العلة عند داوكينز - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

العلة عند داوكينز

تهافتات تلحودية

  نشر في 16 نونبر 2019 .

سأل الإعلامي الأمريكي "بين شتاين" الملحد الشهير "ريتشارد داوكينز" عما إذا كان يرى مانعاً من أن يكون أصل الخلية الحية الأُولى تصميماً ذكياً من عمل بعض كائنات اليوفو UFO التي زارت الأرض في زمان سحيق، فقرر داوكينز أنه لا يرى ما يمنع ذلك، بل إنها تعد- على حد قوله- جديرة بالإهتمام!

لهذا لم يجد شتاين إلا أن عقَّب على جواب داوكينز بتلقائية وفطرية تامة قائلاً " إذن هو لا مانع عنده من قبول فكرة التصميم الذكي عموماً، وإنما يعترض على نسبتها إلى الخالق تحديداً !"

إن افتراض كائنات ذكية، أو UFO أو أكوان أُخرى، هذا الإفتراض يفتح تسلسل - مَن الذي خلق تلك الكائنات الذكية؟

وهكذا - ولا يجيب عن السؤال !

ثم كيف لصاحب افتراض كهذا أن يَعيب على الجواب الديني، بل إن الجواب الديني أكثر منطقية وتناسقاً مع نفسه، ويمتلك دعماً نقلياً مباشراً - النص المُقدس-، ويمتلك مستند عدم المعارِض- حيث لم تترك لنا تلك الكائنات تلك الدعوى العريضة، التي تُثبت قيامها بذلك -، أيضاً الجواب الديني أكثر عقلانية لعدم وجود التسلسل اللانهائي بداخله والذي هو مستحيل عقلاً، فالتسلسل اللانهائي تضطر فرضية اليوفو للتسليم به أو العودة للقول بالخالق الأبدي المستقل عن حدود الزمان والمكان.

فالجواب الديني يقدِّم للعاقل المُنصف ما لا تُقدمه الفرضيات الإلحادية الهاربة من فخ المعايرة الدقيقة للكونFine tuning، والمعايرة الدقيقة لحظة الخلق، والتشفير في الكائنات الحية Coding، وهي أمور تدعو للتسليم بخالق واعٍ حكيمٍ قادر.

ففرضية مُصمم ذكي من كون آخر أو UFO أو غرباء زاروا الأرض، هذا ليس جواباً في حد ذاته وإنما هو إرجاء المطلب المعرفي الذي يرومه السائل إلى درجة من درجات تسلسل لا نهائي لا يوصلنا إلى جواب البتة!

فما فعل المُلحد بهذا في الحقيقة إلا أن أضاف في الطريق إلى إثبات العلة الأُولى الفاعلة- الله -، إفتراضاً متهافتاً لعلةٍ وسيطة لا يجد العقلاء من القرائن ما يوحي- ولو من بعيد - بوجودها أصلاً!

لكنه الهروب من التكليف الديني إلى دين بلا قيود ولا إلزامات، إنه دين اليوفو دين الملاحدة الجديد!

إن مشكلة الملاحدة مشكلة نفسية بالأساس، تتمثل في كراهيتهم الدخول في مقتضيات إثبات ذلك الخالق الغيبي، التي هي وجوب الخضوع لأمره ونهيه وتألهه وعبادته!

ثم إن من مسلمات مُعطياتنا عن حدث الخلق الأول سواءاً للكون أو الحياة، أن منظومة الخلق تلك جائت بنواميس وقوانين كونية حتمية، فكيف يُقال أن أولئك الغرباء الذين هم داخلين في جملة تلك النواميس وخاضعين لها، قاموا بكسر تلك النواميس والقوانين وأجدوا عندنا حياة ؟

لكن يبدو أن الإلحاد الجديد مضطر إلى التسليم بفرضيات من هذا القبيل، لأنها الوحيدة المتاحة في مقابل الدين!

لكن هذه الفرضيات لا تحل المشكلة بل ربما مع الوقت تطرح تساؤلات فلسفية أعمق، وللمرء أن يتسائل لماذا الإقدام على فرضيات غاية في الغرابة والدهشة والبُعد عن التجريب والإختبار والرصد الإمبريقي كتلك الفرضيات ؟

إن هذه الفرضيات هي فقط ترحيل للمشكلة إلى حيث نكون غير موجودين وانتهى الأمر على ذلك !

ثم إن عملية إبداع مصمم بهذا الذكاء هي عملية مدهشة للغاية، وتحتاج إلى قوانين خاصة هي الأخرى، وبالتالي ربما نكتشف أن الذين افترضوا هذه الفرضيات سيجابهون يوماً ما بإلزامات ماورائية أعظم بكثير مما لو كانوا تخلَّوا عن تلك الفكرة .. إننا ننتقل خطوة ما ورائية أعلى وأكثر عمقاً بهذه الفرضيات!

ثم إن هذه الطريقة الفلسفية للهروب من المُشكلة تُناقض شفرة أوكام Occam's razor وهي شفرة فلسفية، وطبقاً لهذه الشفرة فإن أبسط التحليلات لمشكلة معقدة هي الصحيحة، وينبغي اختيار أبسط نظرية تناسب حقائق المعضلة لكن هؤلاء الملاحدة الجدد يختارون أعقد نظرية، ولتذهب شفرة أوكام إلى الجحيم!

إن التسليم لله هو نهاية قصة المصير الإنساني سواءً شئنا أم أبينا، إنه الإستجابة المُثيرة للقضية الإنسانية الكُبرى.

إن الإسلام لم يأخذ اسمه من قوانينه ولا نظامه ولا مُحرماته، وإنما من شيء يشمل هذا كله ويسمو عليه - من حقيقة التسليم لله- إنه استسلام لله، والإسم إسلام!



   نشر في 16 نونبر 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا