طفلي يقرأ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

طفلي يقرأ

  نشر في 23 أبريل 2022 .

تبدأ القراءة على نحو غريزي منذ أن يبدأ الطفل في " تصفح" وجوه الآخرين من حوله و التعرف عليهم. ثم إظهار استجابته لتلك المثيرات بالعبوس أو التبسم أو التأمل. وهي على العموم غايات القراءة ومراميها.

منذ منتصف القرن الماضي طوّر علماء النفس التربوي علاقة الطفل بالقراءة من معرفة النطق بالكلمات إلى فهم الأفكار العامة للنص المكتوب. ونتيجة للاهتمام بحرية التعبير، وإحداث المؤسسات و القنوات الدستورية التي تتيح للشعوب التعبير عن آرائها، فقد اتسع مفهوم القراءة ليشمل كذلك النقد و الحكم و الاستنتاج.

اكتسبت القراءة إذن بُعدا تفاعليا يتخطى تفسير الرموز إلى حل المشكلات، وتضاعفت بالتالي مسؤولية خلق جيل قارئ ترتبط لديه القراءة بالقدرة على الإبداع والابتكار لملاحقة التغير الحضاري السريع، وتحمل العيش في عالم يزداد تعقيدا. الأمر الذي يضع الآباء في مواجهة مسؤولية متجددة عن حضور الكتب في المحيط الأسري، وتحفيز الطفل على القراءة.

من أسرار التربية المثالية التي تقترحها الخبيرة التربوية شيلي هيرولد لتنمية مهارات الطفل منذ عامه الثاني: توسيع نشاط القراءة، وعدم الاكتفاء بقصص ما قبل النوم. تقول هيرولد:" لا تقصري نشاط القراءة على وقت النوم فقط. أحضري معك كتابا لقراءته خلال الانتظار في مطعم، أو خلال الاستمتاع بوجبة خفيفة في المنزل، أو أثناء الجلوس على مقعد في الحديقة، أوفي الطائرة، أو على الشاطئ، أو في الطريق إلى منزل الجدة." هكذا يكتشف الطفل ذاته، ويكتسب المعرفة بالعالم من حوله.

وأثناء قراءتنا للقصص التي يحبها الطفل فلا بأس من اعتماد استراتيجيات متنوعة، تنمي حسه القرائي من جهة، وقدراته الابتكارية من جهة أخرى. ومن أهمها طرح الأسئلة المفتوحة كسؤالهم عن أشياء لم تخبرنا عنها القصة، ورأيهم الشخصي حول الأحداث و الشخصيات.

ومنها كذلك استراتيجية التنبؤ القرائي، كأن تطلب من طفلك بعد قراءة عنوان القصة أو الكتاب أن يحاول التنبؤ بمحتواه، أو حفزه على تخيل النهايات المحتملة لقصة غير مكتملة.

ثم هناك أيضا استراتيجية تنمية التخيل، والتي تدعو الطفل إلى إعادة تأليف القصة من جديد، عبر دمج أحداث وفقرات من قصص أخرى، أو استخدام خيالهم الخاص وتوظيف تعبيرات لغوية جديدة.

إن البدء بالقراءة في سن مبكرة أمر في غاية الأهمية، حتى بالنسبة للرضع الذين يكتفون بلمس الكتب ومضغ حوافها، أو تقليب الصفحات لرؤية الكتب. بل إن دانييل بلايث في مؤلفه " أرض الآباء" يقترح كتبا بلاستيكية يمكن للطفل أن يصطحبها معه إلى حوض الاستحمام، وأخرى فوق صوتية يمكن للجنين في رحم أمه أن يستمتع بقراءتها. وليس في الأمر مبالغة لو وقفنا على حجم التأثير الذي تُخلفه الكتب في حياة الطفل حتى لو اكتفى بتمزيقها. يحكي الدكتور مصطفى محمود عن تصرف من هذا القبيل في مذكراته قائلا: "لا أنسى عندما دخل أبي وهو يحمل ربطة كتب ومجلات مربوطة بخيط دوبارة، وأعطاها لي بدون أن يذكر لي ماذا أفعل بها. كنت ما زلت طفلا صغيرا، وبالتالي كانت النتيجة المنطقية أن أقوم بتقطيع معظم هذه الكتب. إلا أنني وأنا ألعب وأمرح على بقايا مذبحة الكتب وقعت عيناي على إحدى صفحات مجلة وجدتها تحمل صورا ورسوما شيقة لقصة مصورة أعجبتني جدا، وأردت ان أعرف باقي القصة. ودفعني عقلي الصغير إلى محاولة إعادة تجميع وترتيب القصة كلها, وكانت بداية القراءة معي، وكان هذا ما يريده أبي الذي كان يراقبني من بعيد."

وللقراءة دور حيوي في تهدئة الأطفال وتبديد مخاوفهم، وإعدادهم للتوافق مع العالم الواقعي الذي يبدأون اكتشافه في سن السابعة. وسهولة التوافق هذه تحققها القراءة عن طريق توليد صور ذهنية تعزز التخيل و الإبداع، وتُكسب الطفل شعورا أقوى بالذات. وبالتالي يتم إعداده بشكل أفضل لحل مشاكله في المستقبل.

وتقع على الآباء مسؤولية اختيار الكتب والقصص المشوقة والمفيدة، وعدم الانسياق وراء كل ما هو معروض دون اهتمام بمحتواه ورسائله الموجهة للطفل. حيث أن مؤلفي قصص الأطفال ليسوا على درجة واحدة من الكفاءة و الدراية بمتطلبات هذه المرحلة. ولازال أدب الطفل في عالمنا العربي، للأسف الشديد، يتحدث "عن" وليس "إلى" الطفل، ويستلهم لغته من التوجيهات و المفاهيم التعليمية الكبرى بدل أن يستلهمها من الأطفال أنفسهم. وبذلك يصبح الكاتب نسخة أخرى من المعلم في الفصل، ويحرص على تفسير الظواهر وفق مرجعيتها الطبيعية بدل الاستعانة بخيال الطفل، فيفسر الريح على أنها الريح في الوقت الذي يراها طفل في الرابعة من عمره :" فرس السماء" !

لا تكتف بإحداث مكتبة في البيت، بل لا بد أن يراك الطفل وأنت تقرأ وتتصفح الكتب، وتدعوه ليقرأ لك فقرة من الكتاب وتناقشه فيها. يحكي أحد الصحفيين اللامعين كيف أن والده كان يتظاهر بأنه أتلف نظاراته كي يقرأ له الابن مقالة أعجبته في الصحيفة، ثم يناقشه في تفاصيلها ويسأله عن رأيه. ولعل من أفضل الطرق لتقديم الكتاب وتحفيز الطفل لقراءته أن يقرأه أحد الوالدين، ثم يجعله موضوعا للدردشة مع صغيره، فيستحضر الشخصيات وأهم الأحداث، وقد يمد يده ليسحب الكتاب من الرف ويقرأ قطعة قصيرة ومثيرة، ثم يدع الكتاب بين يدي الصغير ليكمل القصة بنفسه.

لا يحتاج طفلك إلى صيغة الأمر كي يقرأ، إنه يتطلع لقدرتك على فتح شهيته للقراءة وجعله يغطس، بتعبير الكاتب الفرنسي دانييل بِناك، في عزلة القارئ المسكونة بتعدد عجيب. هكذا سيكتشف فضيلة القراءة التي تضفي معنى على الأشياء من حوله !



   نشر في 23 أبريل 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا