تأتي إحتفالات مئوية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هذا العام متوافقة مع العيد الـ 47 لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة تحت شعار: هذا زايد وهذه الإمارات فكلا الإحتفالين يعيداني بالذاكرة إلى ماضي الأباء والأجداد حيث تتوسد الإمارات رمالها الذهبية ويطالع صباحها هدير أمواج الخليج العربي المختلط بغناء الصيادين الذين سبروا أغوار البحر بحثاً عن محار اللؤلؤ .

في هذه البيئة حيث مواجهة مد وجذر الموج العالي ومجابهة قسوة الطبيعة الصحراوية الجافة ولد رجال ونساء جبلوا على الصبر والصمود والذي بموجبه طوعوا موج البحر العاتي وقساوة الصحراء فنالوا خيرها ومن ذلك سريان حب هذه الطبيعة وبقسوتها سريان الدم في العروق .

ولد الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله في هذه البيئة وترعرع ونال حظه من حبها فتكونت شخصيته ونمت على هذا الحب وتدثرت بتقدير الأهل والعشيرة كيف لا وهو وأقرانه يطالعون كل يوم لوحة من الإنسانية تتجسد أمامهم تحسسوها بأياديهم الغضة وأدركوها بفطنتهم فأدرك زايد وأقرانه ووعو باكراً حب الخير ومفردات الكرم وكيف يكون العمل على عزة ومنعة وتقدم الوطن وكسب حب أهله.

كل ذلك مثل دافعاً له لينأى بنفسه عن النقائض وحب الذات فتجرد عن كل ماينقص انسانيته وسعيها نحو كمالها البشرى لأنه كان يرى الدافع لذلك فى مفردات الطبيعة القاسية معاناة الأباء والأجداد ومجاهداتهم وصبرهم فكان كلما يسمع هدير الموج العالى وهو يلتطم بالصخور ويشق سكون الليل وصفير رياح الشتاء القارس يخاطبها قائلاً : ستكون لى معكم قصة تحدى سيشهد عليها الزمان ساطوع الصحراء لتكون روضة جنان وسنملك زمام الخليج لمصلحة وخير الأنسان.

فكان يزرع النخل بيديه ليكون قدوة وهو الحاكم يمد يديه بالخير للأمارات الأخرى قبل نشأة الإتحاد يغيث الملهوف ويكرم وفادة الضيف فكأنما يصفه بيت الشعر الذى يقول:- فإذا الأمانة قسمت فى معشر.. أوفى بأوفر حظنا قسامها فأمن بالله وبأنه الواهب المعطى وأن السلطة ليست لتركيع العباد وإنما لرفعتهم ومنعتهم وهى أمانة يسأل عنها المؤمن حينما يلقى ربه فصانها.

فعمل على لم شمل أهله إستنادا لقوله (صلى الله عليه وسلم ): (المسلمون فى تؤادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) وأن (فى الإتحاد قوة) جسدتها الوحدة التى خط حروف أسطرها بمداد من ذهب نابذاً الجهوية والقبلية موحدا للأفكار معبدا لطريق التنمية والوحدة والسلام الدائم فكان له أن بدا بلم شمل الامارات السبع لتولد دولة الإمارات العربية المتحدة واضعا يده فوق يد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وقال فى ذلك: "لقد أدركنا منذ البداية إن الاتحاد هو السبيل لقوتنا وتقدمنا، وهو الوسيلة لإسعاد المواطنين وتوفير الحياة الكريمة لهم وللأجيال القادمة).

لم يقف عند هذا الحد بل دعم الشيخ جابر الصباح لوحدة الخليج العربى الذى تشكل بميلاد مجلس التعاون الخليجى واصبح زايد الخير أول رئيسا له وأول من وقع على ميثاقة لم يقف حلمه عند هذا بل سعى جاهدا للم الشمل العربى وكان يؤرقه شتات أمرهم فكان يقول: "إنني منذ بداية الخلافات في العالم العربي وحتى يومنا هذا لم أبت ليلة واحدة مسروراً لأي خلاف بين شقيق وصديق وصديقه".

وتجىء مئويه الشيخ زايد ترسم لوحة تجسد الوفاء والإخلاص والسير على دروب الأخيار لم يحيد شعب الأمارة وحكامها عن مبادى وقيم وأسس حضارية إختطها زايد الخير وساروا على نهجها ابناءه برا وإيمانا بأن فيها خيرهم وخير البشرية فله الرحمة ويسكنه الله منزلة الحامدين بماكان يؤمن به ويقوله: (ان فلسفتي في الحياة هي أنني مؤمن بأن الأمور كلها بيد الله سبحانه وتعالى، وعلى الإنسان أن يعمل من وحي إيمانه بالله في جَدّ واجتهاد ، فإذا وفقت في السعي حمدت الله على توفيقه، وإذا أخطأت الاجتهاد عُدت عن الخطأ إلى الصواب، إن كل شيء في هذه الحياة هو بإرادة الله سبحانه وتعالى، يُسيّرها ويُدبرها، وعلى العبد أن يسعى في مرضاة الله وأن يفعل ويتوكل، وعلى الله التوفيق، ومتى كان إيمان الإنسان بربه قوياً، فإن الله يهبه راحة الضمير وتلك هي السعادة القصوى).

فهو بحق "حكيم العرب" في أمة فقدت القادة.. كان حكيماً فى قراءة سطور الأيام وحروف التاريخ، استطاع أن يستشرف آفاق المستقبل بكل ثقة ووضوح، فسار بشعبه نحو الحضارة والتقدم الذي أذهل العالم، في أرض صحراء قاحلة، صارت خلال 40 عامًا وجهة سياحية رائدة في العالم، ونموذجًا اقتصاديًا وسياسيًا وشعبيًا يحتذى به، وينظر إليه كبارقة أمل تنتظر هذه المنطقة التي طالما عانت من شظف العيش، وطالما انتظرت رجلًا كـ "زايد الخيـــر".