق ، والعمل البناء .
كما أن الأزهر بصفته مرجعية عالمية للمسلمين ، يستطيع أن يهيىء مصر لاستعادة ريادتها ومكانتها بين دول العالم ، كقيادة روحية وسياسية لكل الدول الإسلامية .
لقد صارت جذور الفساد ضاربة ومتوغلة في شتى المجالات ، ومظاهر الغش وأكل الأموال بالباطل قد طالت كل شيء حتى غذاء الناس ودوائهم ، ومهما بذلت الدولة من جهود ، وسنت من قوانين ، فسيذهب كل ذلك هباء منثورا ، طالما ظلت الضمائر منعدمة والأخلاق في أجازة ، وسيتحول القانون نفسه لغطاء وحماية للفاسدين طالما يملكون ثغراته ويجيدون التلاعب بنصوصه .
إذن لا مناص من إيجاد صيغة شرعية تعطي بطريقة مؤسسية علماء الأزهر حق القيام بواجبهم الأصيل ودورهم التاريخي في تقديم الشريعة ورعاية الأخلاق والتصدي لمظاهر الفساد .
وقيام علماء الأزهر بالدور المنوط بهم لا يفهم منه ممارسة التسلط ، أو الافتئات على أهل التخصص ، فلا دخل لهم بإدارة الدولة ، أو برامج الحكومة ، أو عمل المؤسسات ، ما دام ذلك كله يدور في فلك المنهج الإسلامي ، ولا يخالف حدود ما أنزل الله على رسوله .
والخطوة التالية في سبيل تحقيق ذلك هي منع قيام الأحزاب على أساس أيديولوجي ، سواء كانت أحزاب دينية أو إشتراكية أو علمانية ، لأن القبول بالأحزاب الدينية معناه القبول بنزول الدين لمستوى الصراعات الحزبية وبدخوله في مناورات سياسية ، وهذا لا شك يضيع الدين والدنيا معا ، كما أن الأحزاب المؤدلجة كالأحزاب العلمانية والشيوعية ، بما تحمله من أفكار دخيلة لا تصلح للتطبيق في بلادنا ، تشكل خطرا كبيرا على منظومة القيم والأخلاق الإسلامية ، كما أن تنامي نفوذ وأفكار تلك الأحزاب ، يمثل استفزازا للغالبية العظمى في الشعوب الإسلامية ، مما يؤدي إلى تأجج الصراع في المجتمع ، ويفسح المجال لنمو الجماعات والتيارات المتطرفة .
والبديل الأمثل لقيام أحزاب على خلفية دينية أو أيديولوجية هو جعل تكوين الأحزاب فقط على أسس عملية وبرامجية ، مثل طرق الإدارة ، ووسائل ومصادرالإنتاج ، وسبل تحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي .
إن نسب مصر والمصريين إلى الإسلام هو نسب أبدي ، وستظل مصر تتوق دائما إلى هذا النسب الشريف المقدس ، تتوق إليه خالصا مجردا ، بعد أن اختلطت به مذاهب أرضية ، وضلالات فكرية .
فلنمض في طريقنا مخلصين لله ، مستمسكين بكتابه ، مقتدين برسوله ، متخذين كل الأسباب العلمية والعملية للنجاح والتقدم والإنتاج ، وسوف تحوطنا عناية الله ورعايته ، وتحرسنا قدرته وحكمته ، وتشملنا رحماته وبركاته .
( ولو أن أهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) .
-
د . محمد عبد الخالقطبيب بشري وباحث