قصة صامتة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

قصة صامتة

و يبقى الصمت صمت المشاعر

  نشر في 19 غشت 2016  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

كانت تجلس عند النافذة كعادة كل امرأة ستينية أرملة تحملق في متغيرات المنظر الذي لا يكاد يتغير من يوم لآخر لكنها تنظر إليه على أية حال فتلك هي نافذتها الوحيدة على غيرها و تلك ثغرة ترى منها العالم الذي لا يراها و يكاد ينسى أنها هناك تصارع الملل و الإعياء و التفكر في سنين قضتها تربي سالما و خالدا و عدي و تجري وراء خنساء تظفر شعرها الحريري و تمرض عليا الذي يعاني أغلب الوقت من الحمى بسبب جسمه الضئيل و مناعته المهترئة التي لا يزال التفكير بها يقعدها من منامها رغم أنه قد هاجر بعد أن اشتد عوده و أكمل تعليمه.كانت عجوزا على خلاف قريناتها في الحي غارقة معظم الوقت في غموض أفكارها التي لا يكاد يلمسها أحد منذ فارق أبو سالم الحياة فقد كان الوحيد الذي يفهم صمتها الدائم و الغير منقطع و يسمع صوت عينيها و قلبها و يصغي له أيما إصغاء.لم تكن تعرف أن مترجمها الوفي سيرحل قبلها فلم تفكر يوما في أن تتعلم الكثير لتتصل بغيره و ردعت محاولاته العديدة منذ أول سنوات زواجهما على أن تتعلم ذلك لكنها اكتفت بالنظر إليه قائلة "بهما أنك لساني وهذا يكفيني".غريب هو ذلك الإنسجام الذي يجعلك تفهم شخصا من صمته قبل كلامه و من قسمات قلبه قبل وجهه,رحل أطفالنا يا أبا سالم و لم أعد أرى منهم أحدا و لا أسمع صوت أحدهم في سماعة الهاتف فأردد في خاطري "لابأس فما الفائدة من الاتصال بعجوز بكماء"

ثم أذكرك فأعرف أني لم أكن بكماء قط إلا بعد رحيلك فقد كنت صوتي حين أفرح فكم من مرة أطلقت زغرودة بالنيابة عني حين حصل علي على الدكتوراه و يوم زوجنا خنساء و حين ختن سالم ابنه البكر و في كل مناسبة كنت حاضرا فيها معي,آه كم كان يضحك قلبي لذلك سرورا و كم كنت رجلا مهتما بتفاصيلي لتلك الدرجة.حتى حين رحلت تركت لي كل هذه الذكريات لابتسم حين تغدو و تجيء على بالي و أحسبها لا تروح و لا تجيء و إنما هي تعيش معي من أول كأس القهوة إلى غفوة الظهيرة و من غروب الشمس إلى غسق الليل.و أحسب أن ذلك فقط هو ما يهون علي طول هذه الأيام يا أبا سالم.

أغلقت سمية نافذتها و رجعت تحمل مسبحتها قاصدة غرفة نومها وغفت هذه المرة تحلم بلقاء زوجها فلعلها تحظى بزيارة ذلك العزيز الذي غيبه الموت عنها,طالت غفوتها لأيام و لم يفتقدها سوى ذلك الحانوتي الذي يقابل محله شرفة عمارتها و الذي اعتادت قصده كل فترة لشراء بعض حاجتها و اعتاد كل صباح فتح محله على صورتها و هي ترتشف كأس شايها أو قهوتها هناك و عيناها معلقتان بصورة السحب و السماء.

‫#‏نوال_جامع‬


  • 1

  • نوال جامع
    أنا فتاة مسلمة تحب الخير,تسعى لنشر القيم,الكتابة هواء أتنفسه و فضاء أكون فيه نفسي بلا مقدمات.
   نشر في 19 غشت 2016  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا