في انتظار الربيع
عن وداع الوطن والطقس وأشياء أخرى!
نشر في 06 ماي 2023 وآخر تعديل بتاريخ 11 ماي 2023 .
لازلت أتذكر تفاصيل الرحلة ، كانت رحلة طويلة وشاقة، قطعنا خلالها آلاف الكيلومترات من أجل الوصول إلى وجهتنا التي كانت مجهولة في أذهاننا آنذاك! نعم كانت رحلة نحو المجهول حرفيا!
لأول مرة أركب طائرة الذهاب من دون تذكرة الإياب، طائرة ستقلني إلى بلد مختلف بغية تبنيه مسكنا و مأوى!
كنت أظن أن المشاعر ستكون خليطا من فرح وحماسة المجتهدين مع قليل من الإعتزاز و الفخر ! هل من أحد يرفض إقامة دائمة في دولة متقدمة و مليئة بالفرص ، حيث الجميع سواسية أمام القانون؟ طبعا إن الرفض هنا ضرب من الجنون! بل الجنون ذاته!
فإذا بي أختبر مشاعر وأحاسيس متناقضة ومختلفة، لها طعم الفراق المرير و نكهة شغف البدايات.
نظرة عيناي وأنا أودع وطني تشبه نظرتي للطبيبة وهي تقطع الحبل السري يوم الولادة, آنذاك ظننت أن الألم سيتحول لفرحة عارمة لأنها اللحظة الفعلية لرؤية ابنتي وبداية حياتها خارج جسدي. لكنني شعرت بشيء من الحزن ومن الإشتياق للحظات السعيدة حيث كنت أتمدد وأراقب حركاتها الراقصة داخل بطني لدقائق وساعات !
فبين فرح لولادة جديدة في بلد مستقبل و وداع للوطن الأم، تظهر أفكار لا متناهية تستفز كل أعضاء الجسم وتجعلها في حالة استنفار ،ويبرز خوف خفي وقلق مزعج ، يطرح كل منهم طوال الرحلة العديد من الأسئلة التي قد تكون وجودية أحيانا!
ما إن وطأت أقدامنا في ساعة متأخرة من الليل مدينة "وينيبغ" بعد رحلة دامت حوالي عشر ساعات، تفاجأنا أن للطقس هنا قساوة منقطعة النظير! قمنا بالاستعداد و التخطيط الجيد لهذه البداية حتى يكون كل شيء على أكمل وجه، لكن الاستعداد نفسيا لعشرين درجة تحت الصفر فأقل، فاق كل التقديرات والتصورات لأن البرد يجب بكل بساطة تجربته لا مجال لتخيله فهو يعاش حتى يكون بإمكانك التعرف عليه.
كان الثلج عبارة عن كتل كبيرة بيضاء تكسو كل الطريق ، حتى جنباته، والريح تستهدفك من كل جانب، تقصد الوجه مباشرة فيحمر ويتجمد!
استمر الحال على ماهو عليه طوال فترة الستة أشهر، إلى أن بدأت بشائر الربيع في الظهور، لا أعرف إن كان بإمكاني أن أدعوه ربيعا؟ لأنه تأخر كثيرا عن موعده وطال انتظاره! وبعودته عاد البط إلى الديار مباشرة بعد ذوبان كتل الجليد، وأتى نقار الخشب يستفز أغصان الأشجار الذابلة. فبدأت الحرارة ترتفع ببطء وبدأ سكان المدينة يبتسمون ويتخلصون شيئا فشيئا من ثقل ملابسهم الشتوية ويستعدون بفرح لاستقبال ليالي الصيف الطويلة الدافئة.
لازلت في هذه اللحظات أنتظر بفارغ الصبر ظهور العشب و نمو أوراق الشجر ، لا زلت أنتظر الإخضرار الذي يبعث على الانشراح و الأمل ويريح العين ويسر الناظرين إليه.
لعل أبرز الدروس التي تعلمتها في هذه المدة، هي الصبر و الإنتظار الذي أصبحت له طقوسا خاصة هنا!
عشت تجربة فريدة من نوعها حيث أدركت مدى تأثير الطبيعة و تقلباتها على حالة الإنسان النفسية، وعمق هذا التأثير قد يمتد لكآبة مزمنة شفاؤها مرهون بشيء واحد ووحيد وهو عودة الدفء من جديد !
-
سناء لعفوأنا سناء من المغرب مقيمة جديدة بكندا ، كتبت مجموعة نصوص عن تجربتي كأم مهاجرة حديثة وأود مشاركتها معكم ☺️ أتمنى أن تشاركوني آرائكم وتعليقاتكم.